ورشة جاريد كوشنر الاقتصادية تحولت إلى معضلة
دبلوماسية أردنية؛ تضغط على أعصاب الدولة الأردنية لخطورة تداعياتها على مصالحها الحيوية وعلى ساحتها الداخلية.. معضلة عمدت عمّان لمعالجتها بتجنب الإعلان عن موقفها بشكل حاسم، سواء كان بالمشاركة أو المقاطعة بورشة المنامة الاقتصادية المقررة بتاريخ 25 و26 حزيران/ يونيو؛ تاركة بذلك الباب مفتوحا لمزيد من المناورات الدبلوماسية التي تتيح لها تجنب المواجهة مع إدارة ترمب والدول العربية الخليجية المشاركة، والتي تربطها فيها علاقات قوية.
الورشة في جوهرها تتعارض مع الثوابت والمصالح الأردنية، وتهدد استقرار البلاد ووجودها. ورغم المهارة العالية للدبلوماسية الأردنية التي تناور للتملص من ورشة المنامة الاقتصادية، تاركة الباب مفتوحا لتمثيل دبلوماسي منخفض من الممكن أن يقتصر على الملحق الاقتصادي أو السفير الأردني في المنامة، باعتبار المشاركة جزءا من مهامه؛ فنشاطه الطبيعي كسفير يتيح له المجال التفاعل مع الأنشطة التي تنظمها البلد المضيف؛ مخرج يجنب عمّان الدخول في صدام دبلوماسي مباشر مع الإدارة الأمريكية والدول الخليجية المتحمسة. فالموقف لن يرقى إلى مستوى المشاركة، ولن ينحدر إلى مستوى المقاطعة.
رغم المساحة الدبلوماسية المتاحة للمناورة بهدف تجاوز التداعيات الداخلية للمشاركة والحرج الناجم عن المقاطعة، إلا أن هامش المناورة ما فتئ يضيق. فبعد إعلان السلطة الفلسطينية رفضها المشاركة، عمد جاريد كوشنر إلى إطلاق جولة تضاعف
الضغوط على عمّان؛ جولة شملت الأردن والمملكة المغربية والكيان الاسرائيلي في محاولة لإقناع الأردن بالمشاركة، وهو ما فاقم من حراجة الموقف الأردني الذي لا يرغب بأن يكون بديلا للسلطة الفلسطينية المستنكفة عن المشاركة؛ دافعا الملك عبد الله الثاني إلى إبلاغ كوشنر في عمّان بأن المملكة غير ملزمة بالمشاركة.
الضغوط والمحاولات الأمريكية لم تتوقف لإشراك الأردن في ورشة المنامة، سواء عبر الحديث عن مساعدات سخية تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية وشركائها العرب للمملكة الأردنية والسلطة الفلسطينية، في حال المشاركة بأعمال الورشة الاقتصادية، أو عبر التسريبات الإعلامية التي اتخذت طابع التكتيك الإعلامي الدبلوماسي للحصول على موقف حاسم من عمّان يحرجها أمام الشارع الأردني وأمام حلفائه العرب والأمريكان المشاركين. إذ تناقلت وسائل إعلام عربية وأمريكية ودولية
أنباء عن موافقة كل من الأردن و
المغرب ومصر على المشاركة في الورشة؛ وهو أمر سارعت كل من وزارة الخارجية والناطق باسم الحكومة في عمّان إلى نفيه؛ بالقول إنها لن تعلق على معلومات تنقلها وسائل إعلام، في حين لم يصدر أي تصريح رسمي من البيت الأبيض الذي نسبت إليه المعلومات التي تحدثت عن إبلاغ الأردن البيت الأبيض برغبته بالمشاركة.
فالخارجية الأردنية، ومن ورائها الحكومة عبر الناطق الرسمي باسمها، رفضت التعليق على معلومات تتناقلها وسائل إعلامية لا تنسب إلى مصدر رسمي أمريكي. فالتسريب نسبته وكالة رويترز وموقع "أكسيوس" الأمريكي إلى مسؤول أمريكي في البيت الأبيض، لم يفصح عن اسمه ومنصبه، في حين نقل عن موقع "القدس دوت كوم" قوله إنه نقل الخبر عن جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأمريكي، دون أن يوضح الكيفية التي أدلى بها كوشنر بهذه التصريحات للموقع؛ وقال فيها إن الأردن ومصر والمغرب سيعلنون عن مشاركتهم في الورشة في غضون الساعات القليلة القادمة.
الحكومة الأردنية عادت وأكدت موقفها من الورشة، إذ أعلنت الناطقة باسم الحكومة أنها لم تتخذ موقفا بعد من المشاركة أو المقاطعة، كما نُقل عن مصدر رسمي في 12 حزيران/ يونيو قوله لموقع الجزيرة نت" إن الأردن لم يرد بعد على دعوة واشنطن للمشاركة في مؤتمر البحرين الاقتصادي؛ مضيفا أنه "عندما يتخذ الأردن قراره سيعلنه بوضوح، وسيكون القرار منسجما مع ثوابته ومواقفه المعلنة ومع مصالحه الوطنية".
من ناحية أخرى، نفت السفارة الأمريكية في اتصال لكاتب المقال علمها بوجود أي تصريح رسمي أمريكي حول المشاركة الأردنية صادرة عن البيت الأبيض أو وزارة الخارجية؛ ما يدفع لطرح تساؤلات حول الجهة التي سربت هذه المعلومات والغاية منها، فضلا عن مصداقية المعلومات المتداولة ودقتها.
استنفرت الأخبار والمعلومات المتداولة الحكومة ووزارة الخارجية، لتعود وتؤكد على موقفها من الورشة الاقتصادية، من خلال وزير الخارجية أيمن الصفدي عبر تويتر؛ حيث أكد أن الحلول الاقتصادية لن توقف الصراع ولن تغني عن الحل السياسي؛ ليبقى السؤال: ما هي الغاية من نشر هذه المعلومات؟ فهل الهدف إحراج الدبلوماسية الأردنية وإفقادها الفاعلية والقدرة على المناورة؛ بتركها الباب مفتوحا لتعامل دبلوماسي يجبنبها الصدام مع الولايات المتحدة والدول الخليجية المنخرطة في الورشة؟ أم أنها محاولة جديدة لتوريط الأردن بموقف سياسي يفاقم من أزمته الداخلية ويزعزع الثقة بتوجهاته المستقبلية؟
سيبقى السؤال مفتوحا وستبقى السجالات والمناورات الدبلوماسية حتى الساعة الأخيرة قبل عقد ورشة المنامة الاقتصادية، وهو أمر بات يستحق أن يطلق عليه بحق دبلوماسية الورشة.