تراجع حزب النور السلفي في اللحظات الأخيرة عن رفضه للتعديلات الدستورية المقترحة في مصر، وأعلن موافقته عليها، رغم تضمنها لفظ "مدنية الدولة" الذي أعلن معارضته له من قبل.
وكان ممثل الهيئة البرلمانية للحزب، النائب أحمد خليل، قد أكد الثلاثاء خلال مناقشة مجلس النواب للتعديلات الدستورية أن "النور" يرفض التعديلات؛ لأن البعض روج لكلمة "مدنية" على أنها مرادف للعلمانية، وطالب بأن تستبدل بلفظ "مدنية الدولة" عبارة "دولة ديمقراطية حديثة".
لكن رئيس مجلس النواب، علي عبد العال، رد على هذا الموقف بقوله إن مصطلح "مدنية" لا يعني علمانية ولا دينية ثيوقراطية ولا بوليسية،، الأمر الذي قبله نواب الحزب، وأعلنوا موافقتهم على التعديلات بعد إثبات هذه "اللاءات الثلاث" لمعنى المدنية في مضبطة الجلسة.
وعاد النائب أحمد خليل ليقول إن الحزب يوافق على التعديلات؛ حفاظا على وحدة الصف، ووقوفا خلف القيادة السياسية.
هجوم قوي
وكان حزب النور السلفي قد تعرض لهجوم قوي من جانب أنصار قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي ووسائل الإعلام المؤيدة له طوال الفترة الأخيرة؛ بسبب رفضه للتعديلات الدستورية.
وتضمن الهجوم اتهامات للحزب وقياداته بالتشدد، وتهديد أركان الدولة، وسط دعوات قضائية تطالب بحل الحزب؛ باعتباره قائما على أساس ديني، الأمر الذي أثار تساؤلات حول مستقبل الحزب، واحتمال انتهاء دوره في الحياة السياسية المصرية، بعد نحو ست سنوات من الانقلاب الذي كان واحدا من القوى السياسية الداعمة له.
دعاوى الحل لا تتوقف
وتوالت خلال السنوات الأربع الماضية دعوات لحل الحزب، بدأها المحامي سمير صبري المقرب من الأجهزة الأمنية عام 2015، لكن تم رفضها من قبل القضاء الإداري، ومنذ ذلك الوقت تم تقديم كثير من الطعون أمام القضاء والمطالبات للجنة شؤون الأحزاب بحل الحزب.
وكانت آخر تلك الدعاوى دعوى تقدم بها المحامي رزق الملا، طالب فيها بحل الحزب؛ لتأسيسه على أساس ديني، وأمرت المحكمة الإدارية العليا، السبت الماضي، بحجز الدعوى للحكم بجلسة 20 أبريل الجاري.
وكان يونس مخيون، رئيس حزب النور، قد رد على الدعوات، في تصريحات صحفية سابقة، قائلا إن النور حزب ملتزم بالدستور والقانون بشكل كامل، لافتا إلى أن الدعاوى المماثلة السابقة تم رفضها من جانب القضاء.
وأكد أن الحزب لا يقصي أحدا بسبب الدين، مشيرا إلى أن نواب النور داخل البرلمان يمارسون عملهم التشريعي والرقابي على أكمل وجه لصالح البلاد.
كتائب الردع السلفية
وشاركت وسائل الإعلام المؤيدة للنظام في الهجوم على حزب النور، حيث قالت صحيفة "فيتو" المقربة من الأجهزة الأمنية، إن ما أسمتها "كتائب الردع السلفية" تعمل على ضرب مدنية الدولة".
وأضافت، في تقرير لها الأسبوع الماضي، أن حزب النور يحشد أتباعه للتشويش على التعديلات المقترحة بالدستور، زاعما أنها تروج لإقصاء الدين عن الدولة، واتهمت الحزب بالحشد على جميع المستويات لضرب فكرة الدولة المدنية في مقتل، عبر تسخير كتائب إلكترونية لهذه القضية التي يعتبرها معركة حياة أو موت.
