تلك هي اللحظة التي توقعتها عن يقين القوى التكنولوجية العظمى، باعتبارها قادمة لا محالة، وهي أن الحكومة الأميركية تعتزم الزحف صوب محرك البحث «غوغل»، للتأكد مما إذا كان يمارس الاحتكار الظالم. وبالتأكيد، فإن الشركة الأم «ألفابيت إنك» وغيرها من شركات التكنولوجيا ترتجف الآن انتظاراً لدورها.
في
هذا السياق، أفادت وكالة «بلومبرغ» للأنباء وغيرها من الوكالات الإخبارية، مؤخراً،
بأن وزارة العدل الأميركية تستعد لفتح تحقيق حول مدى التزام شركة «غوغل» بقوانين
منع الاحتكار. وفي حال حدوث ذلك، سيكون التحقيق طويلاً وشاملاً وفوضوياً، وسيكون
من المستحيل على «غوغل» ومستثمريه توقع نتائجه.
سيجلب
ذلك الخوفَ لـ«غوغل» وباقي شركات التكنولوجيا الكبرى، لأنه لا يوجد ضمان على أن
الضوء في هذه الحالة سيسلط على «غوغل» وحدها.
ليست
هذه هي المرة الأولى التي تتهم فيها «غوغل» بممارسة الاحتكار، فقد سبق أن أغلقت
«لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية» تحقيقاً عام 2013 من دون اتخاذ إجراء عقب
التحريات التي أجرتها للتيقن من أن محرك البحث العملاق عمل على الإضرار بمنافسيه
برفع الأسعار عليهم، ومن ثم الإضرار بالمستهلكين (وإن كانت شركة «غوغل» لاحقاً
وافقت طواعية على القيام ببعض التغييرات).
في
السنوات الأخيرة، فرضت «لجنة الاتحاد الأوروبي لمراقبة منع الاحتكار» غرامات
بمليارات الدولارات بعد اكتشافها خروقات لقوانين منع الاحتكار، كان من بينها
الطريقة التي كان تدير بها «غوغل» أعمالها مع أنظمة تشغيل تطبيقات «آندرويد»
المستخدمة مع الهواتف الذكية، وفي خدمات التسوق عبر الإنترنت. في الولايات المتحدة
وفي غيرها من المناطق، سعى الساسة من مختلف الأحزاب إلى مهاجمة «غوغل» وغيرها من
عمالقة التكنولوجيا، بسبب العديد من الأخطاء الواضحة، منها التضخم الزائد الذي يضر
بمصلحة الصناعة والمستهلكين، فأن تكون «غوغل» يعني حتمية مواجهة كوابيس قانونية
وسياسية.
ربما
بدأ فصل التحول الأخير لـ«غوغل» في الكونغرس الأميركي في يناير (كانون الثاني)
الماضي. فقد قال النائب العام الأميركي بيل بار، أمام أعضاء مجلس الشيوخ، خلال
لجنة استماع، «لا أعتقد أن التضخم مشكلة كبيرة في حد ذاته، لكني أعتقد أن الكثير
من الناس يتساءلون كيف تمكنت تلك الديناصورات الموجودة حالياً في (وادي السيليكون)
من الوجود تحت سمع وبصر القائمين على إنفاذ قانون مكافحة الاحتكار». وجهة النظر
نفسها عبّر عنها المسؤول الأكبر عن منع الاحتكار بوزارة العدل، الذي مثل «غوغل»
خلال عملية الدمج التي جرت منذ أكثر من عقد مضى.
بالطبع،
فإنه من الصعب التنبؤ بتحقيقات منع الاحتكار. فبمجرد اطلاع الحكومة الأميركية على
كل رسالة داخلية بالبريد الإلكتروني وعلى كل عقد تجاري، سيصبح من الصعب التكهن
بالنتائج. ففي حال سارت وزارة العدل قدماً في هذا الاتجاه، سيكون التحرك بمثابة
دعوة عامة لكل شركة أو شخص صاحب مظلمة لدى «غوغل» أن يتقدم بها، وستتسع التحقيقات
لتشمل «فيسبوك» و«أمازون» وغيرها من عمالقة التكنولوجيا.
علينا
أن نتذكر أن شركة «غوغل» قد نجت بأعجوبة من قضية منع احتكار كان من الممكن أن تقام
ضدها مؤخراً. وقد أظهرت مراسلات جرت لاحقاً بين لجان التجارة الفيدرالية والعاملين
أن العاملين أرادوا إقامة دعاوى منع الاحتكار بشأن عدد من القضايا، منها ما زعموا
أنه تكتيك «ذراع غوغل القوية» التي عملت على محو معلومات من مواقع مثل «Yelp» و«TripAdvisor» من دون إذن سابق منهم، وذلك لتحسين
محرك البحث «غوغل». وفي النهاية صوت مفوضو «لجنة التجارة الفيدرالية» بالإجماع
لعدم إقامة دعوى ربما تؤدي إلى تفكيك «غوغل» التي كانت شركة صغيرة حينها.
كان
الوضع القانوني مختلفاً في ظل الرئيس باراك أوباما، الذي كانت إدارته تتعامل مع
«غوغل» بود ظاهر. لكن في الوقت الحالي، كثيراً ما ينتقد البيت الأبيض «غوغل»،
علانية، بسبب قيامها هي وغيرها من شركات التكنولوجيا بقمع الأصوات المحافظة عبر
الإنترنت.
تختلف
واشنطن حالياً عن واشنطن عام 2013. وبات المزاج السائد في الكونغرس متوتراً، بسبب
مواصلة نمو شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى لتهيمن على الأسوق. لذلك فإنه من
المرجح أن تشغل تحقيقات «غوغل» الرأي العام والساحة السياسية، سواء في اليمين أو
اليسار. لذلك فإن السياسة والتحقيقات لن تصب في صالح «غوغل»، ولذلك دعونا ننتظر
لنرى ما إذا كان القانون أيضاً يقف في وجه الشركة.
عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية