ودّع فريق النادي الأهلي بطولة دوري أبطال أفريقيا من الدور ربع النهائي، رغم فوزه بهدف نظيف على ضيفه فريق "صن داونز" الجنوب أفريقي، في لقاء الإياب باستاد بُرج العرب بالإسكندرية ليخسر الأهلي بمجموع المبارتيْن 5/1 ، حيث كان لقاء الذهاب ببريتوريا قد انتهى بخماسية نظيفة لمصلحة "صن داونز" ليتأهّل إلى الدور نصف النهائي، ويُشار هنا إلى أن الأهلي يحمل الرقم القياسي في الفوز بألقاب هذه البطولة إذ تُوِّج بطلاً لها ثماني مرّات آخرها كانت في نسختها في العام 2013.
أزمة عاتية
وعقب لقاء الذهاب، كان فريق الأهلي قد دخل في أزمة عاتية عاصفة، فجّرتها الهزيمة الموجعة القاسية، من فريق "صن داونز"، بخماسية نظيفة بمدينة بريتوريا، وهي الخسارة الأقسى التي تعرّض لها الأهلي في تاريخ مشاركاته الحافل والطويل بالبطولات الأفريقية.
الأزمة في الأهلي أزمة بنيوية، وليست طارئة أو عارضة
كانت المباراة مخزية كروية بحقّ، نتيجةً، وأداءً، فقد قدّم الأهلي واحدة من أسوأ عروضه، حيث بدا جميع لاعبيه في حالة من التيه والخَوَر طوال اللقاء، كما بدا واضحاً أنّ المدرّب الأورجواياني مارتن لاسارتي لم يقم بقراءة المنافس أو إعداد لاعبيه بشكل جيّد، علاوة على فشله في وقف مستوى تدهور الأداء أثناء المباراة، أمّا الأدهى فهو أن الأهلي نجا من هزيمة مُذلّة، حيث تصدّى الحارس الشنّاوي، والعارضة، لأكثر من فرصة محقّقة للفريق المضيف، وقد أصيبت جماهير الأهلي العريضة بحالة من الصدمة والغضب، حتى أطلق البعض على ما جرى "نكسة بريتوريا"(!).
بعيداً عن النزعات الانفعالية، فإنّ الهزيمة المؤسفة الأخيرة تستوجب وقفة عاقلة بعيدة عن التهويل أو التهوين من شأنها، للوقوف على أسبابها،وبطبيعة الحال الهزائم الثقيلة أمر وارد في عالم كرة القدم وحاقت بالفعل بأكبر الفِرَق وأعرقها، ولكن الموضوعية تقتضي القول بأنّ الأزمة في الأهلي أزمة بنيوية، وليست طارئة أو عارضة، فقد دخل الأهلي نفقاً مُظلِماً منذ فترة طويلة، فقد خسر النهائي الأفريقي مرّتيْن متتاليتيْن في سابقة تاريخية له، كانت الأولى أمام الوداد المغربي (2017)، والثانية أمام الترجّي التونسي (2018) أعقبها خروجه من البطولة العربية، ثمّ جاءت ثالثة الأثافي بخروجه المُبكّر هذا العام من دوري أبطال أفريقيا بعد هزيمة ثقيلة.
إذاً الفريق يمرّ بحالة من انعدام الوزن، وتذبذب المستوى، واهتزاز الأداء، منذ عدّة مواسم بسبب حالة التخبّط والعشوائية التي سادت إدارته الكروية، التي قامت على الارتجال من دون وجود رؤية واضحة، فقد تقلّب الأهلي خلال الأعوام الخمسة الأخيرة بين عدّة مدارس تختلف في فلسفتها الكروية اختلافاً كبيراً، بسبب الإصرار على أن يكون مدرّب الفريق أجنبياً، وكانت المحصّلة أنّ المدرّبين الأجانب الذين تولّوا مهمّة تدريب الفريق كانواً جميعاً دون المستوى، ولم يحقّقوا إنجازاً يُذكَر، بدءاً من الإسباني جاريدو، ومروراً بالبرتغالي بيسيرو، والهولندي يول، وانتهاءً بالفرنسي كارتيرون، وأخيراً الأورجواياني لاسارتي.
انتصارات باهتة
كانت الانتصارات المحليّة الباهتة الخالية من الأداء الجمالي تُغطي على الأزمة، وتُخفي تراكم الأخطاء، الذي بات يظهر بصورة مباغتة عبر انتكاسات كبيرة، كان أبرزها خسارة لقاء إياب النهائي الأفريقي أمام الترجّي بثلاثية منذ أشهر، والخسارة الأخيرة بخماسية، وكانت معالجة الأخطاء تتمّ بطريقة سطحية عبر تعاطي "المُسكّنات" دون التعامل الناجع مع جذور الأزمة،حيث تستبدل الإدارة مدرّباً أجنبياً جديداً بالمدرّب الأجنبي القديم، مع القيام بسلسلة تعاقدات مع لاعبين جدد بمبالغ باهظة دون دراسة كافية،مع إغفال أي دور لقطاع الناشئين،الذي يجب أن يكون الرافد الأساسي للفريق الأوّل، وتكون النتيجة هي طروء تحسّن وقتي طفيف على الفريق، ولكن سرعان ما تعاود الأزمة الظهور وبشكل أفدح.
