بأي ذنب حُبِسُوا.. أطفال رضع معتقلون بسجون السيسي

"البراء"، و"عبدالرحمن"، و"فاطمة"، و"عائشة"، 4 أطفال بينهم رضيعان يعانون الإخفاء القسري مع ذويهم بسجون النظام العسكري الحاكم، ويتعلمون الحبو والكلام ويستعدون للفطام وسط ظلام الزنازين.

ليسوا وحدهم بل هناك غيرهم العشرات من أطفال مصر يدفعون ثمنا باهظا لجرائم النظام بحق آبائهم وأمهاتهم المعتقلين ويشاركونهم الحبس في الزنازين، بينما يعاني آلاف آخرون الحرمان من ذويهم وغموضا بمستقبلهم، ويواجهون الحياة دون أب أو أم.

وبين القصص المؤلمة لمعاناة أطفال مصريين، قصة الطفل الرضيع "البراء عمر عبدالحميد أبوالنجا"، الذي تم اختطاف أبويه عمر، ومنار، في آذار/ مارس 2019، ويقبع في المعتقل مع والدته، ومر عيد ميلاده الأول في الزنزانة.

ومنذ آذار/مارس الماضي وقت اختطاف الأب والأم من محل سكنهما بالإسكندرية وحتى تاريخه، يتم إخفاء ثلاثتهم قسريا، ولم تنجح أسرتاهما في التواصل مع الزوجين ولا معرفة مكانهما، ولا التهم الموجهة بحقهما، ولم يتم تسليم الرضيع لأهلهما.

وكشفت منظمة العفو الدولية في نيسان/ أبريل، أن عدد الأطفال الذين اعتقلوا منذ منتصف 2013، أكثر من 2200 طفل، ووثقت حالتي "محمد فتوح"، 14 عاما، و"آسر محمد" 16 عاما.

وفي آذار/ مارس، رصد مركز "بلادي" للحقوق والحريات 4130 انتهاكا بحق الأطفال في السجون المصرية، منذ الانقلاب وحتى نهاية 2018، مثل "الحرمان من الحرية، والقتل خارج القانون، والاختفاء القسري، والتعذيب، والمحاكمات العسكرية".

من جانبه، أكد الحقوقي المصري، أحمد العطار، أن أطفال المعتقلين السياسين يعانون مأساة حقيقية ويواجهون ظروفا غاية بالصعوبة"، مضيفا وإن كان "للأسف لا يوجد إحصاء عن هؤلاء الأطفال؛ إلا أن غالبية المعتقلين رجالا ونساء لديهم أطفال".

الباحث بـ"التنسيقية المصرية للحقوق والحريات"، أوضح لـ"عربي21"، أن هناك عددا تقديريا للأطفال الذين اعتقلوا مع آبائهم يحتاج لتحديث، مشيرا إلى أن "الجرائم بحق الآباء والمهات المعتقلين طالت الأطفال، فتم إخفاؤهم قسريا معهم".

الرضيع وشقيقتاه

وتحدث العطار، عن "الاعتقال والإخفاء القسري الذي تم بحق أولاد المرحوم المهندس عمر رفاعي سرور، الثلاثة (فاطمة 5 سنوات، وعائشة 3 سنوات، عبدالرحمن عام ونصف) منذ اعتقالهم مع أمهم (مريم) بعد مقتل والدهم بمدينة درنة الليبية في تشرين الأول/ أكتوبر2018، على يد قوات خليفه حفتر، التي قامت بتسلمهم للأمن الوطني المصري".

وتساءل: "أي مصير يواجهه الأطفال الثلاثة في ظل ظروف سيئة يعيشها المعتقلون والمختفون قسريا؟"، مضيفا: "فما بالك بعبدالرحمن الرضيع الصغير، بأي وضع يعيش طفل لم يكن قد تجاوز عمره 6 شهور وقت اعتقاله".

أربعة يتامى

وتابع العطار: "هناك حالة أخرى مؤلمة لأربعة أبناء توفي والدهم، وأمهم رباب عبدالمحسن، (36 سنة) معتقلة منذ 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2016، من الحي العاشر بالقاهرة، ويعيشون بلا عائل منذ 3 سنوات، كما أن الأم مريضة بفيروس (سي) مع اشتباه بوجود بؤرة سرطانية".

