أتابع غضب الناس حول
مؤتمر البحرين، وهذا ربما المؤتمر العاشر الذي يعقد حول القضية الفلسطينية، لكن ماذا
غيرت المؤتمرات؟ لا شيء حتما، فمازالت (رقية) القابعة في مخيم الشجاعية على أطراف
غزة، تنجب الأطفال بمساعدة (الداية)، دون الذهاب للمستشفى، تنجبهم تحت الصفيح
والحب والصبر، في حين أن (راشيل) القابعة في تل أبيب حين أحست بألم في الظهر، جاء
إليها خلال ربع ساعة فريق طبي، مزود بمستشفى متنقل ومصغر. هل ستغير المؤتمرات، من
وجه الأطفال في غزة، أو من صبر الناس؟ حتما لا.
وسيكبر ابن (رقية) وسيتعلم أكل (الشطة) الغزية، والركض على الشاطئ، وسيصعد على سطح المنزل، ويتابع
ضربة جوية إسرائيلية على مقر للمقاومة في غزة، سيتعاطى مع الأمر على أنه مجرد حدث
عادي، وسيمشي في مخيم الشجاعية حافي القدمين، وذات ليلة سيصاب بانتفاخ في الأمعاء،
سيكون العلاج بسيطا مجرد زيت يدهن على البطن مع قراءة القليل من السور الصغار، ومن
ثم النوم. وابن (راشيل) هو الآخر سيكبر، سيحظى بفراش دافئ، ومطاعيم باهظة الثمن
تعطى في موعدها، سيحظى بسندويشات لذيذة، وألعاب. ورعاية طبية فائقة، وسيتنقل بسيارات مكيفة.
لكن (ابن رقية) سيعرف
أحمد ياسين، وفتحي الشقاقي وياسر عرفات، وفي غزة سيعلمونه أن أنبل وظيفة للشاب هي
المقاومة، سيتعلم القنص، سيكون قناصا يجيد التخفي والحركة في الليل، سيتعامل مع
بندقية محلية الصنع طورتها المقاومة، ووظيفته هذه ستكون سرية لا أحد يعلم بها غير
الله ورفاق الدرب، لكن وظيفته المعلنة ستكون (موزع اسطوانات غاز) سيعبر الأحياء
القديمة كلها، وبالتحديد الأحياء الملاصقة لخط النار، سيحفظ الزوايا المطلة على
أبراج الجيش الإسرائيلي، ويعرف حركة الريح، وهل زجاج الأبراج محصن أم غير ذلك.
بالمقابل (ابن راشيل)
هو الآخر سيكبر، وسيقع في غرام (روسية)، ويتهرب من الخدمة العسكرية بحجة أن الجيش
يسبب له الاكتئاب، سيصنع على كتفه وشما باللغة الروسية من قبيل الوفاء لحبيبته،
سيمضي وقتا على هاتفه (الآي فون) كي يتعلم كلمات الحب باللغة الروسية أيضا، وربما
ذات يوم سيعود لأمه والدمعة في عينه، وسيخبرها أنه أنهى العلاقة، وستنتفض العائلة
ويعرضونه على طبيب نفسي، كي يخفف من الأثر النفسي عليه بسبب الصدمة العاطفية.
(ابن رقية)
يمضي يومه في غزة، مرتديا الشبشب، وفي كل يوم (ينتع ) ما يقارب الـ (100) اسطوانة
غاز، ومن ثم يعود لرقية، ويقبل يدها ويشم شيبها الطاهر، ويدللها. ولا يخرج من البيت
دون تقبيل يده.، في حين أن (ابن راشيل) يمضي يومه في عناق (المخدات) وشرب الكحول والبكاء
على حبيبة، خانته مع ألف رجل، لكنه ما زال يحلم بعودتها.
ابن رقية. طموحه في
الحياة زاوية مخفية، في مواجهة شرسة، تسمح له بقنص جندي في الوجه تماما، كي يعاقب
من استباحوا دمه وسرقوا وطنه، وقتلوا الحلم. (وابن راشيل) قصته أن تعود له حبيبته
الروسية، ويجد زاوية على شاطئ تل أبيب يعانقها فيها ومن ثم يبكي لها، ويشرح حجم
حبه ويجعلها ترى وشم اسمها بالروسية على كتفه.
مؤتمر البحرين سينجح،
حين يجمع رقية وراشيل على طاولة واحدة، سينجح حين يجعل رحم رقية ينجب عاشقا مثل
رحم (راشيل)، سينجح حين تكون أحلام الشباب في غزة هي ذاتها أحلام العشاق في تل
أبيب .
لكنه، حتما سيفشل؛ لأن
رقية، لها الله والأكف الضارعة، ولها فلسطين والنخل والزيتون، ولها ابن يعمل قناصا
في المقاومة سيأتيها بعد عام شهيدا نديا عظيما. في حين أن (راشيل) مازالت مشغولة
بخيبات الغرام التي بتعرض لها ابنها
القصة ليست قصة
مفاوضات ولا مؤتمرات، القصة قصة أرحام تنجب الشهداء في غزة، في حين أن الطرف الآخر
لديهم أرحام تنجب الخيبات، تلك هي القصة باختصار.
والرحم الذي ينجب
الشهداء، هو غير الرحم الذي ينجب الخيبات.
موقع "إجبد" الأردني