من المُفترَض أن اختيار مدرّب فريق كبير ذي تاريخ عريق مثل الأهلي، محكوم بضوابط واضحة لا تعتمد على شهادات الخبرة وحدها، أو سيرته الذّاتية فقط،والمدار هنا على قوّة شخصيته، وتطوّر أفكاره، وفلسفته الكروية، ومدى ملاءمتها للفريق، إلى جانب إلمامه بالسياق الكروي المحلّي والقارّي، فلاسارتي مثلاً تقول نتائجه أنّه ربّما يكون نجح محلياً، بيْد أنّه أخفق أفريقياً، أمّا سلفه كارتيرون فكان يعتمد على الكرات الطويلة التي لا تتناسب مع الأهلي.
الأهلي قامة رياضية، وقيمة أخلاقية، وعلامة تاريخية، وقلعة للوطنية، فهو دون أدنى مبالغة، جزء نفيس لا يتجزّأ من تاريخ مصر الحديث.
ربّما يكون الدافع وراء الإصرار على اختيار مدرّب أجنبي، لا وطني، للأهلي أنّ الأوّل يكون بعيداً عن المجاملات والعواطف في اختياراته، و أقدر على التعامل مع فريق كبير مُتخَم بالنجوم مثل الأهلي، فضلاً عن تحمّله الضغوط الإعلامية والجماهيرية، لكن قراءة دفتر العقود الثلاثة الماضية للأهلي، يقول أنّ غالبية المُدرّبين الأجانب الذين تولّوا تدريب الأهلي خلال تلك الفترة (عدا الألماني الكبير ديتريش فايتسا الذي ترك بصمة واضحة،وصنع فريقاً متميّزاً في موسم 1989) كانوا من ذوي القدرات العادية بل والمحدودة، والأهلي هو الذي أضاف إليهم وصنع منهم نجوماً وليس العكس.
وأبلغ دليل على هذا هو أنّهم أخفقوا، ولم يُحقّقوا نجاحاً مذكوراً مع أي فريق آخر، بعدما تركوا الأهلي، بل وصار بعضهم نسياً منسياً، وينطبق هذا بدرجة ما على البرتغالي مانويل جوزيه، الذي لم تكن قدراته أسطورية، فهو لم يبنِ فريقاً من العدم بالأهلي، ولم يكتشف مواهبَ جديدة، حيث جاءت إنجازاته مع الأهلي لأن إدارة النادي جاءت إليه بأفضل لاعبين في مصر حينذاك، فلم يكن عسيراً أن يحقّق بهم ما حقّقه، ولكن بعدما ترك الأهلي خَمل اسمه وأَفل نجمه، ولم يعرف للإنجازات طريقاً.
ثمّة مدرّبون كثيرون، وطنيون مخلصون من أبناء الأهلي، على اختلاف أجيالهم، يستطيعون تحمّل مسؤولية تدريبه وبناء فريق جديد، فهم لا يقلّون بأي حال عن المدرّبين الأجانب، إن لم يكونوا أفضل منهم، ولا يحتاجون سوى فرصة عادلة، وقدراً من الثقة بعد التخلّص من "عُقدة الخواجة" التي سيطرت على طريقة الإدارة في السنوات الأخيرة.
بغضّ النظر عن الأخطاء التحكيمية في لقاء الإياب، فإنّ أداء لاعبي الأهلي لم يكن على المستوى المطلوب للثأر لكرامته الجريحة، ولاستعادة الثقة أمام الحضور الجماهيري الكبير، الذي حمل دلالات بليغة على مدى حُبّ الجماهير وإخلاصها، ووفائها لفريقها في ظلّ الكبوة التي يمرّ بها، كما إنّ لاسارتي فشل في إدارة اللقاء والتعامل مع المنافس، وحتى في المؤتمر الصحفي عقب اللقاء لم يقل شيئاً ذا بالٍ، وأخفق تماماً في تبرير موقفه.
ثمّة مدرّبون كثيرون، وطنيون مخلصون من أبناء الأهلي، على اختلاف أجيالهم ، يستطيعون تحمّل مسئولية تدريبه وبناء فريق جديد
وعلى كلّ حالٍ يتعيّن الآن طيّ صفحة بطولة أفريقيا بعد استيعاب دروسها، والتركيز الشديد في ما تبقّى من الموسم المحلي، من أجل ردّ الاعتبار أمام جماهير الأهلي العريضة، التي تحتاج بشدّة الآن إلى مؤازرة فريقها، بقدر حاجة فريقها إلى تشجيعها الهادر أكثر من أي وقت مضى، فالجماهير أكسير الحياة الكروية وروحها التي تسري فيها، وحرمان الأهلي من جماهيره في ظلّ هذه الظروف، أمر غير معقول.
ربّ ضارّة نافعة، فلولا الإخفاق لما كان الإصلاح وتصحيح المسار، والأهلي قادر على اجتياز هذه الأزمة، كما اجتاز أزمات أشدّ من قبل عبر تاريخه العريق، فالنادي الأهلي قامة رياضية، وقيمة أخلاقية، وعلامة تاريخية، وقلعة للوطنية، فهو دون أدنى مبالغة، جزء نفيس لا يتجزّأ من تاريخ مصر الحديث.