وفي نموذج ثالث، أشار إلى "أبناء الدكتورة بسمة رفعت، وزوجها المعتقلين للسنة الثالثة على التوالي بقضية مقتل النائب العام، تاركين أطفالا صغارا أصابهم بين أقل ما أصابهم الحرمان الأبوى وفقدان الدعم النفسي".

ويعتقد الحقوقي المصري، أن أطفال المعتقلين مروا بأزمات أكبر من تفكيرهم وسنهم، بداية من مشهد قوات الأمن وهي تقتحم منازلهم قبيل الفجر وتعتقل الأم أو الأب،  ومرورا بتحطيم الأمن لكل أثاثهم، ناهيك عن ترويع أدى لوجود الكثير من الأزمات النفسية للأبناء رغم مرور أشهر وسنوات.

وختم بالقول: "الحالات كثيرة ومؤلومة وبالتاكيد سيكون لديها تأثير سلبي على مستقبل جيل قادم، خاصة أن أعداد المعتقلين في ازدياد".

"همس" و"هيا"

ومن نماذج معاناة أبناء المعتقلات، الطفلتان "همس" 9 سنوات، و"هيا" 7 سنوات، ابنتي الصحفية المعتقلة آية علاء.

المثير في أزمة "همس" و"هيا"، هو مرورهما بالأزمة نفسها مع الدهما الصحفي حسن القباني، في أثناء اعتقاله، وبعد الإفراج عنه لم يكد شمل الأسرة يكتمل حتى تم اعتقال الأم.

أحد المقربين للأسرة، وصف لـ"عربي21"، حجم  الصدمة التي تواجهها الطفلتان، مؤكدا أنهما "تعيشان مشاعر فقد وحرمان من أم ظلت تكابد سنين من أجل خروج زوجها والأب الحبيب لهما، لتغيب الأم هي الأخرى".

وأضاف أنهما "رغم ضعفهما وسنهما الصغير أثرت فيهما المحنة، ورغم ذلك تحاولان مواجهة الأزمة للمرة الثانية بثبات وتشجيع من الجميع، ولكن الضربة أقوى، فأمهما هي صديقة وحبيبة لهما، وينقصهم في غيابها حنان الأم واهتمامها وقصة قبل النوم".

التوأم.. "زياد" و"جاسمين"

وفي نموذج للحرمان من الأب المعتقل؛ "زياد" و"جاسمين"، توأم الأكاديمي والسياسي المصري الدكتور محمد محيي الدين.

"حُرموا من أب مميز، وافتقدوا جلوسه بجوراهم وحكاياته قبل النوم، واشتاقوا لحضنه وحنانه ولعبه وضحكه والإفطار معه وإطعامهم بيده"، هكذا لخصت والدتهم ندى مقبل، حال توأمها على مدار 5 شهور.

وأضافت لـ"عربي21"، أن "الأولاد بحالة نفسية سيئة، وسنهم لا يسمح أن أشرح الوضع فهما لم يتما عامهم الرابع، ولكن دائما أقول لهم إن أباهم بطل يعمل كثيرا ولابد أن تكونوا مثله؛ لكنهم لا يقتنعون".
 
وأكدت مقبل، أنها لا تصطحب توامها لزيارة والدهم المعتقل، بسبب "إجراءات التفتيش المرهقة التي تتخطى 5 ساعات"، مضيفة: "ولن أقبل بتفتيشهم وتعريضهم للأذى النفسي كبقية أطفال المعتقلين، ولأجل زيارة نصف ساعة لا أجد مبررا ليتركوا والدهم بعدها".

"قبل حكم الإعدام"

وفي مشهد مؤلم تداولت بعض صفحات المعتقلين صورة من إحدى جلسات القضية المعروفة إعلاميا بـ"التخابر مع قطر"، لأبناء المعتقل محمد كيلاني، - قبل تصديق الحكم عليه بالإعدام بلحظات- يقفون أمام قفص الاتهام بينما يقبع والدهم خلف أسلاكه الشائكة وزجاجه العازل، ليخبروه بأنهم يفتقدونه وأنهم نجحوا بالمدرسة.