مات الدكتور محمد مرسي، رئيس مصر الأول والوحيد المنتخب ديمقراطيا، داخل قفص. وكان قد وقف داخل صندوق زجاجي في محكمة بالقاهرة الاثنين الماضي، وقد بدت عليه بوضوح أمارات التدهور الصحي، في آخر جلسة من جلسات محاكمته بتهم سخيفة بالتجسس. وعندما أعلن القاضي رفع الجلسة، وقع على الأرض. قال محاميه إنه سمع المتهمين الآخرين يطرقون جدران القفص الزجاجية، وكانوا يصرخون: "لقد مات مرسي".
كانت تلك نهاية مأساوية، ولكن حتمية، لحياة الرئيس مرسي. لقد كان موته أكثر من مجرد جريمة بشعة نفذت على مدى أعوام، موت بطيء – كما وصفه معهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان – وهو المصير الذي ينتظر الكثيرين ممن يقبعون في السجون داخل مصر.
خلال السنوات الست التي مضت منذ الإطاحة بالدكتور مرسي، الذي حل محله عبدالفتاح السيسي، الجنرال الذي تحول إلى رئيس، قضى مرسي معظم الوقت داخل حبس انفرادي، محروما من زيارات عائلته ومن العناية الطبية التي زادت حاجته إليها مع مرور الزمن. كما حرم من الموارد القانونية التي تمكنه من الدفاع عن نفسه أمام تهم ملفقة وجهت إليه.
لقد عانى من مشاكل صحية خطيرة ذات علاقة بعمره وبمرض السكري، ولم يلق الرعاية اللازمة. وفعلا، تعرض أكثر من مرة لنوبات إغماء بسبب السكري. ولقد صرح نائب مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومان رايتس واتش، جو ستوك، قائلا، "إن المعاملة التي يلقاها مرسي ما هي سوى نافذة نطل من خلالها على الأوضاع المزرية التي يعاني منها آلاف المعتقلين في السجون المصرية."
لم يكن الرئيس محمد مرسي مجرما، بل كان رجل مبدأ دفع ثمن التزامه بالدفاع عن حرية شعبه وعن سيادة القانون وعن الديمقراطية، وكان الثمن حريته التي انتزعت منه لستة أعوام طوال.
والآن، دفع حياته ثمنا للثبات على المبدأ. إن القيم التي آمن بها والتي دافع عنها بلا هوادة حتى في أصعب الظروف وأمرها، إنما هي قيم كونية. لم يقاتل الدكتور مرسي فقط من أجل تحرير الشعب المصري من الطغيان والاضطهاد، بل قاتل في سبيل حق جميع البشر بأن يعيشوا حياة حرة وكريمة.
ولكن، بالرغم من أن هذه القيم هي نفسها التي يدعي الغرب التمسك بها وإعلاء شأنها، إلا أن الغرب أخفق في الدفاع عنها؛ لم يحرك المجتمع الدولي ساكنا إزاء تعرض رئيس دولة منتخب للاحتجاز بتهم لا أساس لها من الصحة، ولا تتجاوز كونها محاولات لتشويه صورته وسمعته.
ولم يصدر عن الغرب أي إجراء حتى بعد أن خلصت هيئة من كبار المحامين وأعضاء البرلمان في بريطانيا، إلى أن المعاملة التي يلقاها الدكتور مرسي "ينطبق عليها تعريف التعذيب." ولم يفعل الغرب شيئا حتى بعد أن قال رئيس الهيئة، النائب البريطاني كريسبين بلانت، إن الرجل في ذلك الوضع ما كان ليعمر طويلا، ما لم يطرأ تغير على المعاملة التي يلقاها.
وطوال الوقت، تُرك الشخص الذي اغتصب الرئاسة من الدكتور مرسي ليرتكب جرائمه بعنف وجرأة متزايدين، بما في ذلك الاعتقالات غير القانونية، والاختفاءات القسرية، والقتل خارج إطار القانون.
يقبع اليوم في سجون مصر ما يقرب من ستين ألف سجين رأي. بل لقد ألقي القبض أيضا على نساء احتججن على ما تتعرض له النساء في مصر من تحرش جنسي. ويتجاوز عدد الصحفيين الذين سجنوا بتهم نشر أخبار كاذبة عدد من اعتقلوا بالتهمة نفسها في أي بلد آخر في العالم. وفي شمال سيناء، حيث تتعاظم الأزمة الإنسانية، يلجأ السيسي إلى استخدام السلاح الذي يشتريه من الولايات المتحدة وغيرها من البلدان، ليرتكب به فظائع وجرائم حرب، بما في ذلك تجريف الأرض وإخلاؤها من سكانها كجزء من التزاماته تجاه صفقة القرن.
لقد سُمح للسيسي بأن يقود البلاد ذات المائة مليون نسمة إلى حافة الدولة الفاشلة، وذلك بفضل ما يحظى به من دعم علني من قبل دونالد ترامب وكذلك من قبل إيمانويل ماكرون، كما أوحت بذلك مقاربته "التطمينية" تجاه السياسة الخارجية. ويبدو أن لامبالاة الغرب تجاه احتجاز ومعاناة الرئيس مرسي، تعكس لامبالاته تجاه العنف والبؤس الذي بات اليوم سمة من سمات الحياة اليومية في مصر.
إننا أمام حكاية رئيس تُرك وحيدا ليتعفن داخل محبسه بعد أن تخلى عنه أولئك الذين يزعمون أنهم يشاطرونه الاعتقاد بالمبادئ نفسها. إن أقل ما يتوجب على المجتمع الدولي فعله هو أن يقوم بإجراء تحقيق مستقل وقوي ودون تسويف. بإمكان المجتمع الدولي أن يجد في تضحية الرئيس مرسي ما يسلط به الضوء على الفظائع التي ترتكب داخل مصر، وبإمكانه أن يكرم ذكراه من خلال تأكيد حق الناس في حرية التعبير وفي الديمقراطية وفي سيادة القانون، وذلك في تحد واضح لأولئك الذين ينتهكون هذا الحق.
إن لم يكن من أجلهم هم، على الغربيين أن يؤكدوا الالتزام بهذه القيم، وذلك ببساطة لأنه يوجد شباب في مختلف أرجاء العالم العربي نشؤوا على الاعتقاد بوجود مجتمع دولي يعلي شأن القيم والمبادئ، ويقف حارسا أمينا لضمان هذه القيم الكونية. بل لقد أضحت مثل هذه القيم توصف بأنها قيم "غربية" لما كان يظنه الناس من تمسك الغربيين بها.
لكن الغرب بدا يوم الاثنين غير مبال بمثل هذه القيم، وإن إخفاقه في العض عليها بالنواجذ، ليجعل دول العالم الديمقراطية متواطئة في عملية القتل البطيء التي تعرض لها أول رئيس دولة يختاره المصريون في تاريخ بلادهم بحرية عبر صناديق الاقتراع. لابد من الانتباه إلى أنه بموت الرئيس مرسي، بدأت تتلاشى سريعا الشرعية الديمقراطية للمنظومة الغربية في أعين كثير من الناس في العالم العربي.
ترجمة خاصة لـ"عربي21" عن مجلة نيوزيوك الأمريكية