نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا، تتحدث فيه عن الزيادة في الاستثمارات في منطقة القرن الأفريقي، وما قام به الجيش السوداني من قمع ضد المتظاهرين، الذي كشفت عن الصراع الدائر بين دول الخليج وتنافساتها على التأثير والمصادر الطبيعية.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه بعد الهجوم الذي شن على المعتصمين أمام مقر القيادة العامة السودانية ممن كانوا يطالبون بتسليم السلطة للمدنيين، بعد تولي الجيش السلطة، في نيسان/ أبريل، عقب الإطاحة بالرئيس عمر البشير، أشير بأصابع الاتهام لقوات الردع السريع، وهي صورة جديدة عن مليشيات الجنجويد التي ارتكبت فظائع في إقليم دارفور في بداية العقد الأول من القرن الحالي.
وتورد الصحيفة نقلا عن عائلات الضحايا، قولها إن عددا من المعتصمين ضربوا، واغتصبت نساء، ورميت جثث عدد من القتلى في نهر النيل.
ويجد التقرير أن القمع كان رسالة من المؤسسة العسكرية بأنها لن تستجيب لمطالب نقل السلطة، مستدركا بأن قوات الردع السريع لم تكن هي الجهة التي تعرضت للنقد، وكشف عن دورها في القمع وضرب قوى الديمقراطية، ففي الوقت الذي أحصى فيه المعتصمون قتلاهم، فإنهم حرفوا نظرهم لداعمي المجلس العسكري الانتقالي، السعودية والإمارات، وتساءل الكثير من السودانيين عن ما إن كانت هاتان الدولتان قد منحتا الضوء الأخضر لقوات الدعم السريع لفك الاعتصام واستخدام القوة.
وتلفت الصحيفة إلى المكالمة التي أجريت بعد يومين من المجزرة بين المساعد لوزير الخارجية ديفيد هال ونائب وزير الدفاع السعودي، وشقيق محمد بن سلمان، الأمير خالد بن سلمان، الذي ناقش معه القمع للمتظاهرين وضرورة النقل السلمي للسلطة، وأصدرت الخارجية الأمريكية لاحقا بيانا وصفت فيه المجزرة بـ"الوحشية".
وينوه التقرير إلى أن السعودية والإمارات تنفيان أي معرفة مبدئية بالهجوم على المعتصمين، وتؤكدان العلاقات السياسية والاقتصادية مع السودان، الذي يعد جسرا بين العالم العربي وأفريقيا، ولديه ساحل طويل على البحر الأحمر، ومع ذلك لم ينج البلدان من التساؤلات حول دورهما الجديد في سودان ما بعد البشير، الذي جاء في وقت ينفق فيه البلدان مئات الملايين على عقود مجزية لتطوير الموانئ في القرن الأفريقي.
وتورد الصحيفة نقلا عن الجراح السوداني سلمان أسامة (27 عاما)، وعالج الجرحى بين المعتصمين، قوله: "مشكلاتنا كلها من السعودية والإمارات ومصر"، وأضاف أن هذه الدول كانت تدعم البشير في قمعه للسودانيين، وهي ذاتها التي تقوم بدعم النظام الجديد.
ويفيد التقرير بأنه قبل عشرة أيام من التحرك ضد المعتصمين، استقبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في جدة محمد حمدان دقلو (حميدتي) في جدة، وهو الذي يترأس قوات الدعم السريع، وفي الأسبوع ذاته سافر رئيس المجلس العسكري الانتقالي الجنرال عبد الفتاح البرهان إلى مصر، والتقى ولي عهد أبو ظبي والحاكم الفعلي للإمارات الشيخ محمد بن زايد، فيما تعهدت السعودية والإمارات بدعم المجلس العسكري بـ3 مليارات دولارات، وانضمتا إلى مصر لدعم المجلس العسكري.
وتقول الصحيفة إن السودانيين يشعرون بأن هذه الدول تعمل على قمع الديمقراطية في بلادهم، رغم دعوتها للحوار البناء، إلا أن الجنرالات هم الذين يستثمرون الدعم لحماية مصالحهم ومصالحها، بما في ذلك المشاركة السودانية في حرب اليمن.
وينقل التقرير عن تقرير لمجموعة الأزمات الدولية في بروكسل، قوله: "يعرف السعوديون والإماراتيون الجنرال حميدتي والبرهان لقيادتهما القوات السودانية في اليمن"، وتثق الدولتان "في قدرة الجنرالات على قيادة البلاد خلال الفترة الانتقالية، بطريقة تتجنب الفترة الفاصلة التي حدثت في مصر عام 2011، وبنتيجة غير واضحة، أدت إلى فوز الإخوان في الانتخابات، وتهميش الذي يريدون إصلاحات شاملة بين المدنيين".
