لم تتضح بعد الكيفية التي ستتعاطى معها الحكومة ومؤسسات الدولة مع مبادرة الحركة الإسلامية لعقد طاولة للحوار الوطني خالية من الشروط المسبقة؛ فهل ستتجاهلها أم ستستجيب لهذه المبادرة في خطوطها العامة أم ستعيد تحديد الأولويات فيها؛ أم إنها ستكتفي بسياسة إطفاء الأزمات أم تبادر إلى طرح مبادرة موازية تكسر حالة الجمود وتساعد على رص الصفوف وتمتين الجبهة الداخلية في البلاد وتجسير الفجوة بين الحكومة ومؤسسات الدولة والشارع عبر مزيد من الاستثمار بالموارد السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتوافرة؟
أزمة ثقة
فالجبهة الداخلية ورص الصفوف والاعتماد على الذات مسار سياسي واقتصادي يتطلب تجسير فجوة الثقة بين الشارع والحكومة؛ فجوة تمثل هاجسا تعكسه تصريحات المسؤولين في الأردن بل وسلوك وتصريحات رئيس الوزراء عمر الرزاز الداعية للحوار والانفتاح السياسي؛ فجوة تم التعبير عنها بتصاعد مظاهر الاحتجاج المطلبي في الشارع الأردني وتكاثر الشائعات وانتشارها بشكل دفع الحكومة لإطلاق منصة إعلامية إلكترونية للرد على الشائعات وتفنيدها؛ بل ودفع صانع القرار الملك عبد الله الثاني أكثر من مرة للتدخل مباشرة وتفنيد الكثير من هذه الشائعات التي بات كثير منها مرتبط بضغوط خارجية.
المخاطر المحيطة بالأردن تتنوع وتتضافر في بعض الأحيان مع الواقع الاجتماعي والاقتصادي المتدهور
شائعات لم تقتصر على الشؤون الاقتصادية والاجتماعية المحلية بل امتدت إلى الملفات الكبرى، كالملف الفلسطيني، لتربك عمل الحكومة ومؤسسات الدولة وتفاقم من مخاطر الضغوط الخارجية المرتبطة بصفقة القرن والمشاريع السياسية الأمريكية؛ أمر عبرت عنه مؤخرا وزيرة الدولة لشؤون الإعلام جمانة غنيمات في ندوة خاصة عقدت في مجلس النواب الأردني بالقول: "إن هناك ضغوطات تمارس على الأردن، تحتاج إلى جبهة وطنية موحدة؛ تقول لا وتردد لاءات الملك الثلاثة في هذه الفترة لتحصن الوطن وتحميه وتؤكد على أن القدس عربية والوصاية هاشمية".
فالضغوط الإقليمية والتحديات الداخلية تضافرت لتدفع الحركة الإسلامية ممثلة بحزب جبهة العمل الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين وكتلة الإصلاح النيابية لطرح مبادرتها تلتقي مع دعوات الحكومة للإصلاح والاعتماد على الذات؛ عبر اقتراح آلية الحوار لتجسير الفجوة بين الشارع والحكومة ومؤسسات الدولة تعالج الملفات العالقة وعلى رأسها الإصلاح السياسي والاقتصادي.
تحديات خارجية
كما أنها تساوقت مع جهود الأردن لمواجهة التحديات والضغوط الخارجية التي تواجهها البلاد، وأشار إليها الملك عبد الله الثاني في أكثر من مناسبة سواء في مدينة الزرقاء أو أمام قادة الجيش الأردني في آذار (مارس) الماضي؛ فالأرضية المشتركة متوافرة والمناخ العام مواتي لإطلاق مرحلة جديدة تساعد البلاد على مواجهة التحديات الداخلية والضغوط الخارجية التي تواجهها بتوظيف كامل مواردها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
مبادرة الحركة الإسلامية لم تبتعد في جوهرها ودوافعها عن توجهات الحكومة أو الملك في التعاطي مع أزمات الإقليم أو في تشخيصها
فالمخاطر المحيطة بالأردن تتنوع وتتضافر في بعض الأحيان مع الواقع الاجتماعي والاقتصادي المتدهور؛ وهي مرشحة للتعاظم في ظل المشاريع السياسية الأمريكية في المنطقة وفي ظل صعود اليمين الإسرائيلي المتطرف المتوقع أن يهيمن على آداء الحكومات الإسرائيلية لفترة ليست بالقصيرة سواء كان على رأسها نتنياهو (حزب الليكود) أو غانتس (حزب مناعة إسرائيل)؛ ما يتطلب إيجاد آليات واتخاذ إجراءات تعزز الساحة الداخلية الأردنية وتحصنها لمرحلة ستمتد تداعياتها فترة ليست بالقصيرة.
تتساوق مع الرد الأردني الرسمي
القراءة الأردنية الرسمية للتحديات عكستها تحركات الملك عبد الله الثاني برفض المشاريع الإقليمية ومواجهة الضغوط الخارجية موفرة البيئة والمناخ والدوافع المناسبة لطرح الحركة الإسلامية في الأردن لمبادرتها لتعزيز الجبهة الداخلية وتجسير الفجوة بين الحكومة ومؤسسات الدولة والشارع الأردني؛ الفجوة التي طالما أشارت إليها النخب السياسية والحكومية باعتبارها خطرا يتهدد البلاد؛ تتفاعل بقوة على شكل حراك اجتماعي ومطلبي يعيش مدا وجزرا متواصلا؛ معززا حرب الشائعات التي لا تكاد تخبو حتى تتواصل بقوة تغذيه بيئة إقليمية وأزمة اقتصادية محلية خانقة .
مبادرة الحركة الإسلامية بهذا المعنى لم تبتعد في جوهرها ودوافعها عن توجهات الحكومة أو الملك في التعاطي مع أزمات الإقليم أو في تشخيصها؛ فهي استجابة لتوجهات صانع القرار وفي ذات الوقت استجابة للتحديات، إذ تمثل عاملا مساعدا لإعادة هندسة الأوضاع الداخلية وتمتين الجبهة الداخلية؛ معززة بآلية فعالة لتجسير الفجوة بين الحكومة ومؤسسات الدولة والشارع الأردني عبر آليات الحوار وتفعيل المؤسسات التشريعية والتنفيذية؛ مبادرة باتت تعكس تحولات مهمة في بيئة الأردن الداخلية والخارجية ونضج سياسي لدى الحركة الإسلامية؛ إذ تكشف عن قدرات كامنة في الأردن توفر له قدرا عاليا من المرونة والفاعلية لمواجهة الضغوط الخارجية؛ ميزة تفضيلية وموارد سياسية إضافية تطرح تساؤلات حول القدرة على استثمارها في المرحلة المقبلة التي تتميز بالخطورة والكلف المرتفعة.