نشرت مجلة "جون أفريك" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن الخوف الذي ينتاب المعارضين السودانيين والجزائريين من تكرّر السيناريو المصري في بلدانهم.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن أوجه التشابه بين كلا السيناريوهَين تكمن في التناقضات الخاصة بهذه الجمهوريات، حيث يضطلع الجيش بدور سياسي واقتصادي كبير.
وذكرت المجلة أنه يوم 11 نيسان/ أبريل، تم الإطاحة بعمر البشير في السودان. لكن خلال الاحتجاجات الحاشدة أمام مقر القيادة العامة للجيش السوداني المطالبة بسقوط النظام، سرعان ما تحولت أجواء الفرح إلى غضب. ففي الواقع، لم يكن المتظاهرون راضين عن إعلان وزير الدفاع عوض بن عوف عن إنشاء لجنة انتقالية لإدارة فترة ما بعد البشير، حتى إذا وعد المجلس العسكري الجديد في السلطة بأنه سيترك حرية التصرف بيد "حكومة مدنيّة".
وأوردت المجلة أن وسائل الإعلام أشارت إلى احتمال تكرر السيناريو المصري في السودان، حيث يماثل تاريخه السياسي إلى حد كبير ما وقع تداوله بشأن القاهرة. وفي الجزائر ومصر على حد سواء، يحتل الجيش وفقا لطريقته الخاصة مكانة متميزة في الحياة السياسية. ومنذ شهر آذار/ مارس، تداولت العديد من الشخصيات السياسية والمثقفين والصحفيين هذا التعبير لتحليل الوضع في الجزائر. ويحدد ذلك، ببساطة، التدخل السياسي للقيادة العليا العسكرية التي في خضم الثورة تدعي الحق في تنظيم عملية الانتقال، على غرار ما حدث في مصر سنة 2013.
اقرأ أيضا: هل يسير المجلس العسكري بالسودان على غرار نظيره المصري؟
وبينت المجلة أنه في السودان، كما هو الحال في الجزائر، فإن إعلان رحيل الرئيس لا يبشر بالعودة إلى الهدوء، على الرغم من أنه كان من بين مطالب المحتجين. وفي كلتا الحالتين، تدعو منظمات المعارضة إلى مواصلة التحركات. ومع ذلك، لا يوجد مؤشر يعكس أن الأوضاع في الدول الثلاث ستكون قابلة للمقارنة نظرا لتعدد الاختلافات بين هذه الدول وجيوشها.
وأفادت المجلة بأن العديد من الشخصيات قامت بالفعل بتحليل أوجه التشابه بين الدول العربية التي يلعب فيها الجيش دورا كبيرا. ويعود المؤرخ الفرنسي والعالم السياسي جان بيير فيليو، في كتابه "جنرالات وعصابات وجهاديون- تاريخ الثورة العربية المضادة (2018)"، إلى فترة العصور الوسطى ويقارن بين الجنرالات العرب المعاصرين والمماليك، والمقاتلين العبيد الذين احتلوا السلطة في مصر والسودان وسوريا بعد إطلاق سراحهم مباشرة. وإذا كان هناك "سيناريو مصري"، فمن المحتمل أن يكون ذلك في مقدمة الأزمات السياسية، وليس فقط في نتائجه.
وأضافت المجلة أن المفكر اللبناني جلبير الأشقر قارن أيضا في كتابه "الشعب يريد بحثا جذريا للانتفاضة العربية" (2013)، بين الوضع الحالي والتاريخ الحديث. وفي نفس البلدان، وُجدت آثار "للبونابرتية العربية"، التي لها تأثير على أفريقيا والعالم العربي واستبدلت السلطة التنفيذية بالبرجوازية التقليدية في الحياة الاقتصادية.
وأوضح المفكر أوجه التشابه في اقتصادات بعض الدول، حيث يكتسب الجيش ثقلا سياسيا. وقد صنف الجزائر والسودان ضمن الأنظمة "الموروثة الجديدة"، مع "جمهورية مؤسساتية" لكنها قائمة على الاستبداد، حيث توجد أشكال من "المحسوبية" التي تحبذ الفساد. وحسب الأشقر، يميل الزعماء في هذه الأنظمة إلى الحفاظ على "علاقة انتفاع مؤقتة" مع مؤسسات الدولة.
وأوردت المجلة أنه وفقا للمفكر اللبناني، استمرت هذه الأنظمة في تقديم أوجه التشابه أثناء سياسة "الانفتاح"، وهي سياسة تحرير اقتصادي جرى تنفيذها في مصر في ظل قيادة الرئيس محمد أنور السادات خلال فترة السبعينات. ومن خلال تغيير الاشتراكية إلى التحرر الاقتصادي، بدأت تظهر علامات الهشاشة. وفي هذا الإطار الجديد، وجدت المصانع القديمة والقطاع الصناعي الإنتاجي والقطاع العام نفسها في وضع غير ملائم مع التجارة المتحررة.
وفي كل من السودان ومصر، رافقت الأجهزة العسكرية والاستخبارية تطوير نخبة اقتصادية خاصة، بمزاياها في السلع الاستهلاكية والسيارات. ويمكن أن يكون الاستثمار، عندما يقوده الجيش، مصحوبا بقدر معين من الوحشية؛ إذ يمكن إفراغ ميدان ما بين عشية وضحاها لأسباب عسكرية رسمية، والتي هي في الواقع اقتصادية.
اقرأ أيضا: فورين أفيرز: هل سيتمكن الجيش الجزائري من إنقاذ النظام؟
وأشارت المجلة إلى أنه لم يعد بإمكان العديد من عمال مناجم الذهب السودانيين تحمل الأسعار التي تفرضها الدولة المركزية التي وجدوا أنها منخفضة للغاية. بالإضافة إلى ذلك، هناك شبكات غير رسمية لبيع الذهب، في بعض الأحيان، أنشئت من قبل الموظفين أنفسهم أو المسؤولين العسكريين الذين يديرون المؤسسة العامة. ثم تغادر المادة الثمينة البلاد لتذهب بكثافة إلى الخليج، لفائدة الأمراء الأثرياء الذين تدينهم الأيديولوجية الإسلامية القومية في السودان التي تتبناها سواء المعارضة أو مؤيدو النظام.
وفي الختام، أكدت المجلة أن الأنظمة التي تقودها النخب الجشعة كانت غير قادرة على تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الموعودة. وبالتالي، لا يبدو أن الطبقات الوسطى ولا حتى الطبقات العاملة والعمال الريفيين سيجدون أي مصلحة من استمرار القوة العسكرية.
صحيفة فرنسية: بوتفليقة والبشير ليسا إلا قمة جبل الجليد
إيكونوميست: رحيل بوتفليقة لا يكفي وهذا ما يريده الجزائريون
فورين بوليسي: رحل بوتفليقة وهذه هي التحديات القادمة