هل ستخوض أمريكا حربا جديدة؟ للمرة الأولى منذ أكثر من 15 عاما يبدو
هذا سؤالا منطقيا للغاية. أما الإجابة: من المحتمل لا - على الأقل ليس داخل الشرق
الأوسط.
الملاحَظ
أن سفنا أصبحت تتعرض لهجمات في مضيق هرمز. من جانبهم، ينفي الإيرانيون مسؤوليتهم
عن هذه الهجمات، لكن إدارة ترامب تقول إن لديها مقاطع مصوَّرة تثبت خلاف ذلك. من
جهتي، كنت أشارك في مؤتمر، مؤخرا، وسارعت نحو إيان غولدنبيرغ، أحد كبار مساعدي
وزير الخارجية الأسبق جون كيري (المسؤول الذي وقّع اتفاق إيران النووي)، ويتولى
حاليا إدارة برنامج الشرق الأوسط داخل «مركز الأمن الأمريكي الجديد (سنتر فور إيه
نيو أمريكان سيكيوريتي)». وفيما يلي، سأعرض نسخة منقحة بعض الشيء للحوار الذي دار
بيننا:
هارشو:
دعْنا نبدأ بحوادث ناقلات النفط الأخيرة.. لقد بدأت الولايات المتحدة في إصدار
تحذيرات منذ أسابيع مضت إزاء هذا النمط تحديدا من الأحداث. وإذا ظهر فيديو يثبت
تورط إيران في الأمر، فهل يعني ذلك أنها تخطط منذ فترة بعيدة لمثل هذه الأفعال، أم
أن الهجمات كانت مجرد رد فعل للتحذيرات التي أطلقناها بخصوص تحركات وشيكة من جانب
طهران؟
غولدنبيرغ:
أعتقد أن هذا الأمر في جوهره رد فعل تجاه حملة الضغوط القصوى التي شنتها الولايات
المتحدة العام الماضي. كانت إدارة ترامب تردد: «سنمارس ضغوطا ونخنق إيران اقتصاديا».
وفي مطلع مايو (أيار)، اتخذت قرارا بالعمل على تقليص مبيعات طهران النفطية إلى
الصفر. وعليه، التزمت إيران على مدار قرابة العام سياسة محاولة ضبط النفس، مع
العمل في الوقت نفسه على خلق فجوة بين الولايات المتحدة من جهة والمجتمع الدولي من
جهة أخرى. إلا أنها لم تنجح في تحقيق أي شيء من وراء هذه السياسة. وأعتقد أن
الإيرانيين قرروا أخيرا أن يظهروا للجانب الآخر أن ثمة تكاليف مترتبة على
الاستمرار في النهج الحالي.
هارشو:
بافتراض أن إيران مَن نفّذت هذه الهجمات، فإن من بين النتائج المترتبة على ذلك
ارتفاع أسعار النفط العالمية. إلا أنه بالنظر إلى العقوبات المفروضة عليها، فإن
هذا لن يعود بنتائج كبيرة على الإيرانيين. إذن، ما المقصود هنا؟
غولدنبيرغ:
أعتقد المقصود محاولة دفع الولايات المتحدة نحو التراجع، أو محاولة دفع المجتمع
الدولي ككل نحو التراجع. ومن بين الأمور المثيرة للاهتمام حيال حوادث مهاجمة
ناقلات النفط أنها ربما تنطوي على محاولة لخلق فجوة بين الولايات المتحدة من ناحية
ودول الخليج من ناحية أخرى. والسؤال هنا: هل بالفعل سنشن حربا أو نشرع في مهاجمة
أهداف إيرانية بسبب ناقلتي نفط تعرضتا للهجوم في مياه الخليج؟
هارشو:
سبق أن عملت تحت قيادة جون كيري الذي يعد العقل المدبر وراء الاتفاق النووي الذي
جرى التخلي عنه اليوم. وأفترض أنك تشعر في قرارة نفسك بأن الاتفاق، بغض النظر عما
إذا كان معيبا، فإنه يشكل خيارا أفضل عن لا شيء. الواضح أن إدارة ترامب يخالجها
عكس هذا الاعتقاد تماما، بينما حاول الأوروبيون الإبقاء على الاتفاق. هل ترى أن
الأمر برمّته كان مهزلة؟ هل ثمة احتمال في إعادة الاتفاق إلى الحياة؟
غولدنبيرغ:
وجد الأوروبيون أنفسهم محصورين في المنتصف، ذلك أنهم كانوا يتلقون الانتقادات من
الولايات المتحدة لإبقائهم على الاتفاق قائما، في الوقت الذي يتلقون انتقادات من
إيران لعدم بذلهم جهودا كافية للإبقاء على الاتفاق. لقد تعرضوا لمعاملة شديدة
القسوة، وفعلوا كل ما بوسعهم لتحقيق هدفهم المنشود - كسب بعض الوقت.
من
جهتي، أؤيد الفكرة التي يروّج لها جميع المرشحين عن الحزب الديمقراطي وهي:
«دَعُونا نَعُدْ إلى الاتفاق النووي». إلا إنني أعتقد أنهم يقصدون من وراء ذلك: «
دَعُونا نَعُدْ إلى الدبلوماسية». الحقيقة أنني أشعر بالقلق من أنه بحلول مطلع عام
2021، ستكون الأحداث قد قطعت شوطا طويلا للغاية يجعل من المتعذر العودة إلى
الاتفاق.
