نشر خالد نزار، وزير الدفاع الجزائري السابق والرجل القوي بعهد بوتفليقة، تغريدة ثالثة في ظرف أسبوع، هاجم فيها بضراوة رئيس أركان الجيش الحالي الفريق أحمد قايد صالح، في انقلاب واضح في موقفه المعلن منذ بداية الحراك الشعبي.
رغم أن الجزائريين منشغلون بتألق منتخبهم في كأس الأمم الأفريقية، إلا أن تغريدات خالد نزار لم تمرّ مرور الكرام، واسترعت اهتماما خاصا؛ نظرا لخطورتها وموقع صاحبها الشهير بالوقوف وراء إلغاء الانتخابات التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ سنة 1992، ودفع الرئيس الشاذلي بن جديد إلى الاستقالة.
وكتب نزار في حسابه الحديث على تويتر، باللغة الفرنسية، في أولى تغريداته قائلا: "الحراك السلمي أرغم بوتفليقة على الاستقالة.
غير أن السلطة تم الاستحواذ عليها بالقوة العسكرية، والدستور تم خرقه بواسطة تدخلات غير شرعية.
الجزائر حاليا رهينة شخص أهوج فرض الولاية الرابعة، وهو من ألهم الولاية الخامسة. ينبغي أن يوضع له حد. البلد في خطر".
اقرأ أيضا : الجزائر.. هل تصمد "سلمية الحراك" طويلا؟
وفي البداية، أثارت هذه التغريدة جدلا؛ بسبب عدم التحقق من أن حساب توتير الذي يظهر باسم نزار هو فعلا له، لكن شكوكا قوية كانت تشير إلى أنه صاحب الحساب فعلا بعد أن لم ينشر موقع "ألجيري باتريوتيك" (الجزائر الوطنية) المملوك لابن نزار أي تكذيب، وهو المتعود على الردّ على كل الإشاعات التي تطال وزير الدفاع السابق.
ولاحقا، تأكد من نزار شخصيا بأن الحساب حقيقي بعد تمكن صحفيين من ربط اتصال به.
وتوالت بعد ذلك تغريدات نزار، فقال في الثانية: "مهموما بمصلحة البلاد، وجهت رسالة إلى الرئيس السابق بوتفليقة لأسترعي انتباهه من منطلق منصبي السابق ومعرفتي بالرجال الذين عملوا تحت إمرتي، حول ضرورة تغيير رئيس أركان الجيش الحالي بآخر أكثر شبابا".
وتابع نزار في التغريدة الثالثة قائلا: "إنه لمن المحزن أن يكون ضباط بمستوى عالي تكونوا في المدارس الكبرى، تحت رحمة هذه الشخصية المؤسفة.
بدون قايد صالح، لم تكن العصبة (جماعة بوتفليقة) لتُعمّر كما فعلت. لقد انحرف بالجيش الذي لم تكن له أي نية للانخراط في ضلالاتهم".
انقلاب الموقف
واللافت أن موقف نزار الحالي من قائد الجيش قد تغيّر جذريا في فترة وجيزة، فقد كان مدافعا عن بقائه في المنصب خلال الأيام الأخيرة التي سبقت استقالة الرئيس بوتفليقة، عندما خرج الصراع إلى العلن بين قايد صالح والسعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الذي كان يدبر كل شيء في رئاسة الجمهورية.
وقال نزار في شهادة مثيرة له ورّطت السعيد بوتفليقة المسجون حاليا في 29 نيسان الماضي، إن شقيق الرئيس اتصل به في 30 آذار، واستشاره في مسألة إقالة قائد الجيش، فرد عليه بأن هذا الأمر خطير، وقد ينجرّ عنه انقسام في الجيش.
واستغرب الملاحظون تلك الشهادة، كون نزار لم يكن في السابق مرتاحا لقايد صالح الذي اتهمه في 2015 بأن لديه طموحات في الاستيلاء على السلطة وخلافة الرئيس بوتفليقة.
خلاف شخصي
وعن أسباب هجوم خالد نزار الأخير، رجّح رئيس القسم السياسي بجريدة الخبر، بوعلام غمراسة، أن تكون دوافع شخصية وراء هذه التغريدات، في ظل ما يتردد عن الملاحقات القضائية التي تطال ابنه لطفي نزار، صاحب شركة الاتصالات الشهيرة في الجزائر.
ويضيف غمراسة لذلك في تصريحه لـ"عربي21"، الحديث عن حرمان الجنرال نزار من التكفل الطبي في الخارج الذي كان يحصل عليه من صندوق التقاعد العسكري، وهو ما يكون قد أثار غضبه الشديد.
ويشير غمراسة إلى أن العلاقة بين الرجلين لم تكن يوما جيدة، فنزار يعتبر قايد صالح غير مؤهل للمنصب الذي يحتله، بينما قايد صالح لا يستسيغ نزار؛ بسبب ماضيه في الجيش الفرنسي (كان خالد نزار ضابطا في الجيش الفرنسي قبل أن يلتحق بالثورة التحريرية).
ويُدرج المتحدث الشهادة التي قدمها نزار لصالح قائد الجيش في خانة التكتيك الذي أراد به اتقاء غضب قائد صالح؛ خوفا من إدخاله في دائرة المتآمرين على الجيش بعد لقائه بالسعيد بوتفليقة.
صراع عصب
وبخصوص تأثير هذا السجال على الأحداث السياسية، يقول محرز بويش، أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة بجاية، إن الحراك الشعبي اليوم بخير، وهو في مرحلة متقدمة من الوعي السياسي، بدليل استمراره قويا بالرغم من كل عناصر التخويف والتخوين والقمع والملفات التي تتحارب بها عصب النظام.
ولا يستبعد بويش في تصريحه لـ"عربي 21" أن تكون تغريدات نزار جزءا من الثورة المضادة التي عادة ما تكون "عبارة عن صراعات مصالح بين بقايا النظام القديم والعصب التي تتكون منها".
ويضيف: "الكل يدرك بأن السلطة الحقيقية في الجزائر هي السلطة العسكرية، لكن هذه الأخيرة ليست متجانسة من الداخل، لأنها تحتوي أيضا على عصب واتجاهات مختلفة ومتناقضة".
الموقف القانوني
ومن الجانب القانوني، يقول بوجمعة غشير، المحامي والحقوقي المعروف، إنه يمكن تقسيم تغريدات خالد نزار إلى قسمين؛ الأول يدخل في باب حرية التعبير، أما الثاني فيمكن للمؤسسة العسكرية أن تتابعه عليها بتهمة.
ويذكر غشير في تصريحه لـ"عربي 21"، بأن ما قاله نزار حول وضع حد لقايد صالح قد يفسر بأنه دعوة للتمرد على رئيس أركان الجيش، ما يضع نزار تحت طائل المتابعة وفق القوانين الجزائرية؛ بتهمة إضعاف معنويات الجيش.
وتشير الأخبار إلى أن نزار موجود خارج الجزائر منذ مدة، وهو ما جعله خارج مرمى القضاء الجزائري الذي تحرّك في السابق في حالات شبيهة إزاء ضباط سابقين أدلوا بتصريحات ضد قائد الجيش.
ماذا وراء انزعاج قايد صالح من شعار "دولة مدنية لا عسكرية"؟
سجن الرؤوس الكبيرة في الجزائر.. عدالة أم تصفية حسابات؟
ماذا وراء دعم أحزاب بوتفليقة لـ"شنين" رئيسا للبرلمان؟