في يوم من أوائل أيام شهر حزيران (يونيو) 2017 أعلنت السعودية ومصر والإمارات والبحرين غلق المداخل البحرية والجوية والبرية في وجه شعب قطر، كما طلبت هذه الدول من المواطنين والطلبة والمقيمين القطريين مغادرة أراضيها على جناح السرعة بما في ذلك زوار بيت الله الحرام.
كانت القرارات بمثابة إعلان حرب إقليمية، إذ سريعا ما تداعت للحدث وسائل الإعلام العربية والدولية لتجعل من القرار حكما بالإعدام على دولة عربية إسلامية عضو في الجامعة العربية وفي منظمة الأمم المتحدة. بسرعة أكبر تهاطلت القرارات والشروط والتهديد والوعيد وتطاير الشرر على شاشات التلفاز منذرا بالويل والثبور في حملة إعلامية تستهدف الإطاحة بالخصم بالضربة النفسية القاضية.
لم تكن الصدمة سهلة على القطريين مسؤوليين وقادة وشعبا، لا بسبب حدتها وغبائها وسذاجة ما تضمنته من التهم والأكاذيب، بل لأنها لم تكن متوقعة البتة بل طعنة غادرة. كان عنصر المفاجأة كلمةَ السر في جريمة الحصار بعد أن حسب المتآمرون أن الدوحة لن تقدر على الصمود أسبوعا أو أسبوعين على أقصى مسافة زمنية.
الآمال والأحلام
من الصعب القول إن الصورة كانت واضحة تماما منذ اليوم الأول لإعلان الحصار، فنوايا المحاصرين لم تكن بالوضوح الذي هي عليه اليوم. يومها كان الهدف من خنق الدولة الجارة يتمثل في مجموعة الشروط التي قدمتها مجموعة الأربعة ومن بينها إغلاق قناة "الجزيرة" مثلا وإرغام قطر على التوقف عن دعم الحركات السياسية التي يقيم قياديوها في الدوحة مثل جماعة الإخوان المسلمين.
أظهرت تقارير إعلامية حديثة أن دول الحصار كانت تسعى إلى سد ديونها وإلى الخروج من ضائقتها المالية عبر وضع اليد على حقول الغاز القطرية
كان لعاب الانقلاب في مصر السيسي يسيل للظفر بنصيب من الكعكة القطرية وكذا كان حال البحرين
كانت جريمة اغتيال خاشقجي نقلة نوعية في مشهد الحصار إذ أصابت مجموعة العدوان الرباعي بشلل تام في أدوات العمل.
من جهة أخرى زاد اعتقال الناشطات والمعارضين والعلماء والشيوخ من تشويه صورة المملكة دوليا وهي التي تضررت كثيرا بسبب حرب اليمن والجرائم المرتكبة هناك. الإمارات هي الأخرى صارت في المخيال العربي عنوانا لقوى الثورات المضادة بسبب ما ارتكبته ولا تزال في ليبيا واليمن ومصر وبقية مجالات الثورات المضادة من فظاعات.
المشهد شبه كامل
اليوم يبدو المشهد أكثر وضوحا من ذي قبل بعد أن ظهر للعيان أن العدوان الرباعي على قطر ليس إلا جزءا من مخطط كبير يمتد من ثورات الشعوب مرورا بانقلاب تركيا الفاشل وصولا إلى صفقة القرن التي تعتبر جوهر اللوحة وقلبها النابض. لم يكن الكيان الصهيوني ليحصل على هذا التطبيع السريع مع المنظومة الخليجية بقيادة المملكة السعودية بلاد الحرمين الشريفين إلا بصفقة مربحة تمكنه من القدس الشريف عاصمة أبدية وتمكّن الحكام الجدد في الخليج من العرش الأبدي برعاية أمريكية.
كان لزاما لكي يكتمل المشهد من التخلص من الفواعل المناوئة للمشروع وعلى رأسها "حماس" الفلسطينية وقطر العربية وتركيا الإسلامية. لم تنجح الخطة بل إن مسار التحركات الشعبية والاحتجاجات الاجتماعية آخذ في التصاعد على رقعة جغرافية جديدة في الجزائر والسودان مما ينذر بهزات ارتدادية عنيفة.
تركيا اليوم فاعل مركزي ومفتاح الشرق الأوسط، أما قطر فهي بعد عامين من الحصار أقوى أربع مرات مما كانت عليه قبله، أما الوعي الجمعي العربي فقد حقق عبر انقلاب تركيا الفاشل وحصار قطر الأفشل وصمود "حماس" الأسطوري، نقلة نوعية ستحدد مصير الموجات الثورية المقبلة في المشرق والمغرب.