نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للمعلق روجر كوهين، يقول فيه إن رئيس الوزراء البريطاني الجديد بوريس جونسون يواجه آلهة انتقام دموية.
ويشير كوهين في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "جونسون هو باحث في التاريخ القديم/ الكلاسيكي، لذلك فهو يفهم أنه بعد الغطرسة والأعداء فإن الآلهة تراقب ولحظة العقاب تحوم فوق رأسه، فالأعداء يأتون كما وصف هيمنغنوي حالة الإفلاس: أولا ببطء ثم فجأة".
ويتساءل الكاتب عن العقاب وسببه، ويجيب قائلا إن "جونسون لعب ببلاده، وتعامل معها على أنها واحدة من لعبه وبطريقة متهورة ولا أبالية، وليس باهتمام يمكن أن يعفيه من العقاب، فقد دعم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي متبعا نزواته، متوقعا أن الشعب البريطاني سيرفض الخروج، لكنه أصبح بعد ذلك بيدقا في يد المتشددين الداعين للبريكسيت، المجانين الذين تسكنهم فكرة واحدة، وهي (بريطانيا الصغيرة)، والذين أوصلوه الآن إلى 10 داونينغ ستريت".
ويعلق كوهين قائلا إن "وصول جونسون لرئاسة الوزراء هو لحظة رمزية تامة: رجل دون إيمان راسخ لبلد لا يعرف مساره، رجل يحمل ميولا لتدمير الذات لبلد يعاني شللا في القرار، فالآلهة عندما تكون قاسية تضحك على حال بريطانيا".
ويقول الكاتب إنه "في عالم دونالد ترامب المغرور والجاهل بشكل كبير، فإن بوريس جونسون مغرور على قدم المساواة، لكنه ليس جاهلا بالمستوى ذاته، إلا أننا نواجه جنون ترامب مع شذوذ جونسون".
ويرى كوهين أن "جونسون كذب وشق طريقه ضاحكا إلى أعلى منصب بالبلد، مقلدا ومحاكيا المهرج الأحمق، ومخلفا وراءه الضرر الكبير، لكن جونسون ليس أحمقا فهو يعرف التداعيات التي تنتظره، ولو لم يستطع جونسون، الذي ألف كتاب (عامل تشرتشل)، يسكنه فجأة الوصول إلى الحنكة السياسية، فإنه سيصبح أقصر رئيس وزراء بريطاني يقضي مدة في الحكم في تاريخ بريطانيا".
ويلفت الكاتب إلى أن "الموضوع الرئيسي الذي ينتظره هو البريكسيت، وربما إيران، فالموعد الذي حدده، وهو 31 تشرين الأول/ أكتوبر، لإكمال ترتيبات الخروج، عليه الوفاء به، خاصة أنه ربطه بوصول الإنسان إلى القمر".
ويقول كوهين: "ربما استطاع الرجل الذي يزعم أنه قادر على تحقيق الخروج التوصل إلى اتفاق خروج جديد أفضل من ذلك الذي قدمته رئيسة الوزراء السابقة ورفضه البرلمان ثلاث مرات، أو تبني مقولة (أنا وبعدي الطوفان)، أي اللجوء إلى ترك أوروبا دون اتفاق، وما يعنيه ذلك من فوضى اقتصادية وإدارية، وهو مسار سيضر بالجنيه الإسترليني، ويعطل خطوط الإمدادات الأساسية، ويضع جونسون أمام معارضة برلمانية".
وينوه الكاتب إلى أن "حديث جونسون عن ثلاثة أشهر هو بالضرورة شهران؛ لأن أوروبا في شهر آب/ أغسطس تغيب في عطلة الصيف، بالإضافة إلى أن صبر الاتحاد الأوروبي على المهزلة البريطانية بدأ ينفد ووصل إلى حالة الإجهاد".
