وصف
سياسيون واقتصاديون
مصريون قرار رئيس الحكومة مصطفى مدبولي بإلزام المحافظين
والمسؤولين عن أسواق الجملة بمختلف المحافظات، بتخصيص أماكن لمعارض القوات المسلحة
لبيع منتجاتها الغذائية، وتخصيص الثلاجات العمومية التابعة للمحافظات والقطاع
الخاص لحفظ منتجات
الجيش، بأنه يأتي ضمن سياسة فرض الهيمنة العسكرية على السوق
المصري.
واستبعد
المختصون في حديثهم لـ"
عربي21" أن يكون ذلك لصالح المواطن، مؤكدين أن
أسعار المنتجات التي يتم بيعها في معارض جهاز المشروعات والخدمات الوطنية التابعة
للجيش، مثل غيرها بباقي المعارض التابعة للقطاع الخاص، أو التابعة لوزارة التموين.
وحسب
المختصين، فإن منتجات الجيش تتحقق لها العديد من المميزات التي لا تتوفر لغيرها،
حيث يتم إعفاؤها من الضرائب والجمارك، ولديهم عمالة مجانية من المجندين، وهو ما
يجعلها خارج المنافسة، ويمنحها فرصة احتكار السوق المصري دون منافس.
على
جانب آخر دعا نواب ينتمون لحزب "مستقبل وطن" المقرب من نظام الانقلاب
العسكري، مسؤولي المحافظات لسرعة تنفيذ تعليمات رئيس الحكومة بتوفير مقار بأسواق
الجملة بالمحافظات لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، لعرض منتجاته من الخضراوات
والفواكه واللحوم والأسماك.
وبرر
عضو مجلس النواب عاصم مرشد، في بيان إعلامي له، قرار رئيس الحكومة بأنه جاء لإحداث
التوازن في الأسواق قبل عيد الأضحي، الذي اعتبره مرشد فرصة ذهبية للتجار لرفع
الأسعار دون رقيب.
"تدمير
السوق"
وفي
تعليقه على القرار، يؤكد عضو البرلمان المصري السابق عزب مصطفى لـ"
عربي21"،
أن "القرار في ظاهره الرحمة، ولكنه يحمل العديد من العذابات الجديدة للمصريين"،
موضحا أنه كان أولى برئيس الحكومة "دعم المؤسسات الحكومية مثل المجمعات
الاستهلاكية، ومراكز بيع منتجات وزارة الزراعة، وليس إخلاء الساحة لمنتجات الجيش
فقط".
ويشير
مصطفى إلى أن جهاز المشروعات والخدمات العامة التابع للجيش، هو المستورد الرئيسي للحوم الحية والمجمدة، وهو الذي يقوم ببيعها بالأمر المباشر للمؤسسات الحكومية
مثل المستشفيات والمدن الجامعية والسجون، ومن ثم فإن الجيش لا يريد أن يشاركه
أحد في مكاسبه، "ولذلك أراد أن تكون له منافذه الخاصة، ليكون هو صاحب المكسب
الوحيد".
ويضيف
مصطفى: "المفترض أن القوات المسلحة من مؤسسات الدولة، وعليها واجب وطني لدعم
المواطنين وقت الأزمات، ولكن ما يحدث هو تسخير الدولة لإمكانياتها ومواطنيها لصالح
القوات المسلحة، التي أصبحت أكبر مستثمر عقاري بمصر، وأصبحت المنتج الأكبر للأسماك
والمواد الغذائية، ولديها مصانع للحديد والأسمنت، وتحولت من مؤسسة داعمة للدولة،
لمؤسسة مسيطرة ومحتكرة للدولة".
ويتساءل
البرلماني السابق عن الاستفادة التي حدثت للمواطنين نتيجة دخول القوات المسلحة لأي
قطاع استثماري في مصر، موضحا أنه "بسبب احتكار الجيش لسوق العقارات، ارتفعت
أسعار الشقق لأكثر من خمسة أضعاف عما كانت عليه قبل الانقلاب العسكري في 2013،
وتجاوز سعر الوحدة السكنية المدعومة من الدولة إلى 750 ألف جنيه (46 ألف دولار)،
ما قفز بسعر الوحدات السكنية الأخرى لضعف هذا الرقم".
"شراهة
اقتصادية"
ويربط
الخبير الاقتصادي كامل المتناوي بين قرار رئيس الحكومة وموسم عيد الأضحى،
موضحا أن الضربة التي حدثت للجيش في شحنة الدواجن المجمدة التي استوردها قبل ثلاثة
أعوام، وظلت بالمخازن حتى تم بيعها على الأرصفة بأسعار رمزية لانتهاء صلاحيتها،
دفع بالقوات المسلحة لاتخاذ التدابير الاستباقية قبل موسم
اللحوم المرتبط بعيد
الأضحى.
ويؤكد
المتناوي لـ"
عربي21"، أن قرار مدبولي يشير لأمر آخر، وهو أن "هناك
أزمة في ترويج منتجات الجيش، رغم كثرة المنافذ الموجودة بالمحافظات، حيث لا تقل
أسعار بيع منتجاته، عن الأسعار الموجودة بالأسواق لنوعية المنتجات وجودتها نفسها،
فالجيش مثلا لم يقدم اللحوم البلدي أو الطازجة، وإنما يقدم اللحوم المجمدة
المستوردة من إثيوبيا والسودان والبرازيل، والنوعيات الموجودة من الأصناف الرديئة
وليست المميزة".
ويعد الخبير الاقتصادي أن القرار يترجم كذلك "شراهة الجيش الاقتصادية، وكيف يستخدم
الظروف الاقتصادية للمواطنين في تحقيق مكاسب سريعة وهائلة، لا تحقق استفادة حقيقية
للاقتصاد القومي، وإنما تأتي بنتائج سلبية على كل العاملين بالمنتجات الغذائية
وغيرها من القطاعات التي يتنافس فيها الجيش".
ويتفق
المتناوي مع الرأي السابق، في أنه كان أولى بالحكومة أن تقدم هذا الدعم للمجمعات
الاستهلاكية بوزارة التموين، أو معارض وزارة الزراعة، لأنها في النهاية سوف تحقق
إضافة اقتصادية لخزانة الدولة، بينما عائد بيع منتجات الجيش لا يدخل ضمن الموازنة،
وإنما يعود للجيش فقط.
ويضيف
المتناوي: "على المستوى الاقتصادي، لم تشعر مصر بأي طفرة من سيطرة الجيش على
القطاع الاقتصادي الذي شمل الإعلام والرياضة والعقارات ومواد البناء، والأغذية
واللحوم والأسماك، والنقل، وحتى الطرق السريعة التي تعد الأبرز بين هذه المشروعات
التي تم فرض رسوم على المواطنين للمرور عليها، كما أن الحساب الختامي لموازنة
الدولة لعام 2017/2018 التي وافق عليها مجلس النواب مؤخرا، لم يكن بها أي بند عن
الضرائب المحصلة من المشروعات العملاقة التي يسيطر عليها الجيش".