أظهرت بيانات رسمية أن الاستثمار الأجنبي في مصر تراجع خلال الأشهر الستة الأولى من العام المالي الجاري 2018/ 2019 بمعدل كبير بلغ 24.4%، ليحقق 2.8 مليار دولار مقابل 3.76 مليار دولار في الفترة ذاتها من العام السابق.
وبذلك الأداء، فإن الاستثمار الأجنبي يواصل تراجعه في مصر للعام الثالث على التوالي، على الرغم من قيام الحكومة بالعديد من الإجراءات التي قالت إنها ستزيد من الإقبال على الاستثمار في البلاد، لكن الواقع جاء مخيبا للآمال.
وأثار هذا الوضع العديد من التساؤلات حول أسباب تراجع الاستثمار الأجنبي في البلاد، وما هي الحلقة المفقودة في هذا الشأن؟
تراجع كبير رغم الإصلاحات
وتنفذ الحكومة بصرامة برنامجا للإصلاح الاقتصادي استجابة لشروط صندوق النقد الدولي؛ بهدف تحسين مناخ الاستثمار، وتهيئة البيئة الاقتصادية لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
وتضمن البرنامج تحرير سعر الصرف في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، الذي أسفر عن تراجع حاد في الجنيه، كما سهلت الحكومة إجراءات الحصول على التراخيص الصناعية.
وأصدرت الحكومة قانون الاستثمار مطلع حزيران/ يونيو 2017، ويتضمن حزمة حوافز للمستثمرين، كما عدلت قانون الشركات، وأصدرت خريطة بالفرص الاستثمارية في البلاد.
كما أجرت الحكومة تعديلا على قانون الاستثمار، مطلع آذار/ مارس الماضي، لتمنح تلك الشركات حوافز جديدة بعد أن كان القانون يقصر هذه الحوافز على المشروعات الجديدة فقط، وفي محاولة لتشجيع المستثمرين الموجودين في السوق لزيادة استثماراتهم عبر توسيع مشروعاتهم القائمة.
وأظهرت بيانات البنك المركزي المصري أن الاستثمارات الأجنبية في محافظ الأوراق المالية سجلت خلال الأشهر الستة الأولى من العام المالي الجاري تدفقا للخارج بقيمة 5.89 مليار دولار مقابل تدفقات للداخل بقيمة 8.02 مليار دولار بالنصف الأول من العام المالي الماضي.
وكان تقرير السياسة النقدية الصادر عن البنك المركزي المصري في نهاية عام 2018 قد كشف استمرار انخفاض صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بمصر على أساس سنوي خلال الربع الثالث من عام 2018 أيضا.
وعلى الرغم من ارتفاع التدفقات الأجنبية التي دخلت مصر خلال تلك الفترة إلى 6.6 مليار دولار مقابل 6.57 مليار دولار عن الفترة نفسها من العام المالي قبل الماضي، إلا أن التدفقات النقدية للخارج شهدت زيادة قدرها مليار دولار خلال الفترة ذاتها.
لا بد من زيادة الاستهلاك
وتعليقا على هذه البيانات، قال المحلل الاقتصادي، خالد فؤاد، إن تراجع الاستثمار الأجنبي في البلاد له العديد من الأسباب، من بينها تراجع الطلب والاستهلاك المحلي، خاصة بين الطبقتين الوسطى والأقل دخلا، وهما الأكثر استهلاكا منذ تعويم الجنيه وما صاحبه من تضخم كبير ومستمر خلال الأعوام الثلاثة الماضية، الأمر الذي جعل الشركات التي تفكر في دخول السوق تنتظر لحين عودة الطلب إلى قوته، في حين قامت الشركات العاملة في السوق بخفض طاقتها الإنتاجية إلى النصف تقريبا.
وأكد فؤاد، في تصريحات لـ "عربي21"، أن عودة الاستثمار الأجنبي للتدفق إلى مصر من جديد مرهون بشكل كبير بتعافي الطلب المحلي وزيادة الاستهلاك من جديد، مشيرا إلى أن هذا الأمر يتطلب خفض البنك المركزي لأسعار الفائدة.
وكان البنك المركزي قد أبقى على أسعار الفائدة عند مستوى 15.75% و16.75% في نهاية آذار/ مارس الماضي، بعد أن كان قد خفضها خلال شباط/ فبراير الماضي بمقدار 100 نقطة أساس.
وأضاف المحلل الاقتصادي أن من بين الأسباب التي أدت إلى تراجع الاستثمار الأجنبي في مصر هو ارتفاع معدلات الفائدة بالأسواق الناشئة، مثل الأرجنتين 60% وتركيا 24%، خلال العام الماضي، الأمر الذي أدى إلى جذب استثمارات أجنبية إليها بعدما خرجت من مصر خلال الشهور الماضية، والتي تعرف باسم "الأموال الساخنة".
البيروقراطية وأشياء أخرى
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي، مصطفى بهجت، إن البيروقراطية والفساد وبعض التعقيدات التشريعية هي من أهم أسباب تراجع الاستثمارات المباشرة في مصر خلال الفترة السابقة، مضيفا أن البيروقراطية والفساد يعدان من المشكلات المزمنة التي تعرقل الاستثمار الأجنبي في البلاد منذ عقود طويلة.
وكانت وزيرة التخطيط، هالة السعيد، قد توقعت، في تصريحات صحفية، وصول صافي الاستثمار الأجنبي المباشر خلال العام المالي الحالي إلى 11 مليار دولار، لافتة إلى أن الحكومة تستهدف الوصول بهذا الرقم إلى 20 مليار دولار في عام 2021/ 2022.
وأضاف بهجت، في تصريحات لـ"عربي21"، أن من بين أهم أسباب تراجع الاستثمار الأجنبي في مصر سيطرة القوات المسلحة على والمؤسسات الأمنية على اقتصاد البلاد بشكل كبير.
ولفت إلى التصريحات الأخيرة التي أدلى بها رجل الأعمال، نجيب ساويرس، الأحد الماضي، واشتكى فيها من سيطرة الدولة، في إشارة إلى الجيش، على الأنشطة الاقتصادية في البلاد بشكل لا يعطي أي فرصة للقطاع الخاص للمنافسة أو تحقيق أرباح تمكنه من الاستمرار والتوسع.
وأكد مصطفى بهجت أن عدم الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة العربية كلها يزيد من مخاوف المستثمرين، ويجعلهم يفضلون أسواقا أخرى أكثر هدوءا واستقرارا.
فيديو مثير للسيسي عند وصوله قصر الضيافة بواشنطن (شاهد)
أسرة صحفي مصري تشكو لـ"عربي21" تعنت الأمن في الإفراج عنه
سفراء إسرائيليون: التعاون الأمني والعسكري مع مصر بلغ ذروته