تستقبل الجامعات الفلسطينية في
غزة عامها الدراسي على
وقع
أزمة مالية تعصف بها، وسط تحذيرات من انهيار منظومة
التعليم العالي، نظرا لوصول
الأزمة لمراحل تنذر بإغلاق عدد من هذه المؤسسات، ما لم يتم استدراك الأزمة في أقرب
وقت ممكن.
وسط هذه المخاوف، عقدت لجنة ممثلة عن اتحاد الجامعات
العامة في غزة، وضمت كلا من الجامعة الإسلامية والأزهر والكلية الجامعية للعلوم التطبيقية،
مؤتمرا صحفيا في 25 من الشهر الماضي، استعرضت فيه الواقع المالي لجامعات غزة، وتداعيات
الأزمة المالية على منظومة التعليم العالي.
وتتجسد الأزمة المالية في تراكم الديون المستحقة على
الطلبة لصالح هذه الجامعات بقيمة وصلت إلى 26 مليون دولار، وهو ما انعكس على قدرة الجامعات
في توفير الرواتب الشهرية للمحاضرين، التي تراكمت لتتجاوز حاجز 35 مليون دولار.
أثرت هذه الأزمات في تراجع أعداد الطلبة بنسبة 30 بالمئة،
حيث وصل عددهم حتى نهاية العام الماضي إلى 35 ألف طالب، في حين بلغ عددهم في العام
2010 قرابة 45 ألف طالبة.
خلافات نقابية وطلابية
وقال مصدر في نقابة العاملين في الجامعة الإسلامية
لـ"
عربي21"، إن "خلافات ما زالت
قائمة بين إدارة الجامعة ونقابة العاملين منذ سنوات؛ نظرا لسياسة الجامعة في تقليص رواتب
الموظفين لما دون الـ50 بالمئة منذ العام 2014، وانتهاج الجامعة لسياسة التوظيف بنظام
العقود المؤقتة المعروفة بنظام (الساعات)، التي تحرم الموظف من أي حقوق مالية في نهاية
الخدمة".
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل شملت الأزمة نشوب خلافات
بين الجامعات ومجالس الطلبة، وصلت إلى حد التهديد بتعليق العمل الإداري والأكاديمي في
الجامعة، بسبب رفضها دخول الطلبة لمقاعد الامتحانات دون تسوية كافة التزاماتهم المالية،
كما تحتجز هذه الجامعات ما يزيد على 8500 شهادة جامعية؛ نظرا لعدم تسديد الطلبة كافة
رسومهم المستحقة.
يصنف القانون رقم (11) للعام 1998 بشأن التعليم العالي
الجامعات الفلسطينية إلى ثلاث فئات: جامعات حكومية، وهي التي تعتمد على ميزانية السلطة
في تغطية نفقاتها، والفئة الثانية الجامعات الخاصة (الربحية) التي يديرها مستثمرون
ورجال أعمال. أما الفئة الثالثة، فهي الجامعات العامة (غير الربحية)، التي تديرها الجمعيات
الأهلية غير الحكومية، وتتمثل الأزمة المالية في الفئة الثالثة.
الحصار وعقوبات السلطة
ويشير الوكيل المساعد لشؤون التعليم العالي في وزارة
التربية والتعليم، أيمن اليازوري، إلى أن "ما تعيشه الجامعات في غزة من أزمات هي
حالة لا يمكن فصلها عن الواقع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه غزة نتيجة الحصار الإسرائيلي
منذ ثلاثة عشر عاما، التي زاد من أثرها فرض السلطة لعقوبات مالية طالت شريحة الموظفين، المحرك الرئيسي للعجلة الاقتصادية في غزة".
وتابع اليازوري: "انعكست هذه الأزمة في قدرة الطلبة على توفير رسومهم الدراسية، الأمر الذي
دفع بالجامعات إلى منح تسهيلات كتقسيط الرسوم على أمل أن يلتزم الطالب بهذا التعهد، لكن استمرار الوضع الراهن دون تغيير نحو الأفضل زاد من قيمة المستحقات على الطلبة، وأثر على إيرادات الجامعة في توفير رواتب الموظفين".
وأكد اليازوري في حديث لـ"
عربي21" أنه
"منذ العام 2007، تراجع الدعم المقدم من وزارة التربية والتعليم العالي للجامعات
الفلسطينية في غزة بشكل كبير، ووصل الأمر إلى حد وقف هذه المخصصات في بعض السنوات"،
مشيرا إلى "ضرورة العمل على إيجاد تسوية تتمثل في زيادة مخصصات دعم الجامعات من
قبل الوزارة بقيمة لا تقل عن 9 ملايين دولار سنويا، لمحاولة تدارك تبعات هذه الأزمة، حتى لا يصل الأمر إلى حد إغلاقها بشكل كامل".
تضم فلسطين 49 مؤسسة للتعليم العالي مرخصة من وزارة التربية
والتعليم العالي، 15 منها في قطاع غزة، ويقدر عدد الطلبة بـ200 ألف طالب مناصفة بين
الضفة الغربية وقطاع غزة، وتخرج سنويا 40 ألف طالب، وبموجب قانون تنظيم العالي تحصل
المؤسسات على مخصصات بمتوسط 3 ملايين دولار سنويا، يتم تقديرها وفقا لحجم المؤسسة وأعداد
الطلبة الملتحقين فيها.
أسباب أخرى للأزمة
وفي سياق آخر، أشار رئيس قسم الاقتصاد في الجامعة الإسلامية
بغزة، محمد مقداد، إلى أن "ما تعيشه الجامعة الإسلامية من ضائقة مالية يعود إلى
انتهاجها لسياسة تقديم الخدمة التعليمية للمجتمع الفلسطيني بأقل التكاليف، دون أن يكون
هنالك هدف ربحي تسعى لتحقيقه، إضافة لتحملها جزءا من مسؤوليتها الاجتماعية بمراعاة الطلبة
في الحصول على خدمة التعليم الجامعي مجانا لبعض الحالات التي لا تستطيع توفير رسوم
دراستها".
وأضاف مقداد لـ"
عربي21": "هنالك تباين
في أسعار الرسوم الجامعية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث يصل متوسط سعر الساعة الدراسية
في غزة إلى 30 دولارا، مقابل 80 دولارا في الضفة الغربية، مع تقارب نسبي في رواتب الموظفين
الإداريين والأكاديميين، وهذا سبب إضافي في غياب الأزمة المالية في جامعات الضفة الغربية، التي تعتمد أيضا على إيرادات خارجية من مرافق الجامعة التي يتم استثمارها من رجال الأعمال، وبذلك يدر إيرادا إضافيا على الجامعة تستطيع من خلالها مواصلة مشوارها في تقديم خدمة
التعليم الجامعي دون أي قصور ".