وتذكر الصحيفة أن الجنرال صلاح عبد الخالق، وهو أحد الأعضاء السبعة في المجلس، نفى أي نوايا سيئة في دعم دول الخليج، قائلا: "إنهم يقفون معنا سياسيا؛ لأنهم يريدون التخلص من النظام الإسلامي الذي كان يحكم السودان"، في إشارة إلى الإسلاميين الذين دعموا البشير عام 1989، لكن الذين قادوا التظاهرات ضد النظام هم من الشباب والمدنيين.
ويشير التقرير إلى أن وزير الشؤون الخارجية السعودية عادل الجبير، ألمح إلى إمكانية تأثير الإسلاميين، وقال: "كان الإخوان المسلمون انتهازيين، فهم الذين اختطفوا التغييرات في مصر عام 2011.. أعتقد أنهم سيحاولون عمل الشيء ذاته في السودان".
وتلفت الصحيفة إلى محاولات السعودية والإمارات ومنذ عام 2011 تشكيل المنطقة بعد الانتفاضات التي أرسلت هزات وزلازل ضد الأنظمة الأوتوقراطية في مصر وليبيا، والحروب التي اندلعت في اليمن وسوريا، ورأت أبو ظبي والرياض في تلك الثورات إشارة إلى ضرورة التدخل لمواجهة الإسلام السياسي، الذي تعدانه تهديدا وجوديا مع التأثير الإيراني، ففي مصر دعمتا القوى التي أطاحت بالرئيس المنتخب محمد مرسي، ثم ضختا المال إلى الجيش الذي أطاح به عام 2013، وقد توفي مرسي في شهر حزيران/ يونيو 2019 في قاعة المحكمة.
وينوه التقرير إلى أن توقيع باراك أوباما الاتفاقية النووية مع إيران في عام 2015 أكد مخاوف كل من السعودية والإمارات من تأثيرها في المنطقة، وهو موقف يدعمه جنرالات السودان الجدد، فيقول عبد الخالق: "لا نريد سيطرة إيران على اليمن.. من واجبنا مواجهة الجماعات الشيعية"، مشيرا إلى أن السعودية والإمارات فرضتا في عام 2017 حصارا على قطر؛ بتهمة التعاطف مع الإسلاميين، والتقارب من إيران، بالإضافة لكون علاقة قطر مع تركيا أضافت بعدا جديدا للصراع على القرن الأفريقي، خاصة أن تركيا لديها مصالح فيه.
وتورد الصحيفة نقلا عن وزير الدولة في الخارجية الإماراتية أنور قرقاش، قوله إن الهجوم على المتظاهرين في الخرطوم هو محاولة "لتعزيز التوازن"، وأضاف أن "التحدي الأكبر في هذه البلدان، كما شاهدنا من تجربة الربيع العربي، نابع من الكيفية التي يتم فيها تحقيق التغيير الشعبي والحفاظ في الوقت ذاته على استقرار المؤسسة".
ويشير التقرير إلى العلاقات التاريخية الاقتصادية والدينية بين منطقة القرن الأفريقي ودول الخليج، حيث تم الاتجار بالمواشي والجمال والبخور وغير ذلك بينهما، فيما عبر الحجاج ولقرون البحر الأحمر وخليج عدن لأداء الحج في مكة، فدول المنطقة، الصومال والسودان وجيبوتي ذات غالبية مسلمة مع تجمعات كبرى للمسلمين في إريتريا وإثيوبيا.
وتقول الصحيفة إنه مع تطور العلاقات استخدمت السعودية وقطر والإمارات موارد النفط لتمويل مشاريع في الدول الأفريقية، وفي محاولة للاستفادة من الأسواق الكبرى فيها، مستدركة بأن المصالح القومية كانت واضحة، مثل الاستفادة من المصادر الزراعية والموانئ فيها.
ويورد التقرير نقلا عن زاك فيرتين من معهد بروكينغز في الدوحة، قوله إن زيادة العلاقات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية غير مسبوقة، وأضاف أن "هذا يشير إلى تحول المنطقتين إلى واحدة".
وتبين الصحيفة أن أهم مثال هو الصراع على الموانئ، ففي عام 2014 حصلت شركة "البيرق" على حقوق إدارة ميناء مقديشو، وردت شركة دبي للموانئ العالمية بتوقيع عقود مع مناطق شبه مستقلة، مثل بونت لاند وصومالي لاند، وفي عام 2017 حصلت تركيا وقطر في عام 2018 على عقود لتطوير موانئ في السودان.
