ما نلاحظه هذه الأيام على الساحة السياسية الجزائرية هو تعنت السلطة واعتداؤها على الإرادة الشعبية ومضاعفة تأزيم الأوضاع وانسدادها. ففي الوقت الذي يطالب فيه الحراك رموز النظام بالاستقالة ومغادرة الفضاء السياسي دون رجعة، يقوم الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح بالتحضير لانتخابات رئاسية في 4 يوليو 2019. الرئيس بن صالح شرع في استضافة رؤساء أحزاب ومسؤولين سياسيين للتشاور حول الخروج من الأزمة متناسيا أنه لا نستطيع حل الأزمة بأسباب وجودها أو برجالات صالت وجالت في الساحة السياسية الجزائرية لأكثر من عقدين من الزمن وأوصلت البلاد إلى ما هي عليه اليوم. للعلم الرئيس المؤقت الحالي السيد عبدالقادر بن صالح كان قبل شهرين ضمن التحالف الرئاسي يعمل على فرض الرئيس المتنحي بوتفليقة لعهدة خامسة. كيف يثق المواطن الجزائري في شخصيات مثل بن صالح في العمل على الانتقال للجمهورية الثانية. مع الأسف الشديد لا بن صالح ولا بدوي ولا بوشارب ولا غيرهم فهم أن تغيير النظام والتحول إلى نظام جديد لا يتحققان برموز النظام القديم. فالجزائر اليوم تمر بأزمة سياسية وبانسداد خانق يقف أمام أي تغير وتحول ديمقراطي رغم أن الملايين من الجزائريين نزلت إلى الشارع وعبرت عن وعيها وإدراكها وقناعتها التامة بالحاجة الماسة إلى التغيير والحاجة الملحة إلى التخلص من الذين عبثوا بخيرات وأموال البلاد وحرموا الشعب من الأمن والاستقرار والعيش الكريم.
ثمانية أسابيع من الحراك، مسيرات ومظاهرات ومطالب ولافتات وشعارات عبرت عن تناقضات ومشاكل وتجاوزات عاشها الجزائريون خلال ما يزيد عن نصف قرن من الزمن. أين وصلت مطالب الحراك؟ ماذا تحقق إلى حد الآن؟ وما هي المطالب التي ما زالت معلقة؟ إلى متى ستستمر المسيرات؟ وهل ستكون هناك انتخابات رئاسية في الرابع من يوليو 2019؟. فبعد شهرين من الحراك يبدو أن النظام يسير في اتجاه والحراك يسير في اتجاه معاكس تماما. ونلاحظ أنه في آخر المطاف انحاز الجيش إلى الحل الدستوري وتجاهل الحل السياسي الذي يطالب به الحراك. فاستقالة بلعيز رئيس المجلس الدستوري السابق وتعويضه بعضو من نفس المجلس عينه سنة 2016 الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة لا يشير إلى أي تغير. ذهب بوتفليقة وجاء خلفا له بن صالح وهذا يعني أن الأمور بقيت على حالها وأن إنجازات الحراك ضئيلة جدا مقارنة بالملايين من الجزائريين التي تعودت على الخروج الجمعة تلو الأخرى للتعبير عن استيائها من الطريقة التي تدار بها البلاد.
فإذا قيمنا الجمعات الثماني التي خرج فيها الحراك للتعبير عن مطالبه نجد أنه نجح في تحقيق بعض مطالبه كإسقاط العهدة الخامسة وإيقاف تمديد العهدة الرابعة ونجح كذلك في إرغام بوتفليقة على الاستقالة. هذه الإنجازات التاريخية والرائعة بعثت الأمل في الجزائريين في الوصول إلى مبتغاهم والشروع في وضع اللبنات الأولى للجمهورية الثانية. فالعالم بأسره شهد للجزائريين تلك المسيرات السلمية والحضارية والنظيفة من كل شغب أو فوضى أو أشياء خارجة عن الإتيكيت وثقافة النضال الديمقراطي. كما استطاع الحراك أن يفرض نفسه كسلطة أولى في البلاد والمطالبة بتطبيق المادة 7 و8 من الدستور. وأفلح في انضمام مختلف القوى السياسية من معارضة وأحزاب سياسية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات والاتحادات إلى صفه، وأصبح الجميع يتبنى أجندة ومطالب الحراك.
