بوريس حسين جونسون

على إثر أزمة بريكست، وصل وزير الخارجية المستقيل من حكومة تيريزا ماي إلى 10 داونينج ستريت. لعب بوريس جونسون بمهارة على هذا الملف واستفاد من الأزمة أيّما استفادة، حتى استقالته من رئاسة أعرق وزارة خارجية في العالم كانت وثبة نحو الأعلى. لقد استطاع جونسون الطموح بأن يصل إلى ما يريد، واستطاع أن يحقق حلمه الذي تأخر ليكون رئيسا لوزراء بريطانيا بعد أن نال ثقة حزبه (حزب المحافظين) بأغلبية كبيرة من المؤتمر العام، في تصويت أجري بعد أن فشلت ماي في أن تقدم حلا مرضيا للخروج من الاتحاد الأوروبي دون خسائر رآها معارضيها، بل وحزبها، مذلة، فكانت الفرصة لجونسون الذي لعب على الوتر وأجج المشاعر ليصل في النهاية.

أول ما تلقى العرب والمسلمون نبأ وصول بوريس جونسون إلى سدة الحكم في بريطانيا سارعوا للبحث عن معلومات أكثر عن رئيس وزراء واحدة من أكبر الدول الفاعلة في العالم، بحكم التاريخ والقانون الدولي، فوجودها ضمن الخمسة الكبار في مجلس الأمن يجعلها رغم تماهيها مع السياسة الأمريكية واحدة من الكبار المسموعين. فتصويت بريطانيا في مجلس الأمن له ثقله، وعلى الجميع أن يخطب ودها لتمرير قرارات المجلس التنفيذي للعالم.

محركات البحث عبر الشبكة العنكبوتية تزخر بملايين الأخبار والمعلومات عن بوريس جونسون، لكن ما استوقف المسلمين من العوام، والنخب، أن جونسون من أصول تركية شركسية، وأن جده علي كمال بك كان وزيرا في الخلافة العثمانية، وتناقل العرب مقاطع فيديو له مع الرئيس التركي أردوغان والسلام الحار بينهما، كما استدلوا على أن وزير الخارجية التركي مولود شاوش أغلو كان أول من هنأ الرجل بمنصبه الجديد.

هذا الاندفاع العاطفي ذكرني بردة فعل المسلمين عند تولي الرئيس الأمريكي السابق باراك حسين أوباما رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، فأصوله الأفريقية المسلمة جعلت المسلمين في العالم يأملون خيرا، لا سيما وأنه كان معارضا لغزو العراق وأفغانستان، ووعد بإغلاق معتقل جوانتانامو سيئ السمعة، وكانت زيارته للقاهرة وخطابه الشهير في جامعتها يبشر بانفتاح كبير وتصالح مع الشعوب العربية والإسلامية؛ التي نالت قسطا كبيرا من العذابات على يد اليمين المتطرف، فلم يف بعهد من عهوده، بل على العكس حارب ثورات الربيع العربي ودعم الدكتاتورية في بلاد المسلمين، وتراخى مع المشروع الفارسي حتى سيطرت إيران على أربع عواصم عربية.

بوريس جونسون يميني شعبوي له مواقف حادة مع الإسلام والمسلمين؛ تجلت في مقال كتبه في مجلة الشاهد في 2005، عقب الهجمات الانتحارية في لندن، كال فيه الاتهامات للمسلمين ودينهم. وحتى لا يحسب المقال على ردود الفعل الانفعالية، فتتّبع تصريحاته يؤكد أن موقفه من الإسلام وجهة نظر لا رد فعل، فقد قال في إحدى المرات إن العقيدة الإسلامية "غريبة وغير جذاب"، كما شبه المسلمات اللائي يرتدين النقاب بلصوص البنوك وصناديق البريد.

نظرة سريعة على نتائج البحث عن جونسون، كفيلة بمعرفة الرجل.. يكفي أنه أبدى إعجابه بأسلوب تعامل الرئيس الأمريكي ترامب مع الشؤون السياسية، في إشارة إلى أسلوب الابتزاز الذي يمارسه ترامب مع الجميع، والتي كان آخرها مع الاتحاد الأوروبي حين قال: "الاتحاد الأوروبي يسرقنا تجاريا ونحميهم من خلال ناتو ولا يدفعون شيئا".

هذا الأسلوب الذي استخدمه مع السعودية والإمارات ونفع، يريد أن يستخدمه مع الجميع، وهو ما يراه جونسون جيدا ويريد أن يكرره، لكن الأمر هنا يتعدى مواقف جونسون وسياساته المستقبلية، إلى التحليل العاطفي لدى المسلمين الذين يبحثون عن مخلص من قهرهم وذلهم حتى ولو من غير جلدتهم. فكرة المخلص في العقل الجمعي لدى المسلمين وفي ظل ظروف قاسية تعيشها شعوبهم؛ جعلتهم يحلمون بعمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وصلاح الدين وقطز في الأحمر والأصفر. ففي حين أن خلاصهم مما هم فيه يكمن في قوتهم التي لم تتفجر حتى الآن، حتى مع بعض الإشارات التي ترسلها السماء، كإشارتي تركيا وماليزيا، فالأزمة تتجلى في من يقبع على صدورنا ولا يريد لنا الحرية والنهضة.