ويلفت التقرير إلى أن البحر الأحمر، الذي يفصل أفريقيا عن الجزيرة العربية، ظل منطقة تنافس، ففي عام 1888 أقامت بريطانيا محمية في صومالي لاند؛ لحماية السفن التجارية القادمة من آسيا وعبر قناة السويس.
وتنقل الصحيفة عن وزير الخارجية الصومالي السابق سعد علي شير، قوله إن التنافس الحالي هو من أجل استعراض القوة، والتحكم في التجارة، كما في القرن التاسع عشر، وأضاف: "كان الاهتمام موجودا، لكن الإمارات وتركيا اليوم دولتان ثريتان وتريدان إظهار أنهما قوة يحسب لهما حساب في المنطقة".
وينوه التقرير إلى أن نسبة 8% من التجارة العالمية تعبر من وإلى ميناء باب المندب، وتعد الإمارات الأكثر نشاطا، فبالإضافة لإدارتها كلا من ميناء باساسو وبربرة، فإنها أقامت قاعدة عسكرية في عصب في إريتريا، وستة موانئ على الجانب الآخر من البحر الأحمر، وتعهدت الإمارات بمساعدات مالية بقيمة 3 مليارات دولار العام الماضي لإثيوبيا، وساهمت مع السعودية بحل خلاف عمره 20 عاما بينها وبين إريتريا.
وتورد الصحيفة عن قرقاش، قوله إن التوسع الإماراتي في القرن الأفريقي يتماشى مع تحول بلاده لمركز التجارة والمال في الشرق الأوسط، وأضاف: "كل شيء له علاقة بحقوق الطيران والمناطق الحرة والمخازن والموانئ هو جزء من الرواية التي تشير إلى نجاحنا.. لهذا علينا الوصول إلى 100 مليون إثيوبي بحاجة إلى أكثر من ميناء".
ويستدرك التقرير بأن التجارة هي جزء من القصة، فمنذ التدخل في اليمن عام 2015 رأت السعودية والإمارات أنهما بحاجة لداعمين على طرفي البحر الأحمر للتدريب ونشر الجنود، ففي كانون الأول/ ديسمبر عقدت السعودية اجتماعا، ضم مصر وجيبوتي والأردن وإريتريا واليمن والسودان؛ للبحث في تحالف يحمي مصالحها ومصالح "جيرانها" "تحالف البحر الأحمر".
وتنقل الصحيفة عن الباحث في معهد "تشاتام هاوس" في لندن أحمد سليمان، قوله إن اجتماع التجارة والأمن والخطوط الجيوسياسية الفاصلة يعني "عسكرة" القرن الأفريقي، ويعني جر دول القرن الأفريقي إلى التنافسات الإقليمية، فعندما قررت السعودية والإمارات قطع العلاقة مع قطر طلب من بقية الدول في المنطقة اختيار طرف، فمحاولة الحكومة الفيدرالية في الصومال الوقوف على الحياد لم تكن كافية للرياض وأبو ظبي، حيث نظر إليها على أنها تقف مع قطر وتركيا.
ويورد التقرير نقلا عن وزير الخارجية القطري الشيخ محمد عبد الرحمن آل ثاني، قوله إن "بعض الدول، خاصة التي تحتاج للدعم السعودي والإماراتي، تتعرض للابتزاز لاتباع السياسة ذاتها تجاه قطر".
وتقول الصحيفة إن السودان وجد نفسه قبل سقوط البشير وسط الأزمة في الخليج، حيث بردت العلاقات مع الإمارات والسعودية عندما رحب الرئيس السابق بقطر وتركيا لتطوير الموانئ السودانية، مشيرة إلى أنه مع رحيل البشير سارعت الدولتان لتقوية العلاقات معه.
وينقل التقرير عن فيرتين من "بروكينغز"، قوله إن الإمارات والسعودية تدركان أهمية وجود علاقات قوية مع السودان في تشكيل المرحلة الانتقالية.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أنه بالنسبة للمعارضة السودانية، التي ترى أن هذه الدول مهتمة بمصادر البلاد وموقعها الاستراتيجي، فإن نظاما ديمقراطيا يعني صعوبة تحقيق غايات الدول الخارجية.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
فيسك: لماذا تستميت السعودية والإمارات لقمع ثورة السودان؟
NYT: هذا ما يفعله المحتجون لمواجهة قمع العسكر بالسودان
ديلي بيست: مصير السودان بيد رجال ترامب بالسعودية والإمارات