يتخوف علماء ودعاة من أن الحملات الموجهة في أصلها لمحاربة حالات التطرف والغلو الديني توسعت لتشمل محاربة التدين بعمومه، وأنها باتت تستهدف بشكل مباشر بعض الثوابت الدينية.
وبحسب محللين فإن استهداف التدين بعمومه، والتطاول على ثوابت دينية يأتي في سياق ملاحقة الحركات الإسلامية السياسية بعد تصدرها المشهد العام إبان الربيع العربي، وهو ما ألّب عليها قوى الثورة المضادة التي عمدت إلى تفكيك حالة التدين بوصفها الحاضنة الشعبية لتلك الحركات.
وفي هذا السياق لاحظ مراقبون أن أصوات العلماء والدعاة المدافعين عن ثوابت الدين والأمة، خاصة في السعودية ودول الخليج العربي، لم تعد كسابق عهدها، بل خفتت كثيرا بعد حملات الاعتقالات التي طالت مئات العلماء والدعاة والأكاديميين ورجال الفكر والإعلام في السعودية وغيرها.
ويشير الداعية السوري، محمد عبد الله نجيب سالم، إلى أن "عموم العلماء في العالم الإسلامي يستشعرون ظاهرة انتشار النقد والهجوم على الثوابت الإسلامية الشرعية، والتي باتت تنتشر في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، والعديد من وسائل الإعلام المرئي والمسموع".
وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "قد كان الأمر قبل عشر سنوات مقصورا على وسائل إعلام محدودة وكتيبات مطبوعة قليلة، لكنه اليوم يأخذ حيزا كبيرا مما ينتشر بين أيدي عموم الناس، تقف وراءه جهات ومخابرات ودول، فهي في أغلبها حملات مقصودة وممولة"، على حد قوله.
وطبقا لسالم فإن "تلك الحملات باتت تؤثر سلبا على جمهور الشباب والناشئة الذين يتلقون هذا السيل من الإشكالات والاستفسارات دون وجود إجابات حاضرة دائما، أو مقنعة أحيانا لدى جيل اليوم، مما يجعل التحديات أكبر والواقع أصعب".
وأبدى سالم أسفه لعدم "وجود جهود جماعية منظمة لمواجهة تلك الحملات الكبيرة ضد التدين والثوابت الإسلامية، إذ إن أغلب من يقوم بذلك أفراد على وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى جهود بعض المراكز القليلة ذات التمويل المحدود لمواجهة هذه الهجمة".
وأوضح الداعية، عضو المجلس الإسلامي السوري سابقا طبيعة عمل العلماء في مواجهة تلك الحملات بأنهم يركزون على تثبيت الجمهور الملتزم المتدين عبر ربطهم بالدروس والخطب والتواصل في المناسبات الدينية والاجتماعية، وربطهم بذكر الله والمحافظة على الصلوات، والاجتماع على أعمال البر والخير".
اقرأ أيضا : دعاوى "الوسطية والاعتدال" متى تتوافق مع واقع الحال؟
وأضاف: "كذلك لا بد من مناقشة ما يطرح من شبهات في الهجوم على الدين والتدين، عبر متابعة ما يُثار على وسائل التواصل الاجتماعي والرد عليها في الخطب والدروس" لافتا إلى أن "العلماء والدعاة ينقصهم الكثير مما يتعلق بتحديث وسائل الخطاب الديني، وكذلك فهم طريقة تفكير الجيل الحالي، والمتابعة المستمرة لمختلف الشبهات والهجمات".
وشدد سالم على ضرورة "قيام العلماء بواجب بيان الحق في كل ما يعرض للأمة، من غير أن ينغمسوا في التجاذبات السياسية المنتشرة اليوم في العالمين العربي والإسلامي".
من جهته أبدى الأكاديمي الفلسطيني، الباحث في الدراسات العربية والإسلامية، مالك عبد المجيد القادري تحفظه على إطلاق تعميم استهداف تلك الحملات للتدين بعمومه، أو استهداف ثوابت دينية، لافتا إلى أن "الأمر نسبي، ولكل بلد عربي وإسلامي خصوصيته".
وذكر القادري لـ"عربي21" أن "الغرب يعي هذ المسائل الفكرية وعيا تاما، ويعمل على إحلال إسلام يتناسب مع مخططاته ومصالحه بعكس كثير من المحكومين العرب الذين انخلعوا لا من دينهم وإسلامهم وعروبتهم، بل من أخلاق العرب الجاهليين الذين قال قائلهم يوما "وأيم الله لولا أن يؤثر علي الكذب لكذبت" متسائلا: أين أخلاق الجاهلية الأولى من جاهلية القرن الحادي والعشرين"؟.
بدوره قال الداعية المغربي، حسن علي الكتاني: "بات واضحا أن ما يقال عنه محاربة التطرف والغلو خرج عن مساره ليتحول إلى مهاجمة التدين بعمومه، بل زاد على ذلك باستهدافه ثوابت دينية مقررة".
وأشار الكتاني إلى "ما يحدث حاليا للمسلمين الإيغور في إقليم تركستان الشرقية، حيث تقوم الصين باضطهادهم وسلخهم عن دينهم، ومحاربتهم بشكل ممنهج، وكل ذلك يتم باسم محاربة الإرهاب والتطرف، والأدهى من ذلك كله أن دولا عربية وإسلامية أيدت الصين في اضطهادها لمسلمي الإيغور".
وأضاف أنه "ليس خافيا على أحد ما يجري في بلاد الحرمين الشريفين من تنفيذ سياسات تهدف إلى سلخ السعوديين من نمطهم الديني الذي عاشوا عليه لعقود طويلة، وإدخال مظاهر التحلل والتفلت والفساد والفجور إلى جوار الحرمين الشريفين باسم الترفيه والانفتاح وما إلى ذلك".
اقرا أيضا : "الدولة" يتراجع عن البيان الذي شق صفوفه ويبقي الجدل قائما
وردا على سؤال "عربي21" "كيف يمكن للعلماء والدعاة مواجهة تلك الحملات المستهدفة للتدين بعمومه؟"، أكدّ الكتاني أن "سبيل المواجهة هو ما ذكره الله في الآية الكريمة (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض..)، فلا بد من مدافعة الفساد والفاسدين، بالدعوة إلى الله، والتعليم والإرشاد، وإنشاء جمعيات ومؤسسات تضطلع بتلك الأعباء والمسؤوليات".
وأشاد الكتاني بمواقف العلماء والدعاة الذين يتصدرون لمواجهة تلك الحملات، متحملين تبعات ذلك بوعي وجرأة، منتقدا في الوقت نفسه حال "أولئك العلماء والدعاة المتكاسلين والمتثاقلين عن القيام بواجبهم في البيان والإرشاد والدعوة، ومواجهة الفساد والمفسدين".
ونبَّه الكتاني في ختام حديثه إلى أن أبواب وسبل مواجهة تلك الحملات المستهدفة للتدين والثوابت الدينية كثيرة، وبمقدور العلماء والدعاة استغلال واستثمار كل مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي لمواجهة تلك الحملات عبر جهد منظم ومدروس، وكشف تلك المخططات، وبيان من يقف وراءها، وما هي أهدافهم ومقاصدهم، وتعرية سبل المجرمين أمام عموم المسلمين، الذين ما زال غالبهم ولله الحمد يعظمون شعائر الله وأحكام شريعته".