لا يحدث في أي دولة في العالم تحترم نفسها، وتحافظ على وجهها الحضاري، وتمارس ديمقراطية حقيقية، بإشراف قضائي نزيه، ومراقبة حقوقية محلية ودولية؛ وترى فيها ما يحدث في الانتخابات والاستفتاءات التي يُشرف عليها عسكر مصر، إذ لا تخلو لجنة أو منطقة إلا ونرى سيلا من الرقص على موسيقى يسمونها وطنية، وربما يصادفك أيضًا أن تشاهد إمرأة عجوزا تجلس على كرسي متحرك، وإذا بقُدرة قادر تندمج في الرقص وتترك الكرسي لتشارك أخواتها المُسنّات الرقص، إنه عهد العسكر الذي يرقص فيه الاستفتاء، ناهيكم عن اختلاط الحابل بالنابل في وصلات الرقص بين الرجال والنساء، ولا مانع حسب التعليمات أن ترقص البنات مع الأولاد!
مشهد مسرحي ساخر
وفي ذات المشهد المسرحي الساخر تجد أبواق الإعلام تخرج عليك مع الجهابذة من الضيوف، يدفعون البشر لكي يلحقوا بموكب الوطنية، وكل من يختلف معهم، أو يناقشهم برؤية أخرى مختلفة عن التعليمات التي أُمليت عليهم، إذ بهم يتهمونك بخروجك عن الوطنية، وأن الوطنية لم تخلق إلا لأمثالهم!
إنها في الحقيقة مهزلة السنين، أن نرى أشباه مواطنين يتحدثون عن الوطنية، وهي منهم براء.
غزوة الكراتين والحشد المُصطنع
انتشر على مسرح دولة السيسي ظاهرة "الكراتين" أمام اللجان، حتى أن بعض الشباب وصفها، على وسائل التواصل الاجتماعي، بغزوة الكراتين على غرار الوصف الشهير "غزوة الصناديق" الذي التصق بالاستفتاء على الإعلان الدستوري في آذار (مارس) 2011.
ويحصل المواطن المصوت على كوبون يتلقى بموجبه صندوقًا به كميات صغيرة من السلع الغذائية خصوصًا الأرز والسكر والزيت، وذلك عقب خروجه من اللجنة. وضمانًا لحشد أكبر عدد ممكن من المصوتين، لجأت مؤسسات حكومية وخاصة لحشد المصوتين في سيارات خاصة بها باتجاه اللجان، وخصوصًا في اليوم الأخير للعرض المسرحي.
انتشر على مسرح دولة السيسي ظاهرة "الكراتين" أمام اللجان، حتى أن بعض الشباب وصفها، على وسائل التواصل الاجتماعي، بغزوة الكراتين
وقد حضر الشحن الإعلامي المكثف وحضرت معه كراتين المواد الغذائية بقوة منذ اليوم الأول للاستفتاء، ونجحت في إيجاد حالة من الحضور النسبي أمام بعض اللجان بالمناطق الشعبية، وهو ما دفع صحيفة تايمز البريطانية إلى إعداد تقرير موسع حول ما أسمته "استغلال الطعام للتصويت من أجل مساعدة السيسي للبقاء في الحكم حتى عام 2030"، كما ورد في الواشنطن بوست: "المصريون يحصلوا على كراتين غذاء ومواصلات مجانية للإبقاء على الرئيس السيسي في السلطة مدة أطول"، وفي وول ستريت جورنال: "تقديم نقود وطعام للمصريين للتصويت من أجل تمديد حكم الرئيس".
ولم تكتف الأجهزة الراعية للعرض المسرحي بذلك بل لجأوا إلى عدة طرق أخرى منها: إجبار رجال الأعمال للدفع بالعمال التابعين لهم للذهاب إلى صناديق الاقتراع، وكذا المؤسسات الصحفية، وخصوصًا دار التحرير الصحفية التي دفعت بعمالها في موكب يتقدمه رئيس المؤسسة وكبار العاملين بها باتجاه لجان التصويت، وهو ما عدّه صحفيون بالمؤسسة "محاولة مدفوعة بأوامر أمنية لإيجاد إحساس لدى المواطنين بوجود استفتاء لا يشعر به أحد في مختلف أنحاء البلاد".
ولم تتوانَ العديد من الوزارات، وخصوصًا وزارة الكهرباء بحشد العاملين، حيث صدرت تعليمات لموظفي المرفق على مستوى بعض المحافظات، بالانتقال بواسطة حافلات شركات توزيع الكهرباء إلى محافظات أخرى من بينها الفيوم والقاهرة والجيزة للتصويت باعتبارهم وافدين، على أن يكرروا التصويت في مقارّهم الانتخابية الأصلية فيما بعد، خلال اليومين المتبقيين من فترة الاستفتاء.
كما تكرر الأمر نفسه بالنسبة للمعلمين في مديرية التربية والتعليم في بعض المحافظات حيث تم استئجار حافلات من شركات سياحة بواسطة قيادات حزب مستقبل وطن المدار بواسطة المخابرات العامة، نقلت مئات المعلمين في يوم عطلتهم الأسبوعية (السبت) للتصويت كوافدين بمحافظة القاهرة القريبة، على أن يعودوا للتصويت في لجانهم الأصلية فيما بعد.
وكانت المكافأة حصول كل مشارك ساهم في إيجاد حالة حاشدة أمام اللجان سواء بالرقص، أو توزيع الكراتين الغذائية على مبلغ يتراوح بين 100 و150 جنيها يوميًا!
وفي المقابل أبدى رافضون للتعديلات ندمهم على المشاركة بعدما "تحول الاستفتاء إلى مهرجان كرتوني للمهانة والابتذال القومي" بتعبير الكاتب محمد سطوحي.
مخالفات دستورية وقانونية
لم يقتصر الأمر على الحشد خارج اللجان، فورقة التعديلات تتيح للناخب التصويت بنعم أو لا على التعديلات جملة واحدة، وهو ما يعد مخالفة للمادة 157 من الدستور الساري، والتي تنص على "إذا اشتملت الدعوة للاستفتاء على أكثر من مسألة، وجب التصويت على كل واحدة منها"، وهو ما ينطبق على التعديلات الحالية.
ومن المخالفات القانونية التي شهدتها عملية التصويت تصوير بعض المواطنين لبطاقة الانتخاب باستخدام الهاتف المحمول، والتي قد تضع حول مرتكبها شكوكًا أبرزها الهدف من تقديمها كدليل على التصويت إلى جهة معينة.
عملية الاستفتاء لتعديل الدستور على النحو الذي تم به يمكن أن تهدم العملية برمتها، وتطعن في شرعية الاستفتاء
أكدت ست منظمات حقوقية مصرية، أن إجراءات تعديل الدستور تتم في مناخ قمعي سلطوي، قائم على مصادرة الرأي الآخر، وتشويه وترهيب المعارضين،
قوى الثورة بين التصويت بـ"لا" والمقاطعة
التوظيف السياسي للفتوى بين العسكر والإخوان!!