حُسم خيار تسلمه رئاسة الحكومة الفلسطينية بوصفه شخصية توافقية، وأقل أعضاء اللجنة المركزية في حركة "فتح" اصطداما وتشابكا مع الواقع السياسي الفلسطيني، على عكس مرشحين آخرين وأكثر حدة.
ساعدته تجربة المهنية والاقتصادية السابقة في منحه قبولا داخليا وخارجيا.
ورغم أنه خبير اقتصادي، إلا إنه يقود حكومة سياسية بشكل لافت، تقتصر على "فتح" وفصائل صغيرة، خلفا لحكومة رامي الحمد الله التي تشكلت بتوافق بين حركتي "فتح" و"حماس"، وكان الهدف الرئيس من تشكيلها "إنهاء الانقسام" بين الحركتين، وأطلق عليها "حكومة التوافق الوطني".
ورفضت "الجبهة الشعبية "و"الجبهة الديمقراطية" و"حماس" و"الجهاد الإسلامي" الانضمام إلى الحكومة الجديدة.
تشكيله للحكومة كان بناء على توصية اللجنة المركزية لحركة "فتح"، التي طالبت بتشكيل حكومة من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وأن يكون رئيسها أحد أعضاء "فتح"، توصية جاءت على أثر "تعثر ملف المصالحة مع حركة حماس"، وانسداد أفق المصالحة بشكل مقلق ومضر بالقضية الفلسطينية.
رئيس الحكومة الجديدة، المحرر السابق في صحيفة "الشعب" الفلسطينية، التي كانت تصدر في القدس بدعم من منظمة التحرير الفلسطينية، محمد اشتية، والمولود في قرية تل في محافظة نابلس عام 1958، حاصل على بكالوريوس اقتصاد وإدارة أعمال من جامعة بيرزيت عام 1981، وبعدها بعامين حصل على دبلوم "دراسات تنموية" من جامعة "ساسكس" في برايتون ببريطانيا، والدكتوراه في "الدراسات التنموية" أيضا من نفس الجامعة.
التحق اشتية بجامعة بيرزيت أستاذا ثم عميدا في الجامعة، وتقلد بعدها قائمة طويلة من المناصب من بينها، رئيس المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار (بكدار)، ووزيرا للأشغال العامة والإسكان.
وشغل أكثر من موقع أكاديمي من بينها، رئاسة مجلس أمناء الجامعة العربية الأميركية، وعضوية مجلس أمناء جامعة القدس، وعضوا في مجلس أمناء جامعة الاستقلال الأمنية، ورئيس مجلس إدارة قرى الأطفال العالمية، ومحافظ البنك الإسلامي للتنمية.
اقرأ أيضا: اشتية: تحويل الأنظار تجاه غزة هدفه الاستفراد بالقدس
اشترك اشتية في العديد من المبادرات السياسية والتنموية، وأسندت إليه معظم البرامج التنموية وبرامج إعمار فلسطين، وشارك في مفاوضات متعددة الأطراف تناولت مواضيع التجارة والمالية والبنية التحتية والسياحة في منطقة الشرق الأوسط.
انتخب عضوا في اللجنة المركزية لحركة "فتح" في عام 2009، وأعيد انتخابه في عام 2016.
وكلف في آذار/ مارس الماضي برئاسة الحكومة الجديدة خلفا لحكومة الحمد الله ضعيفة الأداء والإنجازات.
وعلى عكس من سبقوه من رؤساء الحكومات "السبعة" الذين اعتبروا مستقلين وأصحاب كفاءات مهنية وتكنوقراط، فإن اشتية تم اختياره بشكل رسمي من " فتح" حتى قبل أن يقوم رئيس الحركة ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بتكليفه.
ويرى محللون أن هذه الحكومة التي يقف على رأسها قيادي في "فتح" ستساهم في عزل حركة "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة منذ عام 2007، بعد عام من فوز الحركة في الانتخابات التشريعية.
ومنذ ذلك الوقت، تجمدت الحياة السياسية الفلسطينية رسميا، وتعثرت أكثر من محاولة للمصالحة بين الطرفين، وتراجع الاهتمام العربي والدولي بالموضوع الفلسطيني ونتجت عنه حالة من الإحباط العام.
واعتبرت "حماس" أن "تشكيل " فتح" لحكومة اشتية "استمرار لسياسة التفرد والإقصاء".
وأضافت بأنها "ستعزز من فرص فصل الضفة عن غزة كخطوة عملية لتنفيذ صفقة القرن"، بحسب بيانها.
وطالبت "حماس" بتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني في إطار "التوافق الوطني".
يقول الخبير في الشؤون الاسرائيلية الفلسطينية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، هيو لوفات، حول حكومة اشتية: "هذه الخطوة تمثل انتزاع سلطة عارية من جانب حركة فتح". ويضيف أن الحكومة على ما يبدو "استمرار للحكومة السابقة وليست بديلا جذريا عنها".
وأوضح: "رغم شمول الحكومة الفلسطينية الجديدة للتكنوقراط والشخصيات السياسية من الفصائل اليسارية الأصغر حجما، فإنها لا تزال تعج بمؤيدي الرئيس عباس".
