مثل باقي الدول العربية، تلقى الشارع الجزائري والطبقة السياسية والإعلامية خبر الوفاة الغامضة للرئيس المصري السابق محمد مرسي بصدمة كبيرة، غطت في الساعات الأولى من إعلان الخبر، عن أحداث ومعارك الحراك الجزائري نفسه، وقد ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر بهذا الخبر وبمشاعر الغضب من الطريقة غير الإنسانية، التي أمضى فيها أول رئيس مدني منتخب في مصر سنوات عمره الأخيرة مسجونا في ظروف وحشية.
ولم يشكل غياب أي رد فعل رسمي للسلطة الانتقالية الحالية في الجزائر بعد ذهاب بوتفليقة، حول وفاة مرسي، أي مفاجأة تذكر بالنسبة للمراقبين، على اعتبار أن نظام المخلوع بوتفليقة، كان من أبرز المؤيدين لنظام الانقلاب في مصر، غير أن ردة فعل الشارع الجزائري عموما، كانت جيدة من الناحية الشعبية، ولدى جزء من الطبقة السياسية، ومع ذلك يأمل الجزائريون عند استكمال ثورتهم، وانتخاب رئيس جديد ينبثق من الإرادة الشعبية أن تتغير معالم السياسة الخارجية، لتنسجم مع نبض الشارع أكثر، ومع تطلعاته في الحرية والديمقراطية والوقوف إلى جانب المضطهدين والأحرار في كل العالم.
ماذا يمثل مرسي بالنسبة للجزائريين؟
شكل انتخاب محمد مرسي رئيسا لمصر، بعد ثورة شعبية عارمة، نقطة ضوء كبيرة بالنسبة للجزائريين، الذين كادوا أن يدخلوا نفق اليأس منذ الانقلاب العسكري على نتائج تشريعيات كانون أول (ديسمبر) 1991، وما تبعها من قمع وتنكيل بالأحرار في هذه البلاد.
لقد شكل انتخاب مرسي عودة حقيقية للأمل في غد مختلف بالنسبة للكثير من الجزائريين، لكن سرعان ما أعادت صور الانقلاب العسكري على هذا الرئيس، تلك الصور المؤلمة التي عايشها الجزائريون من قبل، حيث تجلت صور فض اعتصام رابعة، وما خلفه من آلاف الضحايا، بالضبط بصور فض اعتصام أنصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ في (حزيران / يونيو 1991)، كما شكل اعتقال وسجن مرسي وأنصاره من قيادات الإخوان المسلمين، والزج بهم في السجون بعشرات الآلاف، الصورة ذاتها لاعتقال قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وعلى رأسهم عباسي مدني وعلي بلحاج، وتحويل آلاف المتعاطفين والمناضلين إلى محتشدات الصحراء في رقان وعين أمقل جنوب الجزائر، في سابقة لم يشهدها العالم الحديث، وذلك من دون تحقيق ولا أحكام قضائية.
وقد اعاد إعلان الوفاة الغامضة للرئيس مرسي، إحياء نقاش سياسي جديد، مرتبط بواقع الحراك الحالي والمآلات الممكنة له، حيث ارتفعت أصوات كثيرة محذرة من مغبة الوثوق بالعسكر، بالتوازي مع حملة الاعتقالات السياسية لرموز النظام السابق في الجزائر، حيث تشكك هذه الأصوات وتتخوف من إعادة التجربة المصرية، التي أدخلت في البداية رؤوس نظام مبارك للسجون، قبل أن تخرجهم وتدخل الأحرار والثوار في مكانهم.
ويتناول الجزائريون اليوم بحذر، بعد حادثة وفاة مرسي، صورة المشير طنطاوي إلى جانب صورة الفريق أحمد قايد صالح، بوصفهما قيادات عسكرية وطنية، قبلت بتنظيم انتخابات رئاسية حرة، قبل أن يسطو الجنرال السيسي على الحكم، وهو ما تحذر منه بشدة مختلف الاتجاهات السياسية وسط الحراك وخارجه.
صلاة على الغائب والحراك يعاهد مرسي
على الرغم من الصمت الرسمي للدولة الجزائرية حيال موت مرسي الغاضمة، وذلك لاعتبارات مفهومة، مرتبطة بالحالة السياسية التي تمر بها البلاد، وعدم وجود رئيس جمهورية وحالة شبه الفراغ الحاصلة في السلطة، إلا أن الجزائريين أصروا على تسجيل مواقفهم علانية وبكل جرأة، حيث قرر الكثيرون إقامة صلاة الغائب على روح مرسي كما حدث في مدينة برج بوعريريج وغيرها، كما أقامت حركة "حماس" أيضا في العاصمة وبعض المناطق الأخرى صلاة الغائب، مجسدة بذلك التعاطف الشعبي الواسع في الجزائر مع هذه الشخصية المحبوبة، التي وقع خبر وفاتها في تلك الظروف البشعة كالصاعقة على ملايين الجزائريين، قد لا تقارن بأي حادثة إلا بحادثة إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين صبيحة عيد الأضحى، وما خلفته بدورها من ألم وحسرة في أوساط الجزائريين.
