هل تعتبر حملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لممارسة «أقصى ضغط» ضد
إيران كافية لحمل طهران على الاستسلام؟ على الأرجح لا، إذا ما استندنا في حكمنا
إلى سجل طهران في تقديم أقصى التنازلات منذ اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979.
ففي
ربيع عام 1988، وبعد 8 أعوام من المعارك الشرسة، ضمن الحرب العراقية- الإيرانية
للاجتياح العراقي، كان الجيش الإيراني قد خسر زهاء 60 في المئة من عتاده العسكري،
وبالكاد كان يجد مجندين جدد، وكان الاقتصاد قد تراجع تراجعا كبيرا. وعندما أسقطت
الولايات المتحدة بصورة غير معلنة طائرة ركاب إيرانية فوق الخليج العربي، ما أسفر
عن مقتل جميع الركاب الذين كانوا على متنها وعددهم 290 راكبا، اعتبرت طهران تلك
علامة على أن الأمريكيين راغبين في فعل أي شيء لهزيمة الجمهورية الإسلامية.
وعندئذ
قرر الخميني الاستسلام في النهاية، وصدم الإيرانيين بقوله: «إنني أتجرع بهذا كأس
السمّ». فقد كانت الخسارة البشرية غير مسبوقة في الصراع الحديث، مع سقوط مليون شخص
بين قتيل وجريح من كلا الجانبين، في حرب لم تؤد إلى تغيير الحدود، وإن كانت
أغرقتها بالدماء.
وذكر
نجل الخميني البكر لاحقا ردّ فعل والده على تلك الأحداث قائلا: «إن التلفزيون كان
يظهر جنودنا بينما كان (والدي) يضرب نفسه بقبضتيه ويتأوّه»، مضيفا: «بعد وقف إطلاق
النار، لم يتمكن من المشي مجددا، ولم يتحدث على الملأ ثانية».
ومنذ
ذلك الحين، أضحى «الشرب من كأس السمّ» استعارة في إيران للتداعي تحت وطأة الضغوط..
كذلك النوع من الضغوط التي تشعر به طهران في الوقت الراهن من جراء سياسات إدارة
ترامب.
ويتحاشى
المسؤولون الإيرانيون أن يُنظر إليهم على أنهم يستسلمون في ظل هذه الظروف،
ويتعهدون بمقاومة المطالب الأمريكية، ويقسمون، مثلما أعلن المرشد علي خامنئي مؤخرا:
«أنه طالما ظلت الولايات المتحدة متمسكة بموقفها الراهن، فإن الحوار سيكون سمّا،
ومع هذه الإدارة سيكون السمّ قاتلا لأنه مضاعف».
ويقول
المحللون إن العقوبات الأمريكية ربما تُضعف الاقتصاد، لكن ليس بدرجة حمل إيران على
تجرّع «كأس سمّ» آخر. ويشيرون إلى أنه بدلا من تأجيج ثورة شعبية، دفعت حملة الضغط
كثيرين من الشعب الإيراني إلى اعتقاد أن بلادهم مستهدفة وأن أي تقارب سيكون مذلّا.
ويتوقع
«إرفاند أبراهاميان»، المؤرخ المعروف والمتخصص في التاريخ الإيراني والذي تقاعد من
عمله في جامعة «نيويورك»، أنه إذا كان الاختيار بين الاستسلام أو الحرب، فإن
القيادة الإيرانية ستصعد تجاه الحرب. مضيفا: «عندما توجد أزمة اقتصادية، فإن
الحكومة الإيرانية ستحاول استكمالها بأزمة عسكرية، لأنه بمجرد بدء سقوط القنابل الأمريكية،
لن ينتقد الشعب الحكومة، ومن المرجح أن يحتشد الإيرانيون حول رايتهم».
وعلى
رغم من أن ترامب تراجع الأسبوع الماضي عن توجيه ضربة عسكرية ضد إيران ردا على
إسقاطها طائرة أمريكية من دون طيار، فإنه غرّد لاحقا، وقال إن إيران ستُواجه «بقوة
ساحقة» إذا هاجمت قواتها «أي شيء أمريكي». وحذّر من أن ذلك قد يصل إلى حدّ «محوها».
ويقول
مسؤولون أمريكيون إن سياسة «أقصى ضغط» تهدف إلى إجبار إيران على إعادة التفاوض على
«الاتفاق النووي»، الذي سحب ترامب الولايات المتحدة منه العام الماضي. وأضافت
واشنطن الأسبوع الماضي عقوبات جديدة تستهدف خامنئي و8 من قيادات الحرس الثوري. لكن
إلى أي مدى يجعل ذلك إيران قريبة من «تجرّع كأس السمّ»؟
يقول
محلل متقاعد في طهران، طلب عدم ذكر اسمه: «إننا لا نزال بعيدين عن هذه المرحلة»،
موضحا إنه يتذكر أنه قبل «تجرّع الكأس» في عام 1988، كانت هناك تقارير عن شباب
يشتكون من عدم وجود بطاريات كافية لأجهزة الراديو، وكان هناك نقص في كل شيء وفي كل
مكان، والأكثر أهمية، وجود نقص في المتطوعين العسكريين.
وتابع:
«في هذه الآونة، ارتفعت الأسعار ارتفاعا جنونيا، ويكافح بعض الإيرانيين لدفع
إيجارهم، والناس قلقون وصبرهم ينفد، لكن ليس حقيقيا أننا على وشك ثورة، فسيستغرق
الأمر وقتا أكبر».
ونوّه
إلى أنه لا تزال هناك بعض الصادرات وبعض الواردات والأموال، ويفعل المهربون ما
بوسعهم لتوفير أي شيء في المحلات وفي السوق السوداء، والحياة مستمرة، على رغم من
فرض أقصى العقوبات. وأكّد أن القادة الإيرانيين لن يستسلموا ما لم يتدهور الوضع
تدهورا كبيرا جدا.
وعلى
رغم من أن بعض السياسيين الإصلاحيين طالبوا بإجراء حوار مع الولايات المتحدة
لتفادي الحرب، لكن تم تهميشهم من قبل المتعصبين الذين انتقدوا الاتفاق النووي منذ
البداية.
عن صحيفة الاتحاد الإماراتية