نشر موقع "ناشونال إنترست" مقالا لعالم الاجتماع الأمريكي المتخصص في الاقتصاد الأمريكي والصيني، سلفاتور بابونز، يقول فيه إنه يجب على أمريكا أن تتجه نحو الصين وبعيدا عن الشرق الأوسط.
ويقول بابونز في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن القيادة المركزية الأمريكية "سنتكوم"، التي مركزها قاعدة ماكديل الجوية في تامبا في فلوريدا، تغطي الشرق الأوسط من مصر إلى الخليج العربي إلى وسط آسيا، مشيرا إلى أنه بمساحة مسؤولية تشمل أفغانستان والعراق وسوريا، فإن "سنتكوم" تغطي المساحة الأصغر من بين الست قيادات التابعة للبنتاغون، إلا أنها الأكثر قابلية للانفجار.
ويشير الكاتب إلى أن "سنتكوم" واجهت أول تجربة لها بعد تشكيلها بعشرة أشهر، عندما قام مفجر انتحاري إيراني بقتل 241 من جنود المارينز في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 1983، حيث كان الجنود والبحارة في مهمة حفظ سلام في لبنان، وكذلك في 1991 في عملية عاصفة الصحراء لتحرير الكويت، وفي 2001 للإطاحة بحركة طالبان في أفغانستان، وفي 2003 في غزو العراق، فكلها كانت عمليات قامت بها "سنتكوم".
ويقول بابونز: "لا أحد يمكنه أن يشكك في بطولة ومهنية أفراد (سنتكوم)، وفعاليتها بصفتها قوة قتالية تتضح من النتائج التي حققتها، لكن كل ذلك لا يعني أن من المصلحة الوطنية لأمريكا أن تستمر في بذل إمكانيات عسكرية ضخمة في منطقة عمليات (سنتكوم)، فهل الشرق الأوسط حقا مهم بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية؟".
ويؤكد الكاتب أن "ضمان استمرار تدفق النفط ومكافحة الإرهاب هما السببان الأساسيان للوجود في المنطقة، فالمنطقة منطقة ركود اقتصادي مؤلفة بشكل رئيسي من دول أبعد ما تكون عن الديمقراطية، وبلدان شعوبها معادية لأمريكا، والبلد الوحيد في المنطقة الذي لا تنطبق عليه هذه السمات العامة هو إسرائيل، التي أثبتت باستمرار أنها قادرة على الاعتناء بنفسها".
ويقول بابونز: "قد يظن الناس ذوو الذاكرة الطويلة أن أمريكا تعتمد على نفط الشرق الأوسط، لكن الواقع هو أن أزمة النفط التي وقعت في سبعينيات القرن الماضي كانت حالة شاذة، وأمريكا كانت طيلة تاريخها مصدرة للنفط من أيام زيوت الحيتان ورواية موبي ديك (عام 1851)، إلى الثورة الحالية في استخراج النفط والغاز عن طريق ضغط السوائل لتكسير الصخور، بالإضافة إلى أن أمريكا طورت على مدى العقدين الماضيين أساليب فعالة لمكافحة الإرهاب، بدلا من العمليات العسكرية الواسعة".
ويبين الكاتب أنه "قد تكون لدى أمريكا مصالح أمريكية عالمية واسعة، لدرجة أن منطقة غير مهمة وبعيدة، مثل الشرق الأوسط، تستحق أن تكون لها قيادة خاصة بها، لكن يجب على القيادة السياسية لأمريكا أن تفكر في تحويل تلك الإمكانات إلى أماكن أخرى من العالم، حيث هناك حاجة لها لتحقيق مصالح البلد، والمنطقة التي تقع في رأس القائمة من حيث الحاجة لتعزيز الاهتمام هي منطقة المحيط الهندي- الهادئ".
ويلفت بابونز إلى أن "المحيط الهادئ كان مهما استراتيجيا للتجارة الأمريكية منذ القرن التاسع عشر، وأصبح تحت سيطرة أمريكا منذ الحرب الأمريكية الإسبانية عام 1898، ولم تنجح اليابان في تغيير ذلك الواقع خلال الحرب العالمية الثانية، بالرغم من عامل المفاجأة لصالحها، ومن قرار روزفيلت أن يرصد معظم الإمكانات الأمريكية للحرب في أوروبا".