أما وائل الإبراشي، الإعلامي المقرب من النظام، فقال، عبر برنامجه على قناة "أون إي" الأسبوع الماضي، إنه لم يستغرب من موقف حزب النور الرافض لمدنية الدولة، وتخصيص حصة للمرأة في مجلس النواب، مشيرا إلى أن الحزب يشعر بالفزع الشديد من مدنية الدولة التي يؤكد الدستور عليها؛ لأنها تهدد وجوده من الأساس".
أما الصحفي حمدي رزق، المقرب من النظام، فكتب سلسلة مقالات في صحيفتي "اليوم السابع" و"المصري اليوم"، خصصها لمهاجمة حزب النور بسبب رفضه للدولة المدنية.
وقال رزق في إحدى هذه المقالات إن "الدولة التي يتحسب منها حزب النور تؤمن بالديمقراطية التي تحصن الدولة من أن تختطفها جماعة دينية، وحزب النور منتج جماعة دينية، ويتوق لاختطاف الدولة، كما اختطفها الإخوان والتابعون يوما.
وفي مقال آخر بعنوان "دولة حزب النور" قال: "إن الحزب السلفي يلعب على وتر حساس، ويخوفنا من الدولة العلمانية، ويكسب أرضا من تحت أقدامنا، ويرث الإخوان. حزب النور مثل الحرباء، يتلون بلون الأجواء المحيطة، ويعض على أجندته الدينية بالنواجذ، ويستهدف تحقيق أجندته على الأرض المصرية في رحلة تالية، التمكين في الأرض".
الحظر في الطريق
وتعليقا على هذا الموضوع، قال الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، عاصم عبد الهادي، إن موقف حزب النور من التعديلات الدستورية يعد استكمالا لمواقف الحزب السابقة منذ تموز/ يوليو 2013، وتأييده المطلق للنظام، مع الاكتفاء فقط ببعض الملاحظات الشكلية التي لا تؤثر على جوهر المشهد، ليقدم نفسه للقلة الباقية من أنصاره باعتبارها محاولة للدفاع عن الشريعة والوقوف في وجه العلمانيين.
وأضاف عبد الهادي، في تصريحات لـ"عربي21"، أن حزب النور الذي احتل المركز الثاني في أول انتخابات برلمانية تلت ثورة كانون الثاني/ يناير 2011، وحصد ما يقرب من ربع مقاعد مجلس الشعب، يمر بأسوأ أوقاته بعد أن فقد شعبيته؛ جراء موقفه من أحداث تموز/ يوليو 2013، موضحا أن الغالبية العظمى من الإسلاميين لفظوا الحزب بعدما أيد "الانقلاب" على الرئيس ذي التوجه الإسلامي محمد مرسي، في الوقت الذي لا تخفي فيه القوى السياسية العلمانية عداءها الصريح للحزب.
وتوقع أن يتخذ النظام قرارا بحل حزب النور في غضون أشهر قليلة، بعد أن استنفد الغرض من وجوده على الساحة السياسية، لافتا إلى أن السيسي أراد عند وصوله للحكم أن يعطي انطباعا بأنه يعارض جماعة الإخوان المسلمين فقط، وليس الإسلاميين بشكل عام، لذلك كان حريصا على وقوف ممثل حزب النور بلحيته الطويلة في خلفية المشهد في أثناء إلقاء بيان الإطاحة بمرسي.
وأكد عاصم عبد الهادي أن حزب النور أصبح عاجزا عن قيادة التيار السلفي، كما أنه لا يملك الشجاعة على إبداء مواقف حقيقية تخالف النظام؛ خوفا من أن يجد نفسه بين ليلة وضحاها محظورا، ليلحق بمن سبقه من الأحزاب الإسلامية الأخرى، خاصة أن الطعون القضائية التي يرفعها مؤيدون للنظام ويطالبون فيها بحل الحزب بزعم مخالفته للدستور والقانون اللذين يمنعان تأسيس الأحزاب على أساس ديني، لا تتوقف، وآخرها طعن من المقرر أن تصدر المحكمة الإدارية العليا قرارها فيه يوم 20 نيسان/ أبريل الجاري، ويمكن أن تصدر المحكمة قرارا بحل الحزب.
"رايتس ووتش": المجتمع المدني تقلّص في مصر بفعل القمع
الإعلان عن مواعيد الاستفتاء على التعديلات الدستورية المصرية
هكذا تحولت شوارع مصر للافتات مؤيدة لتعديلات الدستور (صور)