ويصمت الغرب على موت رجل كان قد وصفه ذات يوم بأنه الأمل الأعظم
للديمقراطية العربية.
كم كان شجاعا ردنا على وفاة محمد مرسي الفظيعة داخل القفص. لربما كان
سيبعث على الضجر تكرار جميع كلمات الأسف والأسى والحزن، بل والتقزز والرعب،
وتعبيرات التنديد التي تخرق الآذان وهي تتوالى تعليقا على موت رئيس مصر المنتخب
الوحيد، داخل محكمة بمدينة القاهرة هذا الأسبوع. من داونينغ ستريت (مقر الحكومة
البريطانية)، من البيت الأبيض، من مقر المستشارة الألمانية إلى قصر الإليزيه –
ودعونا لا ننسى البارليمونت (مقر المفوضية الأوروبية في بروكسيل) – حيث رجال
وسيدات السياسة المفتخرون التابعون لنا. سيكون مرهقا فعلا التوقف عند كل واحد
منهم والحديث عما شعروا به من حزن لموت مرسي.
لم يوجد شيء من ذلك على الإطلاق، لم يكن هناك سوى الصمت المطبق، لم
تكن هناك همسة واحدة، ولا حتى تغريدة عصفور – أو تدوينة في حساب رئيس معتوه – ولا
حتى كلمة أسف عابرة. كل أولئك الذي يزعمون أنهم يمثلوننا التزموا الصمت، لم ينطقوا
ببنت شفة، وكانت أصواتهم محجوبة عن السمع تماما، كما كان مرسي في قفصه داخل
المحكمة، صامتون تماما كصمته داخل قبره في القاهرة.
لم يكن صمتنا الجبان والمخزي دليلا فقط على الطبيعة الكئيبة التي جُبل عليها رجال الحكم في الغرب، بل كان تشجيعا مطمئنا لكل زعيم في الشرق الأوسط بأن سيئاتهم لن يحاسبهم عليها أحد، ولن يتوقف عندها أحد، وأن العدالة ستظل غائبة، وأن كتب التاريخ ستظل مهجورة.
وكأن مرسي لم يعش، وكما لو أن شهوره القليلة في السلطة لم تكن – وهو
الأمر الذي يريد عبد الفتاح السيسي – خصمه اللدود وسجانه السابق – أن تدونه كتب
التاريخ.
إذن، فلنرفع القبعة ثلاث مرات أخرى تحية لديمقراطياتنا البرلمانية، التي دائما تنطق بصوت واحد ضد الطغيان. فيما عدا حمار الأمم المتحدة القديم
وفيما عدا عدد قليل من قلاع الحرية القليلة المعروفة – تركيا، ماليزيا، قطر، حماس، الإخوان المسلمون في المنفى وكل من توجه له في العادة أصابع الاتهام – كانت ذكرى
مرسي ولحظات حياته الأخيرة وكأنها لم تكن يوما. كريسبين بلانت وحده هو الذي حاول
أن يبقي ضمير بريطانيا على قيد الحياة، وكذلك فعلت تونس الصغيرة الشجاعة. وفي ذلك
خير عميم.
صحيح أن مرسي كان الخيار الثاني لمنصب الرئيس – حيث إن الرجل الذي
اختاره الإخوان ابتداء مُنع من الترشح لأسباب فنية – كما أن من الصواب القول إن
العام الوحيد الذي قضاه مرسي في الحكم كان مستوى الأداء فيه من الدرجة الثانية،
غير ملهم، ومخيبا للآمال، وفي بعض الأوقات عنيفا، بل وشابه في بعض الأوقات القليل
من الطموح الدكتاتوري. كان كل حين يخرج من اجتماعاته الحكومية ليتصل برفاقه في
الإخوان المسلمين طلبا لنصحهم، ولا يمكن وصف ذلك بأنه إدارة شؤون الحكومة من قبل
زعيم متميز.
لكنه لم يكن رجلا سيئا، لم يكن إرهابيا، ولم يحتجز وراء القضبان ما
يقرب من ستين ألف سجين سياسي كما فعل خلفه – الذي يُعد، بالطبع، "شخصا عظيما" من قبل الشخص العظيم الآخر في البيت الأبيض.
لعل من المفيد ملاحظة كم كان التعامل مع مرسي مختلفا بعد الانقلاب
الذي دمره. لقد احتجز في حبس انفرادي، وحيل بينه وبين أن يتكلم مع أفراد عائلته
المقربين، وحرم من الإسعاف الطبي. ولكم أن تقارنوا ذلك بالمعاملة التي لقيها سلفه
حسني مبارك بعد عزله – العلاج الطبي المستمر داخل المستشفى والزيارات العائلية،
والتعبير العلني عن التعاطف معه، بل وحتى السماح له بإجراء مقابلة صحفية. أما
مرسي، فكانت كلماته الأخيرة، التي دافع فيها عن كونه مايزال رئيس مصر الشرعي، فقد
حيل بينها وبين أن تصل إلى مسامع الناس بفعل التصميم الميكانيكي للقفص الذي احتجز
فيه، والذي لم تكن جدرانه الزجاجية تسمح بعبور الصوت.
لم يكن إرهابياً، ولم يحتجز وراء القضبان ما يقرب من ستين ألف سجين سياسي كما فعل خلفه – الذي يُعدّ، بالطبع، "شخصا عظيما" من قبل الشخص العظيم الآخر في البيت الأبيض
(إندبندنت)