نشرت صحيفة "الكونفدنسيال" الإسبانية تقريرا، تحدثت فيه عن استخدام السجون
الصينية أنظمة مراقبة تقوم على الذكاء الاصطناعي؛ للحيلولة دون فرار السجناء.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن بعض السجون الصينية بدأت في استخدام الذكاء الاصطناعي في أنظمة المراقبة. وعلى عكس أنظمة المراقبة العادية القائمة على الكاميرات والعنصر البشري، فإن هذه التقنية قادرة على التنبؤ بنوايا السجناء بدقة، من خلال تتبع تحركات كل سجين عن كثب.
وذكرت الصحيفة أن
سجن يانتشنغ كان أول مرفق يتم تجهيزه بهذه التكنولوجيا. ويدار هذا السجن من قبل وزارة العدل مباشرة، ويعتبره الكثيرون بمثابة سجن فخم، على الرغم من الرقابة المشددة، وذلك نظرا للظروف المريحة التي يوفرها.
ويستضيف هذا السجن أشخاصا ذوي مكانة اجتماعية مرموقة، مثل غو كايلاي زوجة بو شيلاي، وزير التجارة الصيني السابق، الذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة في 22 أيلول/ سبتمبر 2013، وروي شينغقانغ، المنتج التلفزيوني الذي لا يزال رهن الاحتجاز منذ سنة 2014 لأسباب غير معروفة، إلى جانب تشانغ شوقوانغ، رئيس الشركة التي أنشأت القطار السريع الشهير، المسجون بتهمة الفساد.
وأوردت الصحيفة أن مجموعة من المفتشين حذروا في كانون الأول/ ديسمبر الماضي من أن "سياسات العصر الجديد" لم تكن مفهومة بشكل صحيح، مشيرين إلى أن العديد من الحراس ضالعون في "انتهاكات تنظيمية متكررة". لكن محتوى ادعاءاتهم ليس واضحا بما فيه الكفاية، إلى جانب ذلك شككوا في الولاءات السياسية للحراس. وبناء على ذلك، وُضعت خطة للحد من العنصر البشري في مراقبة السجناء، وإنشاء الذكاء الاصطناعي، باعتباره أداة أكثر فعالية.
وبعد أشهر من البرمجة المكثفة، اكتمل تحديث نظام المراقبة في سجن يانتشنغ. ويتضمن هذا المشروع الجديد "للسجن الذكي" شبكة من كاميرات المراقبة وأجهزة استشعار خفية تمتد مثل "ألياف عصبية" عبر حظيرة تقدر مساحتها بحوالي 40 هكتارا، التي تربط بين مختلف زنزانات السجن.
وأوضحت الصحيفة أن هذه الشبكة تعمل على تجميع ونقل البيانات إلى "الدماغ"، وهو عبارة عن حاسوب عملاق يتعرف إلى السجناء ويتعقبهم ويرصدهم طوال اليوم. وفي نهاية كل يوم، يقوم النظام بإنشاء تقرير شامل لا يتضمن فقط حركات السجناء في المساحة الخاصة بهم، وإنما يحلل أيضا سلوكياتهم، فضلا عن أنه مزود بتقنية التعرف على الوجه. وفي معظم الأحيان، تقع أرشَفة هذه التقارير، لكن إذا تم اكتشاف أمر مريب، يقوم الجهاز بتفعيل إشعار لتنبيه المشرفين على الحراسة حتى قبل وقت طويل من حدوث أي محاولة للهروب.
ونقلت الصحيفة عن منغ تشينغبياو، وهو أحد المشرفين على المشروع ومهندس شركة "تياندي" التي طورت البرنامج، أنه "إذا شوهد سجين يمشي من جانب واحد من زنزانة إلى أخرى، فقد يعتبر الجهاز سلوكه غريبا. وقد يكون هذا السلوك مشبوها، فإما أن الشخص قلق أو متحمس لخطة هروب مفترضة".
وأشارت الصحيفة إلى أن عدد السجناء في مدينة يانتشنغ قد زاد بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة. ففي سنة 2018، سُجن أكثر من 1600 شخص مقارنة بالسنة التي سبقتها. ولكن هذا الرقم في ارتفاع مطرد نتيجة انتشار الفساد على نطاق واسع داخل الحزب الذي يرأسه شي جين بينغ، الذي تسبب في الحكم بالسجن على العديد من المسؤولين.
من جهته، أوضح منغ تشينغبياو أن "هذا النظام يعرف مكان كل شخص وما يفعله، بغض النظر عن عدد السجناء. ولا يتطلب هذا النظام أن يقوم حارس بشري بمراقبة الشاشات، وذلك بفضل تقنية التعرف إلى الوجه القادرة على التعامل مع عدد كبير من الأهداف في آن واحد". ويمكن لهذا النظام أن يتابع ما يصل إلى 200 وجه تلو الآخر، "ويمكن للسجناء أن يختلطوا بين الحشود في رواق مزدحم أو في صالة الألعاب الرياضية، بيد أنهم لن يكونوا قادرين على الفرار تماما"، على حد تعبير تشينغبياو.
وأضافت الصحيفة أنه حسب تشينغبياو فإنه "حتى لو كان السجناء قادرين على رشوة الحراس لمساعدتهم على الهروب، فإن النظام سيكتشف أمرهم، ما يؤدي إلى تفعيل جميع أجهزة الإنذار". وفي الوقت الحالي، دخلت شركته في خضم المفاوضات لتوسيع نطاق انتشار أداة المراقبة لتشمل السجون في أمريكا اللاتينية، حيث معدلات العنف والمخاطر الأمنية مرتفعة للغاية.
ونوهت الصحيفة بالشكوك الأخلاقية التي تحوم حول هذا النظام، إذ بينت منظمة الأمم المتحدة حسب ما ينص عليه القانون الأخلاقي للإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنه "ينبغي معاملة السجناء بالاحترام الضروري لضمان كرامتهم وقيمهم المتأصلة لكونهم بشرا". وعلى ضوء ذلك، صرح أحد أساتذة الفلسفة الذي استشارته صحيفة "جنوب الصين" الصباحية، بأن هذه التكنولوجيا ستؤثر بلا شك على حياة السجناء وحالتهم العقلية.
ويرى هذا الأستاذ أن "السلطات يجب أن تضع في الحسبان أن مراقبة السجناء عبر الآلات قد تكون لها نتائج عكسية، إذ يمكن لبعض السجناء المدربين تدريبا جيدا في علوم الكمبيوتر أن يتعلموا طرقا جديدة لخداع الذكاء الاصطناعي واستغلال نقاط ضعف الجهاز لأغراضهم الخاصة. وباختصار، يجب ألا تحل التكنولوجيا محل البشر".
وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أن الصين ليست أول بلد يستخدم الذكاء الاصطناعي ضمن أنظمة المراقبة في السجون. ففي بريطانيا، عمد سجن ألتكورس إلى تثبيت هذا البرنامج في سنة 2016 على أمل منع تهريب الممنوعات بين السجناء. كما أجرت حكومة سنغافورة سلسلة من التجارب لمعرفة ما إذا كانت هذه التكنولوجيا قادرة على مساعدة الحراس على العمل بشكل أكثر كفاءة.