هارشو:
حسنا، لنفترض أننا عدنا إلى طاولة التفاوض. كانت من بين الانتقادات المشروعة
الموجهة إلى الاتفاق أنه لا يتناول مسألة الصواريخ الباليستية ولا الإرهاب في
الدول المجاورة فيما يخص إيران. هل هناك سبيل للتعامل مع هذه القضايا في المستقبل؟
غولدنبيرغ:
من بين الأسباب وراء عدم تناول الاتفاق النووي هذه القضايا شعور مسؤولي الجانبين،
الأمريكي والإيراني، بأن هذه القضايا تتسم بقدر بالغ من التعقيد لا يسمح بتناولها
جميعا مرة واحدة. علاوة على ذلك، لم تكن هناك وحدة صف دولية بخصوص مسألة الدعم الإيراني
للإرهاب. ولن يمكنك بالتأكيد الحصول على دعم روسيا والصين تجاه مثل هذه القضية.
وقد واجهت إدارة تلو الأخرى المشكلة ذاتها.
وجاءت
إدارة ترامب تقول سنتخذ موقفا صارما تجاه إيران في المنطقة. إلا أن كل ما فعلوه
كان فرض عقوبات، ولم يقْدموا على أي إجراءات عسكرية للتصدي لأنماط السلوك
الإيرانية الأخرى. وقد هددنا تقريبا بسحب جميع قواتنا من سوريا، الأمر الذي أضعف
قدرتنا على التصدي لإيران بشدة.
هارشو:
هل يمكن أن تشرح لنا كيف واجهت إدارات أخرى المشكلة ذاتها؟
غولدنبيرغ:
خلال إدارة جورج دبليو. بوش، فقدنا أكثر عن 600 أمريكي في العراق بسبب الأسلحة
الإيرانية. ولم نتمكن قط من التوصل إلى سبيل للتصدي عسكريا لإيران دون مواجهة خطر
إحداث تصعيد هائل في الموقف. وقد خشينا أن ينتهي الحال إلى إشعال حرب. وعليه،
اختارت إدارة بوش عدم الإقدام على ذلك. وعليه، جاءت إدارة تلو الأخرى لتقول
سنتعامل مع التحديات الإقليمية وإيران. وأخفقت إدارة تلو الأخرى في ذلك. أما إدارة
أوباما، فقد تمكنت على الأقل من فعل شيء فرض قيودا على البرنامج النووي الإيراني.
هارشو:
حسنا، لنتخيل أننا تمكنّا من الخروج أخيرا من موقف الهجمات الأخيرة التي وقعت في
الخليج دون التورط في حرب محدودة أو شاملة، ما التداعيات التي ستلي ذلك في
اعتقادك؟ وما السبل الدبلوماسية المتاحة أمام إدارة ترامب ما بعد 2020 أو إدارة
أخرى غير إدارة ترامب؟
غولدنبيرغ:
أعتقد أن ترامب يرغب نهاية الأمر في التفاوض. ومن الواضح للغاية أنه يرغب في تطبيق
ذات النهج الذي اتبعه مع كوريا الشمالية. وأعتقد أن رئيس الوزراء الياباني شينزو
آبي ذهب إلى إيران بتشجيع من ترامب. وأعتقد أن هذه فرصة أُهدرت للأسف، لأنه لو كان
الإيرانيون يرغبون في الحديث إلى ترامب مع تفادي كلّ من وزير الخارجية مايك
بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتون المعروفَين بتشددهما، فإن آبي كان فرصة
جيدة. كان بإمكان الإيرانيين عرض شيء على آبي لينقله بدوره إلى ترامب، وربما كان
الأخير سيرد بالإيجاب حتى وإن عارض ذلك بومبيو وبولتون.
هارشو:
حسنا، ما الذي يمكن أن يحدث خلال العامين المقبلين، في ظل إعادة انتخاب ترامب أو
إذا ما انتُخبت إدارة من الحزب الديمقراطي؟
غولدنبيرغ:
على ما يبدو، لا يميل الإيرانيون نحو التفاوض مع ترامب في الوقت الحالي. وربما
يرون أن الدخول اليوم في مفاوضات معه سيبدو بمثابة مكافأة له على انسحابه من
الاتفاق النووي. وعليه، ينتظرون ما سيتمخض عنه العام القادم.
إذا
ما أعيد انتخاب ترامب، أعتقد أن الإيرانيين سيجدون سبيلا للعودة إلى طاولة التفاوض
عبر شخص مثل آبي، لأنه لن يكون أمامهم حينها خيار آخر، فهم يعانون بالفعل من وطأة
ضغوط جمّة.
هارشو:
وإذا خسر ترامب؟
غولدنبيرغ:
حال انتخاب رئيس من الحزب الديمقراطي، سندخل حينها في سلسلة من المفاوضات. ربما لن
يكون من الممكن العودة إلى الاتفاق النووي القديم، خصوصا أن إيران ستشهد انتخابات
ربما تأتي برئيس أكثر تشددا. وسيكون هناك قدر كبير من الشعور بانعدام الثقة لأن
الرئيس المقبل ربما يمحو كل شيء من جديد.
وعليه،
فإن الدبلوماسية ربما تحصل على عطلة خلال الأشهر الـ18 القادمة - وسيدور الهدف
الأكبر حول تجنب اندلاع حرب.
عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية