تتوزع سيطرة النفط بين قوتين فاعلتين على الأرض في سوريا، وعلى الرغم من إحراز النظام السوري تقدما ميدانيا، إلا أن مناطق نفوذه لا تحتوي على غالبية حقول النفط، ما وضعه بأزمة وقود متزايدة.
وبحسب ما اطلعت عليه "عربي21"، فإن قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة أمريكيا، تسيطر على ما نسبته 80 في المئة من حقول النفط، فيما يسيطر نظام الأسد على أقل من 20 في المئة فقط من المناطق النفطية.
وبحسب مصدر لـ"عربي21"، فإن حقول النفط التي تقع تحت نفوذ قوات "قسد"، تنتج ما يقرب من 600 ألف برميل يوميا.
وكشف عن أن "قسد" تقوم ببيع النفط إلى مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري، بينما يذهب القسم الآخر إلى مناطق سيطرة النظام.
وأشار الناشط السوري من الحسكة، محمد الجابر، في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن قوات "قسد" لديها هذا النفوذ القوي في النفط، كورثة من تنظيم الدولة الذي كان يسيطر على غالبية حقول النفط التي باتت اليوم بيد القوات الكردية هذه.
وتعاني مناطق النظام السوري، منذ شهر تقريبا، من أزمة وقود خانقة، أدت إلى شل حركة النقل في مناطق سيطرته، لا سيما العاصمة دمشق وحلب.
وجاءت التصريحات الروسية، حول عدم وجود إمكانيات تقنية وتجارية لتوريد النفط الروسي إلى سوريا، بحجة "عدم توفر بنية تحتية برية لذلك (أنابيب أو نقل بري)، واستبعاد التوريد عن طريق النقل البحري بسبب ارتفاع التكلفة"، ما تسبب بخيبة أمل النظام السوري بحدوث انفراجة قريبة.
اقرأ أيضا: دمشق تعاني أزمة وقود "خانقة" والنظام يتعامل معها بالرقص والغناء
وسبق أن أوردت صحيفة "الوطن" المقربة من النظام، أن سوريا تحتاج إلى ما لا يقل عن 4.5 مليون لتر من البنزين، و6 ملايين لتر من المازوت، و7000 طن من الفيول، و1200 طن من الغاز، أي أن النظام يحتاج إلى فاتورة مالية يومية تقدر بنحو 8 ملايين دولار.
وعزت "الوطن" أزمة المحروقات التي يعيشها النظام لأسباب عدة، أبرزها العقوبات الأمريكية عليه، التي صدر آخرها في 25 آذار/ مارس، حينها نشرت وزارة الخزانة تقريرا تطرق إلى الحيل التي تقوم بها حكومة الأسد، من أجل إيصال النفط إلى البلاد، وذلك بهدف عرقلة الإمدادات.
إضافة إلى أن الإنتاج النفطي في مناطق النظام السوري لا يغطي احتياجاتها، حيث إن إنتاج النفط الخام يبلغ حاليا 24 ألف برميل، وتحتاج مناطقه إلى 136 ألف برميل، أي أن النظام السوري بحاجة إلى إمدادات من الخارج، وفق الصحيفة، ما يثير مخاوف من زيادة في تبعية النظام للخارج وجعل البلاد مرهونة بملف جديد، وفق نشطاء.
من جانبه، أوضح المحلل الاقتصادي يوسف الحلبي، أن روسيا ليست عاجزة عن دعم سوريا بالنفط، وكذلك إيران، بل إنهما لا تريدان ذلك.
وذهب في حديثه لـ"عربي21"، بالقول إن النظام السوري عاجز عن تسديد ثمن النفط الذي كانت إيران تورده له، والأخيرة أوقفت توريد النفط للمطالبة بتنفيذ العقود التي وقعتها معه، وفي مقدمتها ميناء اللاذقية.
أما عن روسيا، فقال إنها "تستخدم العقوبات الأمريكية وسيلة للضغط على النظام السوري، لتكريس تبعية النظام له بعيدا عن حليفته طهران".
وأعرب عن اعتقاده بأن روسيا تريد الحد من النفوذ والتمدد الإيراني في سوريا، وللضغط من أجل تنفيذ كامل الإجراءات المطلوبة للتقدم في الحل السياسي.
ومن ناحية اقتصادية، قال الحلبي، إن دعم النظام لبعض المواد يصعّب على الشركات متعددة الجنسيات الدخول إلى السوق المحلية، والأرباح المتوقعة تكون ضعيفة جدا.
بالإضافة إلى أن نظام الأسد يعاني عدم توفر السيولة النقدية في المصرف المركزي، ما يعني عدم مقدرته على تسديد أثمان النفط المستورد بشكل عام.
عدم تعاون روسي وإيراني
ولفت في المقابل، إلى أن روسيا على الرغم من امتناعها عن مساعدة النظام إلا أنها وقعت معه العديد من عقود التنقيب عن النفط والغاز في طرطوس (غرب البلاد)، ولاستخراج الفوسفات في المناجم الشرقية لتدمر، ما يظهر رغبة روسية في الاستفادة من النظام واستغلاله والسيطرة على موارد البلاد، أكثر من دعم الأسد ونظامه.
وقال إنه وفقا لذلك، فإن الإيرانيين لم يكن لهم نصيب في النفط ليستعيضوا عن ذلك بعقود تجارية واقتصادية مع النظام.
مفاوضات بين النظام وقسد
وبحسب الصحفي السوري ياسر المحمد، بحديث لـ"عربي21"، فإن نظام الأسد يسعى إلى تركيز اهتمامه على موضوع النفط في محادثاته مع "قسد"، وكان ذلك محور المفاوضات الأخيرة يبنهما، التي خلُصت إلى اتفاق لمقايضة النفط المستخرج من حقل العمر النفطي الأكبر في سوريا، مقابل المازوت المكرر، إضافة إلى حصول "قسد" على الكهرباء والخدمات في مناطق سيطرتها، إلى جانب حاجتها النفطية.
وكشف عن أن اتفاق المقايضة ينص على أن تحصل "قسد" من النظام على 75 برميلا من المازوت مقابل 100 برميل من النفط الخام، وذلك عبر عضو "مجلس الشعب" حسام القاطرجي، مالك "مجموعة القاطرجي" لنقل النفط.
وسيكون نقل النفط من حقلي العمر والتنك الخاضعين لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية، إلى حقل التيم الخاضع لسيطرة النظام جنوب دير الزور، ومنه إلى مصفاة حمص وسط سوريا.
أما خط نقل الغاز، فسيكون من حقول العمر والتنك والجفرة، إلى معمل "كونيكو" في دير الزور الخاضع لسيطرة الوحدات الكردية، ومنه إلى حقل التيم، وبعدها إلى محطة "جندر" الحرارية في حمص.
وسيحصل نظام الأسد على نسبة 65 في المئة من إيرادات النفط، بينما تحصل "قسد" على نسبة 35 في المئة فقط، إلى جانب إعادة تفعيل الدوائر الرسمية في الحسكة والرقة كمرحلة أولى، وديرالزور والضفة الشرقية للفرات لاحقا.
أنابيب نفط
وكشفت مصادر إعلامية عن اتفاق جديد بين "قسد" والنظام السوري يقضي بتمديد أنابيب نفط عائمة بين ضفتي الفرات وتحديدا في مدينة القورية بريف دير الزور الشرقي، لافتة إلى أن الأنبوبين مصدرهما حقل العمر النفطي المشهور.
وأوضح مفضلا عدم نشر اسمه، أن الأنبوب الأول سيصل إلى محطة الري في مدينة القورية التي يستخدمها النظام كمقر له، حيث يصل لمحطة الري في مدينة القورية بينما يصل الأنبوب الثاني لمحطة مياه الشرب، إضافة إلى رصد دخول ما يقارب الـ80 صهريجاً لنقل المحروقات خلال الأيام الماضية.
وسبق أن قام الجانبان بإقامة أنابيب نفطية في المناطق بين الشحيل والقورية، وعلى امتداد مناطق الآبار القريبة من نهر الفرات.
بحسب المصدر، فإن صهاريج النفط بين قسد والأسد خصصت لها معابر رسمية مثل معبر بلدة الصالحية شرقي الفرات المقابل لمدخل مدينة دير الزور الشمالي.
وأضاف أن العقود الموقعة بين الوحدات الكردية ونظام الأسد كانت منذ عام 2012.
وسبق أن قال رئيس "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"، الدكتور أسامة القاضي، لـ"عربي21": "عمليا، النفط السوري خارج يد سيطرة حكومة النظام المركزية منذ عام 2013، والمستغرب أن الروس دخلوا بجيوش وطائرات وقواعد منذ أيلول/ سبتمبر 2015 ولم يحرروا ولا حتى بئر نفط واحد، ألم تكن الرقة أو دير الزور على سبيل المثال أهم من حلب والغوطة بالنسبة للنفط؟".
اقرأ أيضا: "عربي21" تحاور رئيس "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"
وأضاف أن السيناريوهات المتوقعة للنفط في حال ظلت مناطق النفوذ على ما هي عليه لا تسر النظام السوري ولا الروسي ولا الإيراني، فكل الثروة النفطية إضافة لحقول الغاز تحت السيطرة الأمريكية.
ولكنه قال إن "هذا التقسيم لموارد سوريا الطبيعية ليس نهائيا، ولا بد أن يكون ضمن تفاصيل اتفاق على الثروات النفطية في مستقبل الحل السياسي، ويجب أن يطال الصناعة والزراعة والتجارة".
متى تتخلى أمريكا عن آبار النفط السورية.. ولصالح من؟
كيف ستتعامل أمريكا مع قوات الأسد بعد عودتها لشمال سوريا
بعد تجميد "نبع السلام".. ما مصير اتفاق "قسد" والنظام السوري؟