وما يثبت هذا التعاطف الشعبي الكبير، هو إصرار جماهير الحراك الجزائري الذي ما يزال متواصلا حتى أسبوعه الثامن عشر، ضد بقايا حكم بوتفليقة، على رفع صور مرسي في المسيرات، كما أقاموا دقيقة صمت ترحما على روحه في مشاهد مهيبة، ردد خلالها الجزائريون شعارات عاهدته فيها على مواصلة مسيرة الكفاح والحرية التي مات من أجلها، عبر ترديد "يا مرسي يا شهيد سنواصل التحرير" و"يا مرسي ارتاح ارتاح سنواصل الكفاح".
ردود أفعال واسعة في الساحة السياسية
وسارعت العديد من الأحزاب الجزائرية، خاصة منها الأحزاب ذات الطابع الإسلامي، إلى إدانة ما حصل للرئيس مرسي، وتقديم التعازي إلى عائلة الفقيد والشعب المصري، وكان من أبرز ردود الفعل في هذا السياق، ما صدر عن رئيس حركة مجتمع السلم (إخوان الجزائر) الدكتور عبد الرزاق مقري، الذي كتب في صفحته الرسمية على الفيسبوك، بعد تقديم واجب العزاء "ستبقى وفاة الدكتور محمد مرسي في سجون الظالمين وقبالة قضاة الجور، وصمة خزي وعار ونذر شؤم ودمار، على السيسي وشيعته وأعوانه في مصر وفي كل مكان، وعلى الأنظمة العربية التي خططت ودعمت الانقلاب العسكري المشؤوم، وعلى منظومة الظلم التي تحكم العالم بأسره، التي دعمت أو سكتت على ما وقع في مصر من انقلاب على الإرادة الشعبية، وقتل وسجن وتشريد عشرات الآلاف لا لشيء، إلا لأنه كان لهم رأي سياسي واختيار سلمي ديمقراطي".
وأوضح مقري في كلمته أن "الرئيس المصري الراحل محمد مرسي قد استراح من هذه الدنيا التي ظلم فيها، وقد أطلق سراحه فلم يصبح لجلاده يد عليه، لقد ذهب إلى ربه حيث النزل الهانئ والمقام الطيب. ولكن، والله الذي لا إله إلا هو، إني على يقين بأن وفاته قبالة قضاة الظلم والجور ستكون لعنة على كل من ظلمه وساعد على ظلمه، أو تشفى بعذابه وقتله. إن سجن د. مرسي وعذابه وقتله هي حالة رمزية لسجن وعذاب وقتل بلد بكامله، أريد له من قبل من يسندون السيسي أن يبقى متخلفا فقيرا ضعيفا مشتتا؛ خدمة للصهاينة والاستعمار العالمي، رغم ما يملكه ذلك البلد من تاريخ وحضارة ومقدرات مادية وبشرية وجيوستراتيحية. كما أن ضرب مصر بالانقلاب الدموي العسكري الذي لا يزال ينزل بمصر إلى منحدر سحيق، هو ضرب للأمة العربية والإسلامية كلها، ولكل الأمم والشعوب التي تريد أن تتحرر من قوى الهيمنة الاستعمارية الدولية".
اقرأ أيضا: بلحاج: وفاة مرسي جريمة يتحمل مسؤوليتها السيسي والغرب
وأوضح الشيخ بلحاج "أن وفاة الرئيس الشرعي الدستوري رحمه الله تعالى رحمة واسعة، لا تعني غلق ملف اغتصاب الاختيار الشعبي بالقتل والسجن والتعذيب (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)، وما ضاع حق وراءه طالب، وإن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته. فالذين اغتالوا المرحوم عبد القادر حشاني رحمه الله والذين أجبروا رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ المجاهد عباسي مدني رحمه الله تعالى على وفاته بالمنفى، كيف عاملهم الله تعالى بعد 27 سنة، فإن الله تعالى يمهل ولا يهمل ولكنه لا يجعل لعجلة أحدنا، فهو أحكم الحاكمين والأمر له من قبل ومن بعد، فرحمة الله عليك يا محمد مرسي، يا من شرفك الله تعالى بالوفاة وأنت تدافع عن الشرعية المغتصبة من وراء قضبان المظلمة الإجرامية، عامل إلهك قضاتها بما يستحقون، فقضاة النار ما أكثرهم في عالمنا العربي والإسلامي".
أما رئيس جبهة العدالة والتنمية الشيخ عبد الله جاب الله، فقال في تعزيته، "إن الرئيس محمد مرسي طراز خاص من الرجال الثابتين الصابرين المحتسبين، ونوع سام من الهمم والعزائم، فرغم قسوة المعاملة وطول عمرها، ما لانت له قناة، فلم يرضخ لتهديد ولم يلن لوعد ولا وعيد، بل ظل ثابتا في زنزانته يتلو كتاب ربه ويذكره ويسبح بحمده، حتى توفاه آلله تعالى سجينا مظلوما فرزقه بذلك الشهادة، ورفعه إليه مأجورا غير موزور".