ويؤكد رئيس المكتب الإعلامي لـ" فتح" منير الجاغوب، أن تعيين اشتية يأتي في ظل مرحلة سياسية صعبة تمر بها القضية الفلسطينية.
اقرأ أيضا: "حماس" تدعو اشتية لرفع العقوبات عن غزة قبل زيارتها
واعتبر أن "القيادة الفلسطينية وفي ظل المحاولات الإسرائيلية لتطبيق صفقة القرن، رأت ضرورة أن يكون رئيس الحكومة الجديد من اللجنة المركزية للحركة".
واعتبر أن اشتية "مقبول بين فصائل منظمة التحرير وحركة الجهاد الإسلامي، لكن المشكلة في حماس"، على حد قوله.
ومن غير المتوقع حدوث تحولات كبيرة أو جوهرية في السياسة العامة لحكومة اشتية، سواء في علاقات الفلسطينيين مع الاحتلال أو الولايات المتحدة أو الحكومات العربية أو مناطق أخرى، وذلك كون السياسات الخارجية والعلاقات الدولية تخضع لسلطة "أبو مازن" واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
ويؤكد ذلك الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة بقوله: "الحكومة لم تكن هي صانعة السياسة هنا. منظمة التحرير الفلسطينية هي الجهة الوحيدة التي يتعين عليها اتخاذ القرارات".
والواقع يؤكد أن الحكومات الفلسطينية السابقة لم تكن هي صانعة التوجهات السياسية للسلطة الفلسطينية، بل كان دورها غالبا خدماتيا وإداريا أكثر من أي شيء آخر، إذ أن مطبخ القرار في السلطة كان وما زال منحصرا في عباس وفريقه، وأي تحولات حقيقية ستكون بناء على ما يقرره هذا الفريق الذي يجد نفسه في مواجهة الإدارة الأمريكية، وما بات يعرف في وسائل الإعلام بـ"صفقة القرن" وما سيرافقها من ارتدادات أقليمية وعربية.
وتواجه الحكومة الجديدة أزمة مالية، حيث تسلم موظفوها خلال الشهرين الماضيين نصف راتب بعد رفض السلطة الفلسطينية تسلم أموال الضرائب "المقاصة" التي يجمعها الاحتلال عن البضائع التي تدخل إلى السوق الفلسطينية، بعد أن خصم جزءا منها بحجة إن السلطة تدفعه رواتب لأسر الشهداء والمعتقلين الفلسطينيين في سجونها.
ويعرف الفلسطينيون بأن الإدارة الأمريكية وحكومة بنيامين نتنياهو تسعيان إلى دفعهم إلى اليأس والاستسلام، يقول رئيس الوزراء الفلسطيني، لدى لقائه وفدا من الأكاديميين والكتاب الأمريكيين، إن "سياسة الابتزاز لن تجبرنا على قبول صفقة القرن".
وأضاف: "إذا لم تحتوِ (صفقة القرن) على القدس ولا الحدود وحقوق الشعب الفلسطيني الشرعية، فلماذا نقبل بها؟". وتابع قائلا: "رأينا أفعالا على الأرض أسوأ من النص المكتوب لصفقة القرن".
وكانت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد قامت ضمن الضغوط على الفلسطينيين بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، واعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمدينة القدس المحتلة "عاصمة لإسرائيل"، وما تبعها من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس العربية المحتلة، وتجفيف المصادر المالية للأونروا وللسلطة الفلسطينية، وهي خطوات يرى الفلسطينيون بأنها لن تجبرهم على الاستسلام والقبول بصفقة القرن.
وتنتظر الحكومة أزمات وتحديات عميقة، أهمها توفير رواتب موظفي السلطة الفلسطينية، إثر أزمة اقتطاع الاحتلال أموال "المقاصة"، التي تشكل 70 في المئة من إيرادات السلطة، إضافة إلى تحديات سياسية تتمثل بالعلاقة مع الاحتلال وممارساته القمعية اليومية ضد الفلسطينيين، وقرب طرح "صفقة القرن" وما تتضمن من فرض السيادة الإسرائيلية على مناطق واسعة بالضفة الغربية والقدس العربية المحتلة.
ويعتقد بعض المحللين أن مهمة الحكومة ازدادت صعوبة في ظل عودة نتنياهو للحكم بتشكيلة أكثر تطرفا وعنصرية.
ويتوقعون أن تقوم حكومة اشتية بفك الارتباط عن الجانب الإسرائيلي، وإعادة قطاع غزة، بيد أن المهمة تبدو غير قابلة للتنفيذ.. إضافة إلى أن قرب طرح "صفقة القرن" والموقف الفلسطيني المعارض، سيدفع الدول التي تدور في فلك "الصفقة" وتتماهى مع "البيت الأبيض" للامتناع أو تأخير الدعم المالي عن السلطة، وهو ما سيعقّد المهمة.
لكن فك الارتباط مع الاحتلال ومواجهة "صفقة القرن" ممكن إذا توفرت الإرادة السياسية لذلك، ونجح الفلسطينيون في تجاوز الانقسام والمعارك الإعلامية والكلامية بين "الإخوة الأعداء" التي طالت وباتت مسألة تؤرق الفلسطينيين ومعهم العرب.