يقف العرب (أنظمة وشعوبا ونخبا وأحزابا سياسية) في موقف المتابع والمراقب لما يجري من تصعيد بين الأمريكيين والإيرانيين. وفي حين أن بعض الأوساط العربية الرسمية والشعبية تتمنى انتصار أمريكا على
إيران وحلفائها في المنطقة، لأسباب سياسية أو مذهبية أو قومية، فإن هناك جهات عربية أخرى حليفة لإيران تؤكد أنه في حال حصول أية مواجهة فستنتصر إيران وستلحق الهزيمة الكبرى بأمريكا وحلفائها. وفي المقابل، هناك جهات عربية تتابع التطورات وترسم السيناريوهات المختلفة للصراع الحاصل، وتراقب التطورات دون أن تكون قادرة على القيام بأي جهد في هذا
الصراع المفتوح بين الإمبراطوريتين الأمريكية والإيرانية، والذي ستكون المنطقة العربية الساحة الأبرز لحصوله.
وقد أشارت التطورات الأخيرة (تخريب السفن السعودية في المرافئ الإماراتية، وإطلاق الطائرات اليمنية المسيّرة على المراكز النفطية السعودية، وإطلاق صاروخ قرب السفارة الأمريكية في بغداد) إلى أن الدول العربية، ولا سيما العراق ودول
الخليج، هي التي يمكن أن تدفع ثمن أية مواجهة أمريكية-إيرانية إذا حصلت، وخصوصا في حال تطورت الأمور إلى حرب مفتوحة وشاملة، رغم أن معظم التحليلات السياسية تستبعد ذلك.
فأين يمكن أن يقف العرب في هذا الصراع المفتوح؟ وهل سيظلون في موقع المتفرج ويدفعون ثمن الحروب في المنطقة؟ وهل يمكن أن يكونوا مع أحد طرفي المواجهة لتحقيق مصالحهم القومية والوطنية؟ وما هو الدور الإيراني في إعادة تغيير وجهة النظر العربية المعادية لهم؟
قد تكون وجهة نظر الجهات المؤيدة لإيران أن المصلحة العربية هي الوقوف إلى جانبها في مواجهة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية هي الأقرب للمنطق، وذلك بسبب السياسات الأمريكية والإسرائيلية المعادية للعرب طيلة العقود الأخيرة، وخصوصا في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ولأن الهدف الأمريكي الحصول على الثروات العربية المالية والنفطية.
لكن في المقابل، هناك وجهة نظر عربية جديرة بالاستماع والاهتمام (وخصوصا من قبل إيران وحلفائها) بأن السياسات الإيرانية والخطاب الإيراني المعلن لم ينجح في إقناع قسم كبير من العرب بأن إيران ليس لها مطامع في بلادهم، وأنها غير مسؤولة عن بعض المخاطر والأزمات التي تواجهها بعض الدول والشعوب العربية، وأن هناك حاجة كبيرة من أجل إعادة النظر ببعض الخطاب الإيراني والأداء الإيراني الواقعي، من أجل إزالة الالتباسات الحاصلة لدى بعض الشعوب والأنظمة العربية؛ كي تقف إلى جانبها في مواجهة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية.
لا يمكن لأي مراقب أن ينكر وقوف إيران إلى جانب القضية الفلسطينية، ولا سيما بعد انتصار الثورة الاسلامية عام 1979، والقرار بإقفال السفارة الإسرائيلية وتحويلها إلى سفارة فلسطين، والدعم الذي قدمته إيران لقوى المقاومة في لبنان وفلسطين.. لكن في المقابل، فإن العديد من المواقف والخطوات الإيرانية تجاه بعض الدول الإيرانية قد أثارت بعض المخاوف لدى أوساط عربية، ولا سيما الحديث عن سيطرة إيران على أربع عواصم عربية، أو الحديث من قبل مسؤول إيراني عن إعادة الإمبراطورية الإيرانية وعاصمتها بغداد (رغم التوضيحات اللاحقة لهذا الموقف)، أو ما يطلق أحيانا من تهديدات ضد دول عربية..
قد يكون الإيرانيون عانوا كثيرا من جراء الحرب العراقية عليهم أيام صدام حسين، ووقوف بعض الدول العربية وراء نظام صدام، وقد تكون سياسات إيران في بعض الدول العربية (سواء في سوريا واليمن) غير واضحة من قبل أوساط عربية، وتعطى تفسيرات مذهبية أحيانا، كل ذلك يحتاج لحوار إيراني-عربي حقيقي، ويحتاج أيضا لخطاب وأداء إيرانيين جديدين لطمأنة العرب، وللتأكيد على المصالح المشتركة بين الطرفين في مواجهة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية. طبعا لا يعني ذلك تبرئة بعض الأنظمة العربية وتحالفاتها مع الأمريكيين، وتعاون بعضها مع الإسرائيليين بحجج مختلفة، وتصوير إيران بأنها العدو والتخلي عن القضية الفلسطينية.
واليوم، وبغض النظر عما ستؤول إليه التطورات بين إيران وأمريكا، ومع أن الكثير من المحللين بدأوا بالربط بين ما يجري من تصعيد وبين التحضير لإطلاق صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية، من خلال المؤتمر الاقتصادي الذي سيعقد في البحرين في شهر حزيران/ يونيو المقبل، وما سيليه من خطوات سياسية، فإن مواجهة كل هذه المخاطر تتطلب رؤية إيرانية جديدة وأداء إيرانيا مختلفا. وهكذا فإنه يمكن تحويل العداء لدى بعض الجهات العربية إلى دعم للموقف الإيراني. وفي المقابل، فإن على العرب أن يبحثوا عن مصالحهم الحقيقية، بدل أن يكونوا وقودا لحرب أمريكية جديدة ضد إيران، أو أن يدفعوا ثمن أية تسويات جديدة، أو يتحولوا إلى ساحات للمواجهة تكلف المزيد من الدماء والدمار والخسائر في الأرواح والبلاد.