ويستدرك كوهين بأن "رئيس الوزراء القادم يعتقد أنه قادر على تحقيق اتفاق مع أوروبا، والحصول على تغييرات أفضل من تلك التي حصلت عليها تيريزا ماي، بما في ذلك قضية الحدود بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا، التي أغضبت المتشددين الداعين للخروج، الذين رأوا فيها حصان طروادة لبقاء بريطانيا ضمن النظام الجمركي الأوروبي".
ويفيد الكاتب بأن "قضية الخروج من أوروبا هي قضية إيرلندا أيضا، فاتفاقية السلام التي وقعت عام 1998 أدت إلى حدود مفتوحة، وهي قضية المملكة المتحدة أيضا، وستطرح سؤالا على إسكتلندا التي دعمت البقاء في الاتحاد الأوروبي، إن كان عليها البقاء في المملكة المتحدة أم أنها تبحث عن الاستقلال".
ويبين كوهين أن "البريكسيت هو قضية بوريس جونسون، فلم تستطع ماي القول إلا (بريكسيت يعني بريكسيت)، فهل يستطيع تقديم رؤية عن سبب إيمانه بهذه الحماقة، أي الخروج؟".
ويتساءل الكاتب عما إذا كان جونسون يريد أن يصبح "جرو" ترامب يتسول له بأن يعطيه اتفاقية تجارة ليخفف من آثار الخروج على بريطانيا، وهل يريد فعلا أن يقيم علاقات دافئة مع رئيس أمريكي قال إنه يستطيع محو أفغانستان عن "وجه الأرض"، وقتل 10 ملايين نسمة، مقدما نفسه كذبا على أنه وسيط محتمل في النزاع الهندي الباكستاني حول كشمير، ولجأ إلى التصريحات العنصرية ضد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
ويتساءل كوهين قائلا: "هل سيستمع جونسون أخيرا لصوت العقل، فقد ثبت أنه من الصعب التوصل إلى خطة بريكسيت لأنها مستحيلة، وكما قال رئيس الوزراء السابق جون ميجر فإن على جونسون الاختيار بين أن يكون متحدثا رسميا باسم فصيل الألتراس الداعي للخروج، أو أن يكون خادما للأمة التي سيقودها؛ لأنه لا يستطيع القيام بالدورين".
ويقول الكاتب إن "جونسون لديه الكثير من الأعداء، وغالبية هشة في البرلمان ومواعيد مقيدة، بالإضافة إلى أن فرصه للحصول على صفقة جديدة بحلول 31 تشرين الأول/ أكتوبر، أو إخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق ضئيلة، إن لم تكن معدومة".
ويتساءل كوهين: "فما هو الحل إذا؟ ربما دعا إلى انتخابات، لكن انتصارا للمحافظين يبدو بعيدا، خاصة أن المقترعين منقسمون بين حزب بريكسيت الشوفيني بزعامة نايجل فاراج، وحزب العمال الرهيب بزعامة جيرمي كوربين، وحزب الليبراليين الديمقراطيين المؤيد للبقاء في أوروبا وحزب المحافظين، وفي النهاية ستكون انتخابات حول البقاء أو الخروج من الاتحاد الأوروبي فلماذا لا يدعو لاستفتاء ثان؟ فبعد ثلاث سنوات من الفوضى الحصرية وأكاذيب جونسون كلها عام 2016 تستحق بريطانيا فرصة للقول إن كانت فعلا تريد الخروج من أوروبا".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "لو بقي جونسون على حاله فإنه سيواجه انتقام أعدائه الحازم والدموي، وقد يختار طريقا يتذكره الناس به، وهو أنه اتخذ قرارا شجاعا كتب ذات مرة كتابا عنه".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
بين التهكّم والقلق.. "جونسون" يجتاح الصحف البريطانية
الغارديان: على جونسون القضاء على الفوضى التي تسبب بها
الغارديان: بوريس جونسون يتهم الإسلام بالرجعية والتخلف