وشدد الطالبي على أن مرسي "انتخب انتخابا شعبيا نزيها، وكان رجلا مدنيا وليس رجلا عسكريا، وفقدانه هو فقدان لما ينشده الشعب المصري من الحرية والديمقراطية والحكم العادل الراشد، ونأسف شديد الأسف لهذا الحدث، ونرجو الله سبحانه أن يجزيه الجزاء الأوفى على مواقفه من فلسطين وغيرها من القضايا العادلة"، داعيا الشعوب العربية والأسلامية ألا تسمح بتكرار مثل هذه الجرائم، ومستبشرا أن العصر الآن عصر الشعوب وليس عصر الاستبداد الذي هو آخذ في الغروب، وها هو وقت الحساب قد وصل، في الجزائر، فلا تبقى للفساد والاستبداد باقية، وأرجو الله ان يساعد الشعب الجزائري والعربي على التخلص من الفساد والاستبداد بشكل كامل".
أما الكاتب والمؤرخ الجزائري فوزي سعد الله، فاعتبر أن الرئيس مرسي رئيس منتخب تم الانقلاب عليه، وهو مظلوم مائة بالمائة بمؤامرة إقليمية ودولية، نفذها مصريون يقفون ضد وطنهم وإرادة شعبهم.
وأوضح فوزي سعد الله صاحب كتاب "يهود الجزائر" لـ "عربي21" في تفسير ظاهرة التشفي لدى بعض الأوساط المعادية لمرسي، أنه في الجزائر، كما في بلدان عربية أخرى، ما زالت نسبة مهمة من العقول متخلفة والقلوب مليئة بالأحقاد من صنف داحس والغبراء، وتقف في صف الباطل انتقاما وتنكيلا بسبب خلافات سياسية أو تباينات أيديولوجية في مواقف أقل ما يقال عنها، إنها غير أخلاقية ومخزية. فهناك من لا يُحرجه التشفي في الموت وعن باطل، وهناك من يقف في صف الباطل والجلاد، لأنه يختلف معك في رؤاك، وهذا قمة الاعوجاج والانحطاط، لا سيما إذا صدر عن الذين يحاولون احتكار النور منذ عقود، ويلصقون صفة الظلامية بغيرهم من ذوي المواقف المغايرة، وهم في الحقيقة أكثر ظلاما من الظلام.
وأضاف، "إن الذي يريد التغيير في حياته وفي وطنه ومستقبله، يجب أن يكون جديرا به ويواكب عملية التغيير بتغيير نفسه والتطهّر من فساد روحه... وإلا فلن تساوي كل المسيرات الاحتجاجية من الآن وإلى غاية نهاية القرن الحالي، إن شئنا، خردلة على حد تعبير نزار قباني في كلامه عن اتفاق أوسلو.
مرسي سيبقى في ذاكرة الأحرار
سيظل موت مرسي والطريقة التي أعلن بها عن وفاته، وسنوات العذاب التي تحملها دفاعا عن الشرعية وعن أصوات المصريين الذين انتخبوه، نبراسا من أجل التضحية والإصرار على الحرية التي ينشدها الجزائريون، ورغم التناول الإعلامي الخافت لخبر وفاة مرسي في الإعلام الجزائري، ورغم حملات الدعاية المضادة في بعض الأوساط العربية، أثبت الجزائريون أنهم يستشعرون بحسهم طريق الحق والحرية، وأن ما دفع ثمنه الرئيس مرسي هو بالذات ما تبحث عنه الجماهير الجزائرية منذ حوالي 4 أشهر من عمر الانتفاضة الشعبية ضد الاستبداد والدكتاتورية.
الكل في الجزائر اليوم، يعلم أن مبارك الذي ثار ضده المصريون ثم تظاهر بالمرض، هو اليوم خارج السجن يتنعم برغد العيش، بينما مرسي الرئيس المنتخب ينتهي به الأمر إلى هذا المآل، بما يعني أن بوتفليقة المريض الآن بعد خلعه، لا ينبغي له ولعناصر نظامه، أن يحظوا بمشهد درامي كهذا بعد سنوات في الجزائر.
لم يستفد المصريون في ثورتهم على مبارك عام 2011 من انقلاب الجزائر عام 1992، وكيف أن الدولة العميقة استنجدت بعدها بالرئيس بوضياف ثم صفّته بعد عدة أشهر فقط وعلى المباشر، ولذلك يدعو مراقبون الجزائريين إلى ألا يقعوا في الخطأ نفسه، وأن يحسبوا حساب ما وقع لمرسي اليوم في أثناء ثورتهم التي يقومون بها حاليا، ذلك أن سجن رموز العصابة ورموز النظام والدولة العميقة وحده لا يكفي، من دون وعي تام بخطورة المرحلة وعملية التحول الديمقراطي، عبر ضرورة الإصرار على المسار الثوري إلى غاية الوصول بعملية التحول الديمقراطي إلى بر الأمان الكامل.
عشرون دقيقة الأخيرة في حياة مرسي: مفارقات السياسة والأخلاق!
رحيل الزعيم الطلابي الإسلامي التونسي عبد الرؤوف بولعابي
باحث مغربي: تباينات إسلاميي المغرب العربي عن الإخوان