فند مؤرخ فلسطيني، المغالطات التاريخية والمعلومات المزيفة التي وردت في فيلم وثائقي بثته مؤخرا "قناة العربية" السعودية، مؤكدا أن الفيلم اعتمد على "تزوير" الحقائق التاريخية الثابتة لصالح الرواية الإسرائيلية الصهيونية.
وفي مقطع من الفيلم اطلعت عليه "عربي21"، وتداوله نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، يتحدث عن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي ما قبل النكبة الفلسطينية عام 1948، حبث أغفل ذكر العديد من الحقائق المتعلقة بهجرة اليهود غير الشرعية إلى فلسطين وتسريب الأراضي لهم، وارتكاب العصابات الصهيونية المجازر بحق الشعب الفلسطيني.
وزعم الفيلم خلاف ذلك؛ واتهم الشعب الفلسطيني بارتكاب "مجازر" بحق اليهود المهاجرين إلى فلسطين، ولم يتوقف عند ذلك بل تبنى التسمية اليهودية لـ"حائط البراق" الإسلامي الذي يعتبر جزءا من المسجد الأقصى المبارك.
وأوضح المؤرخ الفلسطيني البارز جوني منصور، الذي اطلع على فيلم "العربية"، أن "المسألة الأساسية التي غيبها الفيلم؛ هي الأسباب التي تقف خلف الهبات أو الانتفاضات الفلسطينية بعد الاحتلال البريطاني لفلسطين والتي تطرق إليها الفيلم في عامي 1920 و 1929، حيث انطلقت هبات ضد سياسات بريطانيا المؤيدة والداعمة للمشروع الصهيوني".
اقرا أيضا : مضاوي الرشيد: التطبيع السعودي مع إسرائيل من أيام النكبة
ولفت في حديث خاص لـ"عربي21"، أن من بين "أهم تلك السياسات، قضية الأرض وسيطرة المؤسسات الصهيونية عليها وعمليات تسريب الأراضي لصالح الصهيونية، وزيادة عمليات الهجرة اليهودية على حساب القدرات الاستيعابية لفلسطين، والمواقف البريطانية من قضية فلسطين؛ وخصوصا دعم بريطانيا الصريح والواضح لوعد بلفور".
ونبه منصور، أن "تصريح بلفور لم يبق تصريحا بريطانيا وإنما أصبح جزءا من صك الانتداب؛ بمعنى أن بريطانيا أصبحت ملزمة بموجب ما يسمى بالشريعة الدولية أن تنفذ هذا التصريح"، لافتا أن "التصريح ما كان يمكن أن ينفذ على أرض الواقع إلا بأمريين أساسيين؛ هما اقتلاع الأرض من الفلسطينيين ومن ثم ترحيلهم".
واستنكر ما ورد في الفيلم المذكور، ورأى أنه "كان الأجدر بهذا الفيلم أن لا يكون؛ لأنه جعل من الفلسطينيين مجرمين، في الوقت الذي تعرض فيه الشعب الفلسطيني لمجازر وعمليات إرهابية في تلك الفترة وما بعدها في الثلاثينيات ولم يأت الفيلم على ذكرها".
حادثة مفتعلة
وتابع: "كما أن الفيلم جعل من الفلسطينيين أنهم فقط مسلمون ولم يذكر أنهم عرب أو فلسطينيون، وهنا قام باستغلال المكون الديني فقط"، مؤكدا أن "هناك تزويرا للحقائق وصياغتها؛ لأنه جعل من اليهودي ضحية ومن الفلسطيني جلادا، علما بأن الفلسطيني هو ضحية السياسة الصهيونية والبريطانية الاستعمارية".
ومن بين المجازر التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني على يد العصابات اليهودية، ذكر المؤرخ المقيم في مدينة حيفا بالداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، أن "هناك الاعتداء الذي وقع عام 1929 على حائط البراق في القدس"، معتبرا أن ما جرى "تجاوز لكل العلاقات التي كانت متبعة في هذه الفترة حيث لم يسمح لليهود بإحداث أي تغيير في المكان وذلك ضمن اتفاقية الوضع الراهن".
