في 7 حزيران/ يونيو من كل عام، يحيي عشاق الشيخ إمام في مصر والوطن العربي ذكرى رحيله، كل على طريقته الخاصة، خاصة وأنه جمع بين تلاوة القرآن والابتهالات والتواشيح والأناشيد الدينية، وبين أغاني الثورة والحرية والعدل إلى جانب الأغاني العاطفية والاجتماعية.
وتحل هذا العام الذكرى الـ24 لرحيل مغني الشعب والملحن الثائر الشيخ إمام عيسى، الذي وافته المنيه عن عمر يناهز 87 عاما، حيث ترك إرثا من الأعمال الفنية الثورية والاجتماعية النادرة.
وُلِدَ إمام محمد أحمد عيسى في 2 يوليو عام 1918 ببلدة أبي النمرس بمحافظة الجيزة، وفقد بصره وعمره سنة واحدة، وحفظ القرآن الكريم صغيرا، وتعلم الموسيقى والغناء على يد الشيخ درويش شعراوي، كما تعلم عزف العود على يد كامل أحمد الحمصاني الذي كان كفيفا أيضا، وبعد أن جاوز السبعين من عمره، فضل الشيخ إمام العزلة في غرفته بحي الغورية إلى أن توفي في 7حزيران/ يونيو 1995.
وارتبط اسم الشيخ إمام برفيق دربه في الحياة والفن والسجن الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم. وكان أول لقاء يجمع بينهما في عام 1962.
وكانت أول أغنية اشترك فيها الثنائي (إمام/نجم) هي أغنية "أنا أتوب عن حبك أنا"، وبعدها بدأوا في إنشاد العشرات من الأغاني، وكان الثنائي (إمام/نجم) يرى أن الأغاني التي تذاع في محطات الإذاعة مجرد «سفسطة»، ولا تعبر عن آلام ومشاكل الشعب المصري.
وقدم الثنائي (إمام/نجم) عددًا من الأغاني كان أشهرها أغنية "مصر يا أماه يا بهية"، وأغنية "شيد قصورك على المزارع"، والتي كان ينشدها في كل مرة يتم فيها اعتقاله.
ووفقا للناشط المصري أحمد بهاء الدين، كان الشيخ إمام أول من اعتقل في تاريخ الثقافة العربية بسبب الغناء، حيث غنى بعد هزيمة يونيو 1967، عددا من الأغاني الساخطة والساخرة من الهزيمة، أبرزها "بقرة حاحا" و"الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا"، ما أدى لاعتقاله أكثر من مرة.
وحظي الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات بالنصيب الأكبر من النقد والسخرية من قبل الثنائي (إمام/نجم)، حيث قدما عددًا من الأغاني التي انتقدت توجه السادات مثل "نيكسون بابا" و"فاليري جيسكار ديستان" و"قوقة المجنون أبو برقوقة".
وتسببت أغنية "الفول واللحمة" التي كانت تسخر من تراجع الأحوال الاقتصادية في مصر في عهد السادات، في الحكم على الثنائي (إمام/نجم) بالحبس لمدة سنة في 1977.
وغنى الشيخ إمام، للحرية والعدل، وللدفاع عن الثقافة الوطنية والقومية، وللدفاع عن انتماء مصر ودورها العربي، وغنى للطلاب وللشباب وللعمال والفلاحين والجنود والمرأة والمثقفين، وغنى تعليقاً على تصاعد العلاقات المصرية الغربية، خصوصا المصرية الأميركية، عقب حرب أكتوبر 1973.
ولم يتجاهل الشيخ إمام القضايا العربية، بل شمل باللحن والغناء هموم الشعوب العربية، حيث غنى كثيراً للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية والقومية، كما غنى للشعب اللبناني، خصوصاً إبان الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982، وغنى أيضا في عدد من الدول العربية، وغنى للجاليات العربية في المهجر، خصوصا في أوروبا وفرنسا وسويسرا.
كما غنى الشيخ إمام للثورة في فيتنام، وغنى دفاعاً عن الثورة في تشيلي. وغنى أيضا عندما توفي المناضل الثوري الأرجنتيني الأصل تشي جيفارا في بوليفيا عام 1967، أغنيته الشهيره "جيفارا مات".
ويعتبر الكاتب واللغوي الفلسطيني عارف حجاوي، الشيخ إمام بأنه أحد أخطر الملحنين في التاريخ، فيما يرى السياسي المصري عمار علي حسن، أن الشيخ إمام ورفيق دربه أحمد فؤاد نجم شكلا ظاهرة لفتت انتباه العرب والعالم.
وقال حسن عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "في شعر نجم، وصوت إمام، شيء أصيل خارح من أعماق الروح، ومن طين الأرض الخصبة العفية، ومن السواعد التي تشرخ الهواء الفاسد في مواكب الحرية التي تتدفق إلى الشوارع هاتفة".
وقال الكاتب المصري أشرف الصباغ، إن أعمال الشيخ إمام "لم تقتصر على الزعيق والشتائم وكشف الفضائح وتعرية النظام السياسي بشكل مباشر، بل تجاوز كل ذلك مع إمكانياته العالية على التعامل مع التراث الشعبي والموشحات الأندلسية والتراث العربي في محاولة جادة للإفلات من عملية الاستقطاب سواء من ناحية الأنظمة السياسية المتعاقبة، أو من فصائل الأحزاب السياسية المتناحرة التي حاولت استخدامه كبوق في مواجهة بعضها البعض وفي مواجهة الأنظمة أيضا".
وأوضح الصباغ في مقال كتبه بعد وفاة الشيخ إمام بعدة أشهر، وأعاد نشره عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي، أن الشيخ إمام لم يتوقف عند الفضح الاجتماعي والسياسي في إطاره المحلي، وإنما قام بوضع معادلته الهامة بين الهم (الاجتماعي/ الوطني) وبين الهم (الفني/ الحضاري) في إطار رؤية عامة وشاملة، أي رؤية ليست محلية، وإنما رؤية أممية تنظر بشمول وعمومية انطلاقا من خصوصية موسيقية وتراثية.