في
مدينة بيرنا الواقعة على بعد نحو عشرين كيلومترا من مدينة دريسدن، عاصمة ولاية
ساكسونيا على ضفاف نهر الإلبا، شرقي ألمانيا، بدأت تنتشر الإعلانات المختلفة
لمرشحي الأحزاب الألمانية المختلفة للانتخابات المحلية المقررة في الأول من أيلول/
سبتمبر القادم.
بينما
كنت أتجول في المدينة بمنطقة "زونن شتاين" تحديدا، لفتني مشهد رجل يرتدي
بلوزة تحمل صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويسير بها في الشارع. لوهلة توقفت
فسألت نفسي إذا ما كنت فعلا في مدينة روسية أم ألمانية! ولكني لم أسافر يوما لبلاد
الروس، ولم أغادر ألمانيا أيضا هذه الفترة!
مشهد
آخر استوقفني عندما التقيت مجموعة من الشبان والشابات الذين يقل عددهم في المدينة
الصغيرة مقارنة بكبار السن، وتحدثت معهم بينما انتهيت لتوي من ممارسة رياضة الجري
في وقت متأخر من الليل.. كانوا يتسامرون مع بعضهم البعض بحضور الفودكا الروسية.
المجموعة
الذين التقيت بها كانت من الألمان، بعضهم من خلفيات أوروبية مهاجرة؛ إن لم يكن
أغلبهم، ولكن الحديث بيننا جميعا دار بالألمانية، لغة البلد التي تجمعنا.
"تاتيانا" وهي عشرينة
ألمانية قادمة من بافاريا قبل أن تنتقل للعيش في بيرنا، كما عرّفت بنفسها، قالت
لي: "لا أفتخر بألمانيتي، بل بأصلي الروسي". استغربت من الأمر قليلا،
حتى زاد استغرابي شاب صغير آخر يقول بأنه يفخر بروسيته أيضا على حساب ألمانيته.
في
مدينة دريسدن تلحظ أيضا الكثير من الألمان الذين يحملون ملامح روسية أيضا، وتجد
المحلات والمطاعم، وحتى الكنيسة الروسية.
تذكرت
رئيس وزراء ولاية ساكسونيا ميشيل كريتشيمركا عن الحزب المسيحي الديمقراطي، الذي
شارك برفقة رئيس جمعية الأعمال في منتدى الأعمال الدولي بمدينة سان بطرسبوج
الروسية، والتقى بالرئيس فلاديمير بوتين. كما شارك وزير الاقتصاد بالحكومة
الاتحادية بيتر ألتماير، وهو من ذات الحزب، في ذات المؤتمر.
رئيس
وزراء ساكسونيا اعتبر المنتدى الاقتصادي الدولي في سان بطرسبرغ "فرصة ممتازة
لزيادة تطوير العلاقات الاقتصادية والسياسية الجيدة بين ولاية ساكسونيا والاتحاد
الروسي".
بعد
أيام من عودة كريتشيمر إلى ساكسونيا، جدد خلال مؤتمر الحزب المسيحي الديمقراطي في
شيمنتز مطلبه بإنهاء العقوبات على موسكو، كما دعا الرئيس الروسي لزيارة الولاية.
هذه التصريحات لاقت انتقادا لاذعا من مرشحة حزب الخضر كاتيا ماير؛ التي قالت إنها
تشعر بأن تصريحات كريتشيمر لا يريد منها سوى لحصد أصوات الناخبين من
حزب البديل
الشعبوي واليسار.
الرئيس
الروسي فلاديمير بوتين هو من خريجي مدينة دريسدن، ويتحدث اللغة الألمانية بطلاقة،
وقد كان يعمل جاسوسا لصالح المخابرات السوفيتية المعروفة اختصارا "كي جي
بي" في ثمانينيات القرن الماضي، انطلاقا من المدينة الساكسونية.
كل
هذا يحدث بعد توقعات باكتساح حزب البديل من أجل ألمانيا،
اليميني الشعبوي،
الانتخابات المحلية القادمة في الولايات الشرقية، ولا سيما في ساكسونيا، مما دفع
الحزب المسيحي الديمقراطي (يمين وسط) يفكر بطريقة أخرى لعله يستطيع سحب بعض
الأصوات من الحزب اليميني المتطرف.
في
المقابل، تحاول أقطاب اليسار من ثلاثة أحزاب مختلفة توحيد صفوفها بتشكيل ائتلاف
واحد فيما بينها، في محاولة لمواجهة اليمين المتطرف.
ومع
اشتداد المنافسة بين اليمين الوسط واليمين والمتطرف واليسار قبل أسابيع من
انتخابات محلية ألمانية في المحافظات الشرقية؛ ستأخذ الكثير من الجدل داخليا
وخارجيا، تبقى الكلمة للمصوت الألماني الشرقي ليحدد النتيجة للفائز.
السيناريوهات
عقب الانتخابات يصعب التكهن بشأنها حاليا؛ إذا ما سيتم تشكيل حكومة يمينية أم
يسارية، أو حتى مختلطة بين اليمين الوسط واليسار، كل ذلك سنعرفه بعد نتيجة
الانتخابات، وبدء المشاورات لتشكيل الحكومة. وأيا كانت النتائج وما ستفضى إليه
المشاورات، فإن اليمين المتطرف سيصبح رقما صعبا في الولاية من الصعب أن يتم
تجاوزه.. هو صعود سيعقد المشهد المتعقد أصلا في بلاد ساكسونيا.