ويستدرك الكاتب بأن "المحيط الهادئ كبير ومكلف لحراسته، بالإضافة إلى أن هناك العديد من المناطق الحارة على سواحله، وأسطول روسيا في المحيط الهادئ يحدث الغواصات المسلحة بالصواريخ البالستية، وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون لديه ترسانة ضخمة، ويتقن لعبة حافة الهاوية النووية، وإندونيسيا والفلبين بحاجة لمساعدة في حربهما على تمردات إسلامية صغيرة، وهناك أيضا الصين".
ويجد بابونز أنه "كونها منافسة للمصالح الأمريكية على مستوى العالم، فإنه لا أحد ينازع الصين، فهي تقوم باستمرار بالاحتجاج والمضايقة والتهديد لسفن البحرية الأمريكية، التي تعمل بعيدا عن سواحلها، وقد بنت وعسكرت عدة جزر صناعية في بحر الصين الجنوبي، في خرق لاتفاقيات الأمم المتحدة حول قوانين البحار، التي وقعت عليها الصين، وبدأت بتحدي شرعية فرض القوانين في العلاقات الدولية والتجارية بشكل أوسع".
ويرى الكاتب أن "التحدي الصيني مهم، ليس فقط للمنطقة أو للعالم، بل بالذات لأمريكا، فالشبكات الاقتصادية الأمريكية تمتد عبر الهادئ على شكل نسيج كثيف من شبكات الإنتاج والتكنولوجيا، وتعتمد المنتوجات والخدمات الأمريكية عالية التقنية، مثل (آيفون) و(غوغل) بشكل كبير على شبكات إنتاج متكاملة عابرة للهادئ، والإشكالية أن كثيرا من هذه الشبكات تعتمد على الصين ذاتها، وتعتمد أيضا على علاقات دولية سلمية عبر حوض الهادئ بكامله".
وينوه بابونز إلى أن "الهادئ هو قلب الاقتصاد الأمريكي الجديد، وكان هذا ما توقعه السيناتور في وقته، الذي أصبح بعدها وزيرا للخارجية، جون سيوارد في عام 1852، فقال إن (المحيط الهادئ وشواطئه وجزره والمناطق الشاسعة بعده ستصبح هي مسرح الأحداث الرئيسي في مستقبل العالم العظيم)، وبعد قرن ونصف أصبح الهادئ جزءا من الشبكات الاقتصادية الأمريكية، التي بدأت تتمدد إلى المناطق الأبعد، مثل الهند".
ويفيد الكاتب بأن "الهند، التي تنمو بشكل سريع، أصبحت خامس أكبر اقتصاد في العالم، ولأن الصين أصبحت مغلقة أمام كثير من شركات التكنولوجيا الأمريكية، فإن الهند أصبحت أهم أسواقها الناشئة حديثا، وكانت الهند لفترة طويلة مركزا رئيسيا للخدمات عالية التقنية، لكنها أيضا أصبحت مركزا ناشئا لصناعة التكنولوجيا العالية، لكن الهند تواجه تحديات أمنية من الصين، ومن أحد أقرب حلفاء الصين، باكستان".
ويذكر بابونز أن "باكستان تقع في الحد الشرقي لـ(سنتكوم)، والهند في الحد الغربي لقيادة الهندي- الهادئ (أندوباكوم)، ومع أنه كانت لأمريكا علاقات قريبة مع الجيش الباكستاني، وانحازت شيئا ما لصالح باكستان، إلا أن هذه الأيام ولت، ودخلت بدلا منها الهند الديمقراطية، فالمصالح الاقتصادية الأمريكية في الهند تجعل المصالح في باكستان تبدو ضئيلة جدا".
ويعتقد الكاتب أن "تحولا أمريكيا في آسيا من (سنتكوم) في غرب آسيا، إلى (أندوباكوم) في شرق آسيا، فيه حكمة اقتصادية وسياسية، وستثبت العلاقات الأمريكية مع ديمقراطيات، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان والهند، أنها أقوى من التحالفات التي يمكن لأمريكا بناءها في الشرق الأوسط".
ويختم بابونز مقاله بالقول إن "الأهم من ذلك هو أن المصلحة الوطنية الأمريكية مرتبطة بشكل أوثق مع منطقة الهندي- الهادئ من الشرق الأوسط، ومع تقدم التكنولوجيا، وتراجع أهمية النفط، يجب أن يتحول الوجود الأمريكي في آسيا شرقا من الشرق الأوسط إلى منطقة الهندي-الهادئ".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
برايس: هل يفقد الشرق الأوسط سيطرته على أسواق النفط؟
أتلانتك: هذه مخاطر السياسة الصينية في الشرق الأوسط
نيوزويك: سباق روسي أمريكي لبيع مفاعلات نووية لدول البحر الأحمر