وذكر أن "اليهود تعدو على الاتفاق، واستغلوا هذا الوضع بدعم من الحكومة البريطانية وقاموا بعملية الاستيلاء على حائط البراق"، مؤكدا أن "ما جرى هو حادثة مفتعلة من قبل اليهود، وهو ما أدى إلى حدوث حالة من التوتر والاشتباك بين اليهود والفلسطينيين المدافعين عن حقهم في منطقة البراق وكافة منطقة الحرم القدسي ومدينة القدس".
كما أن "هناك تعديات من المستعمرات اليهودية على القرى والأراضي العربية الفلسطينية في عدد من المناطق"، بحسب منصور الذي لفت إلى "حالة التسلح الصهيوني وانتقال الأسلحة لليهود واستعدادهم للمواجهات المستقبلية، في الوقت الذي كانت هناك حركة وطنية فلسطينية للدفاع عن الحقوق الفلسطينية ومواجهة الحركة الصهيونية وتوسعاتها".
ونوه أن ثورة يافا التي وقعت في 1921، بدأت حين احتفلت مجموعتان من العمال اليهود بعيد العمال بمنطقة "تل أبيب"، ولكن الحركة الصهيونية حركت مجموعة لتكمل مسيرتها داخل مدينة يافا وأحدثت حالة من التوتر والبلبلة والفوضى عندما اقتحمت الأحياء العربية، وهو ما أدى إلى تصادم، وعندها تدخل الإنجليز وأطلقوا النار على الجميع".
تزييف الحقائق
ومضى: "لكن الفيلم أشار فقط إلى القتلى اليهود ولم يذكر القتلى الفلسطينيين، وهو يظهر انحياز الفيلم لليهود بشكل كلي، ويظهر اليهود كأنهم ضحايا والفلسطينيين أصحاب البلاد كأنهم دخلاء ومذنبون وأنهم من قاموا بالمجازر".
وحول استبدال التسمية الإسرائيلية "حائط المبكى" بـ"حائط البراق" في التسمية الإسلامية، رأى أن تقرير "لجنة شو" البريطانية الذي صدر بعد ثورة البراق، "يحتوى على الكثير من الأمور الإيجابية لصالح القضية الفلسطينية، ولكن علينا أن ندرك أن النص شيء وتنفيذه على أرض الواقع شيء آخر"، مؤكدا أن "بريطانيا لم تأخذ في الاعتبار بهذا التقرير واستمرت بتسريب الأراضي لصالح المشروع الاستعماري".
وأشار إلى أن "بريطانيا كانت تغض النظر عن موجات الهجرة (اليهودية) إلى فلسطين بدون تراخيص وعلى حساب المصالح الفلسطينية"، مؤكدا أن "الحكومة البريطانية كانت منحازة بشكل كلي للمشروع الصهيوني في فلسطين".
وبشأن أهم المجازر والاعتداءات التي ارتكبتها العصابات اليهودية في فلسطين قبل عام 1948، نوه لأهمية الرجوع إلى تاريخ منظمة "الهاغاناه" العسكرية الإسرائيلية أو منظمة "الآرغون" الصهيونية، وعندها تستطيع الوقوف على العديد من العمليات التي نفذتها تلك العصابات في العديد من القرى والمدن الفلسطينية من مثل: يافا، حيفا، طبريا والقدس".
واستحضر "عملية تفجير فندق الملك داود في مدينة القدس المحتلة عام 1946 (على يد عصابة الآرغون) والتي تظهر مدى ترجمة فكر المنظمة الصهيونية الاستعماري إلى فكر عسكري، إضافة للقيام بسلسلة من العمليات العسكرية في الكثير من المدن والقرى، وهو ما أدى إلى مقتل العشرات من الفلسطينيين".
ولم يخف المؤرخ الفلسطيني استفزازه عند مشاهدته لفيلم "العربية"، لما احتوى عليه من "تزييف للحقائق التاريخية، إضافة للأسلوب المستخدم في الفيلم، والذي انحاز إلى القوى الظالمة القمعية، فيما يتهم الشعب الفلسطيني صاحب الأرض بأنه هو من ارتكب المجازر، علما بأن شعبنا تحمل وما زال الكثير من هذه الأعمال".