السؤال المحوري الذي يطرح نفسه في هذا المقام، ما هي الخطوات القادمة؟ هل هناك استراتيجية للخروج من الانسداد الذي فرض نفسه خاصة بعد تطبيق المادة 102 وتجاهل المادتين 7 و8. هل ستستمر المسيرات والحراك في الخروج كل جمعة إلى الشارع وإذا كانت الإجابة بنعم إلى متى؟ ونحن نشاهد هذه الأيام استقبال بن صالح الرئيس المؤقت للجزائر لرؤساء الأحزاب والقوى السياسية المختلفة في البلاد وكذلك كبار المسؤولين السابقين، ما يوحي بأننا أدركنا مفترق طرق. فالشارع الجزائري اليوم يتساءل ماذا حققنا إذا أشرف بن صالح وبدوي على الانتخابات الرئاسية القادمة؟.
فما يخيف الحراك اليوم هو تنامي وتصاعد الدور السياسي للمؤسسة العسكرية واختفاء دور الطبقة السياسية أو النخبة السياسية من المشهد. فإلى حد الساعة لن تستطيع المعارضة أن تقدم حلولا إجرائية عملية لتطبيقها في أرض الواقع ولا ننسى أنها فشلت في عهد بوتفليقة في الاتفاق على مرشح ينافس هذا الأخير. فالإشكال المطروح هو أن تنحي بوتفليقة لا يعني شيئا إذا خلفه بن صالح وإذا تولى أحد رجالات النظام السابق، نور الدين بدوي، رئاسة الحكومة. وهذا ما يجعلنا نقول إن الحراك في حقيقة الأمر لم يحقق الكثير ولم يفكك النظام إلى حد الساعة، حيث إن أركان هذا الأخير ما زالت قائمة وموجودة وما زالت تسير البلاد وتستعد لإدارة وتنظيم الانتخابات الرئاسية القادمة. وحتى لا يستمر جو اللا حوار أو حوار الطرشان والاستمرار في التقدم نحو المجهول يجب على المخلصين والمؤمنين بمصلحة الجزائر أن يجلسوا حول طاولة الحوار والتشاور والبحث عن الحلول والسبل التي تخرج بالجزائر إلى بر الأمان بعيدا عن المصالح الضيقة وتمجيدا لمصلحة الجزائر لا غير.
ما يجب أن يدركه بن صالح ورجالاته وغيرهم ممن يحاولون الالتفاف حول مطالب الشعب أن انتخابات 4 يوليو 2019 لن تكون ولن تجرى وأن الحراك -الاستفتاء العفوي الذي شاهده العالم كل يوم جمعة – اعتبارا من 22 فبراير والذي كان يمثله 20 إلى 22 مليون جزائري كل أسبوع دليل قاطع أن الشعب الجزائري لا يقبل بن صالح ولا بدوي ولا الحكومة الحالية لتنظيم وإدارة الانتخابات القادمة. والأمر يتطلب حاليا تبني برنامج ديمقراطي من طرف المعارضة والحراك والأحزاب، والتواصل مع أطراف من النخب الحاكمة النزيهة والشريفة والغيورة على وطنها الجزائر، تعيين هيئة مستقلة لإدارة العملية الانتخابية والإشراف عليها وتعديل القوانين أو سن قوانين جديدة، كذلك ضرورة إقامة هيئة تأسيسية لوضع دستور جديد بعد حوار وطني، والاستفتاء عليه قبل الانتخابات. فالحل الأمثل يكمن في تعيين رئيس توافقي جديد للمجلس الدستوري وبعد ذلك يستقيل الرئيس المؤقت بن صالح ليصبح بعد ذلك رئيس المجلس الدستوري الذي تم تعيينه ليصبح الرئيس المؤقت والمتفق عليه من قبل كل الجزائريين. بعد ذلك يبدأ الشروع، بعد استقالة رئيس الوزراء بدوي وحكومته، في تعيين وزير أول جديد وحكومة جديدة من تكنوقراط ومن كفاءات للشروع بعد ذلك في تنظيم الانتخابات الرئاسية وفق معايير الديمقراطية والشفافية والنزاهة والمسؤولية.
عن صحيفة الشرق القطرية