نشرت صحيفة "البايس" الإسبانية تقريرا تحدثت فيه عن المستقبل الغامض الذي يواجهه السودان، حيث تسعى كل من روسيا والصين وخاصة المملكة العربية السعودية إلى الحفاظ على نفوذهم في البلاد بعد سقوط الرئيس عمر البشير.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه يوم 24 أيار/ مايو اجتمع كل من الجنرال محمد حمدان دقلو الملقّب بـ"حميدتي"، وهو الرجل الثاني في المجلس العسكري في الخرطوم، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان بشكل ودي في إحدى القاعات الفاخرة في قصر الدولة الملكي في جدة، لمناقشة مستقبل السودان الغامض.
وتجدر الإشارة إلى أن هذين القائدين شابان طموحان لا يرحمان، حيث أن الأول كان على رأس ميليشيات الجنجويد المخيفة التي كانت الذراع المنفذ للعديد من المذابح في دارفور، في حين أن الثاني هو المسؤول عن التفجيرات الشرسة في اليمن ومتهم بإصدار أوامر بتعذيب وقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
وأوردت الصحيفة أنه يوم الإثنين الموافق للثالث من حزيران/ يونيو، دخل العمال في مطار الخرطوم في إضراب استجابة لنداء تجمع المهنيين السودانيين. وقد تدخلت قوات الدعم السريع لحميدتي للبحث عن العمال تحت تحديد السلاح وإجبارهم على إعادة فتح المنشآت لتسهيل عملية هبوط ثلاث طائرات سعودية محملة بالدروع والأسلحة والذخيرة في العاصمة السودانية.
اقرأ أيضا: هندرسون: واشنطن حذرت الخرطوم والرياض من قمع التظاهرات
وأضافت الصحيفة أن شوارع الخرطوم تشهد حمام دم، فرغم انقطاع الإنترنت انتشرت صور القمع الدموي التي عاش على وقعها السودان على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي يوم الثالث من حزيران/ يونيو، وقد كان من الصعب إخفاء حقيقة سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى. إنها معركة مرئية إذ أن الآلاف من الشباب الذين خرجوا إلى الشوارع احتجاجا على غلاء المعيشة وانتهى بهم الأمر إلى الإطاحة بالديكتاتور عمر البشير في 11 نيسان/ أبريل، يعانون اليوم من قمع الجيش الذي استولى على السلطة.
وخلف الكواليس، أصبح السودان الفصل الأخير من المسلسل القديم للتوسع السعودي في أفريقيا. ويحارب المهنيون السودانيون المنظمون في النقابات العمالية وقوى المعارضة عدوا قويا وإحدى أغنى دول العالم بقيادة نخبة لا تحترم حقوق الإنسان ولا تريد فقدان السيطرة على السودان. وفي الأثناء، تشعر الجماعات التي تسيطر على السلطة والمجلس العسكري بالأمان وهي محاطة بالأيادي السعودية.
وأشارت الصحيفة إلى أنه، إلى جانب الرياض، أعربت كل من مصر والإمارات عن دعمهما غير المحدود للمجلس العسكري السوداني. وبعد أيام قليلة من سقوط عمر البشير، أعلنت السعودية عن استثمار ثلاثة مليارات دولار من أجل ضمان "استقرار" البلاد، ضُخت منها 500 مليون بالفعل. ويبدو أن السعودية تسعى من خلال هذه المناورة إلى ضمان الولاء السوداني، البلد الذي يدعم السعوديين في حرب اليمن مع جنود حميدتي على الأرض، لكنه يهمش أيضا قطر وإيران خصميها الإقليميين.
وأوضحت الصحيفة أن التأثير السعودي في السودان كبير لدرجة أن وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية ديفيد هيل، اتصل هاتفيا بنائب وزير الدفاع في السعودية خالد بن سلمان، ليطلب منه أن يأمر بوقف القمع ضد المتظاهرين. وحتى هذه المرحلة، تقف الرياض وراء تحركات الطغمة العسكرية. ومع ذلك، يبدو أن واشنطن تنتظر أن يتخذ الاتحاد الأوروبي خطوة أولى تتجاوز تصريحات نبذ العنف.
اقرأ أيضا: صحيفة: وفد إماراتي سعودي وصل الخرطوم قبل زيارة آبي أحمد
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، التقى عمر البشير مع فلاديمير بوتين في الكرملين للتفاوض بشأن إنشاء قاعدة عسكرية روسية كبيرة في البحر الأحمر. وبعد أسبوع من الإطاحة بالديكتاتور السوداني، انتقل نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف إلى الخرطوم للتحقق من أن كل شيء يسير على ما يرام، حيث صرح: "لدينا تاريخ طويل من العلاقات ونأمل ألا نفقد التقدم الذي أحرزناه".
وأكدت الصحيفة أن روسيا تمضي قدما في هذا المشروع، حيث ضمن المجلس العسكري دعم موسكو. وعلى غرار روسيا، كانت الصين واحدة من أكبر موردي الأسلحة للسودان حتى في أسوأ أوقات الحظر.
ويوم الثلاثاء الماضي، بعد 24 ساعة من المذبحة التي شهدتها العاصمة السودانية، منعت روسيا والصين إعلانا يدين القمع العنيف في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهذا يعني أن دعم الطرفين للمجلس العسكري لا يزال على حاله.
وأفادت الصحيفة بأن تركيا حافظت من جهتها على علاقات ممتازة مع الرئيس المخلوع. ففي كانون الأول/ ديسمبر 2017، وقّع أردوغان، الذي كان أول زعيم تركي يؤدي زيارة إلى السودان، اتفاقيات تعاون بقيمة 650 مليون دولار مع البشير بتجديد جزيرة سواكن السودانية، لؤلؤة الإمبراطورية العثمانية القديمة.
وفي الرابع من حزيران/ يونيو وبعد القمع الذي عاشته شوارع الخرطوم، أصدرت أنقرة بيانا أعربت فيه فقط عن "قلقها العميق" بشأن ما حدث، بينما طلبت مواصلة المفاوضات من خلال الإجماع والأساليب السلمية.
ونوهت الصحيفة بأن تعليق الاتحاد الأفريقي لعضوية السودان قد يؤثر على الميزانية، نظرا لأن بكين تحتفظ باستثمارات ضخمة في القارة بأكملها تقريبا. ومع وجود جيش مقسم إلى خمسة فصائل على الأقل بقيادة أمراء حرب سابقين أو جنرالات طموحين، فإن السعودية تتنفس الأكسجين في الطغمة العسكرية، بينما يطالب المتظاهرون بالديمقراطية ونقل السلطة إلى حكومة مدنية، في حين لا يزال صقور نظام البشير السابق والإسلاميين يتولون مقاليد السلطة. وتعتمد معادلة حل أزمة السودان على متغيرات متعددة، الكثير منها مرتبط بالرياض.
"العسكري" يوضح هدف زيارة حميدتي للرياض.. ما علاقة اليمن؟
"حميدتي" يختتم زيارة قصيرة للسعودية بعد لقائه بابن سلمان
"مجتهد" يكشف معلومات عن ضيوف برنامج المديفر