أن يتم الإعلان عن سقوط أو إسقاط طائرة أمريكية مسيرة الـ (درون) في منطقة الرضوانية، إحدى ضواحي العاصمة بغداد، يوم الجمعة الماضي، ومقتل جندي من قوات (المارينز) كان يرافق القوات الأمنية العراقية شمالي الموصل في اليوم التالي (السبت) ماذا يعني، وما هي دلالاته، وكيف يمكن قراءته؟
سقوط أو إسقاط الطائرة الأمريكية، أعلنته مصادر عسكرية عراقية، ذكرت أنها كانت محملة بأجهزة تصوير واستطلاع وأسلحة، في طريقها إلى تنفيذ مهمة معالجة هدف تم رصده، بينما اكتفت القوات الأمريكية بالقول: إن قوات الأمن العراقية استعادت الطائرة، من دون الخوض في التفاصيل، ولكن ما أثار انتباه المراقبين السياسيين والمحللين العسكريين، أن وسائل إعلام إيرانية، نشرت صوراً للطائرة وهي مرتطمة بالأرض، في اليوم، الذي تم الإعلان عن سقوطها (الجمعة) الماضية، ونقلت عن مصدر عراقي لم تعلن اسمه وطبيعة عمله، أن الطائرة سقطت يوم الإربعاء، أي قبل يومين من إعلان سقوطها، وهذا يعني ببساطة، أن الجهات الإيرانية كانت على علم بما حدث للطائرة، ربما قبل السلطات الأمريكية، التي اعترفت بالحادث، من دون أن تتحدث عن أسباب سقوط طائرتها، هل كان بفعل فاعل، أم لعطل فني، كما جرت العادة دائماً في هكذا حوادث؟
دور عسكري إيراني في العراق
وبداية لا بد من ذكر مسألة أثارت الاهتمام، وتتعلق بمنطقة الرضوانية، التي سقطت فيها طائرة الـ(درون) الأمريكية، وهي المنطقة المحاذية لمطار بغداد الدولي، وقد اتخذتها وزارة الدفاع (البنتاغون) مقراً لقواتها الرئيسة، عقب إكمال احتلال العراق، وحولت المنشآت القائمة فيها، بما فيها قصر الرئيس الراحل صدام حسين، والمرافق الملحقة به، إلى دور استراحة ومكاتب عسكرية وسجن لكبار المسؤولين السابقين، ووسعت مطارها، الذي كان مقتصراً على هبوط الطائرات المروحية الـ(هليكوبتر) وإقلاعها في العهد السابق، إلى قاعدة جوية متقدمة ومزودة بأحدث التقنيات، وقادرة على استقبال الطائرات المقاتلة والناقلة، الأمر الذي حيّر بعض المتابعين للحادث، وأجبرهم على الاعتقاد، أن الطائرة ربما انطلقت من قاعدة الرضوانية، وسقطت بعد انطلاقها، في وقت قصير جداً، قد يكون دقيقة واحدة أو أكثر قليلاً، وهذا يعني، إذا صح هذا الاستنتاج، أن القواعد والمعسكرات الأمريكية في الرضوانية، تحت المراقبة والرصد، ومثل هذه المهمات، فوق طاقة القوات العسكرية العراقية، من جيش واستخبارات، وقوة جوية، ووحدات شرطة، مما يُعطي انطباعاً، أن جهداً دولياً، يقف وراء الحادث، وفي هذه الحالة، فإن الذهن ينصرف بلا تفكير أو مقدمات إلى إيران، التي تمكنت من فرض سيطرتها على عدد من القواعد العراقية، أو احتلتها بالفعل، تحت ستار الحشد الشعبي، ومنها قاعدة (أشرف) في محافظة ديالى، أقرب المحافظات العراقية إلى بغداد، وهي كانت مقراً لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة، قبل طرد قادتها وكوادرها وقواتها منها، إذ تشير المعلومات الميدانية في المنطقة إلى أن جهوداً إيرانية بذلت، خلال السنوات الخمس الماضية، حولت (أشرف) إلى قاعدة عسكرية وجوية كبيرة، بعد أن ألحقت بها، أراضي زراعية وبساتين واسعة، كانت تحيطها، بالمصادرة وتهجير أصحابها، وهذه القاعدة، مثل قاعدة (جرف الصخر) شمالي محافظة بابل، ليس للحكومة العراقية، دور في الإشراف عليهما، ولا علاقة للجيش العراقي أو القوة الجوية بهما.
الجهة التي أسقطت الطائرة في الرضوانية، إحدى ضواحي بغداد، المحمية أمنياً، تمتلك امكانيات دولة، والجهة التي قتلت الجندي الأمريكي شمال الموصل وهي بيئة تعدها واشنطن صديقة، بعد استبعاد "داعش"، لديها قدرات عالية، في الاختراق والرصد والمتابعة
سر مقتل رجل المارينز
وعندما تتكتم القوات الأمريكية على ظروف مصرع جنديها في شمال الموصل، ولا تتهم جهة محددة بقتله، فانها تُبعد تنظيم الدولة (داعش) من المسؤولية، لأنها، عند تعلق الموضوع بالتنظيم، كانت تتحدث بالتفصيل، كما في حوادث سابقة، وأوقات ماضية، وتذكر الإحداثيات العسكرية علناً، سواء كانت اشتباكات مع مسلحي "داعش"، أم ضرب مقراتهم بطيران (التحالف الدولي)، وهنا أيضاً مسألة تثير الاهتمام، فإذا كان الجندي قد قُتل في صدام، مع الدواعش، فهي تعلن ذلك، وتعده جزءاً من حربها على الإرهاب، وإذا قُتل بنيران صديقة فهي تعترف به، كما جرت العادة، إذن ثمة سر مجهول لا تريد واشنطن الإفصاح عنه حالياً، لأسباب سياسية أو أمنية، أو لاعتبارات أخرى تخصها.
وعموماً.. فإن إسقاط طائرة أمريكية مسيرّة، ومقتل جندي من المارينز، في غضون يومين، وفي مكانين متباعدين، يعطي انطباعاً أن واشنطن تواجه تحديات في الساحة العراقية، تمنعها من استغلالها في أي مواجهة مسلحة محتملة مع إيران، أو على الأقل، تعيق تحركاتها بهذا الصدد، وليس استباقاً للأحداث، فإن الجهة التي أسقطت الطائرة في الرضوانية، إحدى ضواحي بغداد، المحمية أمنياً، تمتلك إمكانيات دولة، والجهة التي قتلت الجندي الأمريكي شمال الموصل وهي بيئة تعدها واشنطن صديقة، بعد استبعاد "داعش"، لديها قدرات عالية، في الاختراق والرصد والمتابعة، وهذه المقومات، لا تتوافر إلا لدولة أيضاً، فهل تقف إيران المستهدفة أمريكياً، وراء الحادثين؟ وأرادت أن تبعث برسالة تحد إلى الرئيس ترامب، تقول فيها: نحن هنا، كما في الخليج ومضيق هرمز، والبحر الأحمر وباب المندب وسوريا ولبنان!
يبدو الأمر هكذا لحد الآن، إلا إذا ظهرت معلومات جديدة خلاف ذلك، الجميع في انتظارها !
قوس التحول الديمقراطي في بلاد المغرب
أسلحة أمريكية ناعمة لمواجهة نفوذ إيران الخشن في العراق!