الآثار العثمانية بمصر.. تاريخ وحضارة

تولي السلطان "سليم الأول" عرش الدولة العثمانية عام 1512م، خلفا لأبيه "با يزيد الثاني" الذي تنازل له عن السلطة، وما كاد يستريح قليلا من اجتيازه عقبة الدولة الصفوية؛ التي كانت تهدد دولته، حتى قاد جيوشه الجرارة ناحية الشام. ولما علم "قنصوة الغوري" بأنباء هذا التحرك، تحالف مع الفرس لصد الهجوم، إلا أن الهزيمة كانت من نصيبه، فحاول بعدها التصالح مع سليم الأول، وأرسل إليه الرسل، فقال لهم السلطان متوعدا: "لقد فات الأوان، انهضوا وارجعوا إلى سلطانكم وقولوا له.. إن الرِجل لا يتعثر بحجر واحد مرتين، وها أنا ذاهب إلى القاهرة فليستعد للدفاع إن كان له أهل". ولما عاد الرسل إلى قنصوة وأبلغوه بالجواب، أخذته الحميّة، فأعد جيشا لملاقاة سليم الأول. وهناك في "مرج دابق"، بالقرب من حلب، نشبت الحرب، فمني المماليك بالهزيمة أيضا، وقُتل قنصوة الغوري تحت أرجل الخيل عام 1516م، فخلفه على حكم مصر ابن اخيه "طومان باي"، وقبل مرور سنة على توليه الحكم، فتح العثمانيون مصر، وأعدموه على باب زويلة، وأصبحت مصر ولاية عثمانية، وظلت على ذلك لأكثر من ثلاثة قرون متواصلة.

ولما استقر العثمانيون بمصر، بلغت الحضارة الإسلامية في عهدهم أوجها، فكان اهتمامهم بالبناء والعمارة فائقا، وخاصة المساجد التي نالت من رعايتهم ما لم ينله غيرها، بل وأضافوا إليها إضافات فريدة؛ تمثلت في تعدد المآذن بالمسجد الواحد وبأطوال مختلفة وعلى هيئة القلم الرصاص. ولم تكن المساجد في عهدهم للصلاة فقط، بل كانت مجمعات دينية شاملة؛ ضمت إلى جوار المسجد مدرسة وضريحا وبيمارستان وسبيلا. وكانت هذه المباني عبارة عن وحدات مستقلة داخل سور كبير، ومن أبرز المساجد العثمانية بمصر:

- مسجد الملكة صفية سلطان، الذي يقع في شارع محمد علي وسط القاهرة القديمة، وقد أنشأه أحد مماليك الملكة صفية، زوجة السلطان مراد الثالث ووالدة السلطان محمد الثالث.

- مسجد سليمان باشا، الخادم بقلعة صلاح الدين، وتوجد فيه لوحة تذكارية كتب عليها أن هذا المسجد أنشئ بأمر من والدة "السلطان محمد خان" وعلى يد إسماعيل آغا، ناظر الوقف، سنة 1019 هجرية.

- مسجد "يوسف أغا الحين"، ويقع في شارع الحين بميدان "باب الخلق". ويوسف أغا الحين؛ هو أحد أمراء الشراكسة، وتوفي في عام 1646م. وقد بُنِي هذا المسجد العثماني على الطراز المملوكي، وهو عبارة عن مجموعة من المنشآت؛ أساسها المدرسة، ولها ملحق فيه سبيل يعلوه كتاب، وتوجد للمبنى ثلاث واجهات: الواجهة الغربية التي تطل على الخليج المصري، والواجهة الشمالية، والواجهة الشرقية. ولكل واجهة باب مدخل منه.

- مسجد سنان باشا ثاني، ويوجد في غرب القاهرة، وأنشئ عام 1571م، ويبلغ طوله 35 مترا، وعرضه 27 مترا، وتتوسّطه قبة مركزية كبيرة محاطة بثلاث إيوانات من الجهات الشمالية والجنوبية والغربية.

- مسجد مصطفى جوربجي ميرزا، وأنشئ بأمر من الأمير مصطفى بن الأمير يوسف جوريجي عام 1698م، ويقع في شارع ميرزا ببولاق في القاهرة. وهو عبارة عن شكل مستطيل يتوسطه صحن مربع وتحيط به الأروقة من جميع الجهات، وحيث أنه من المساجد المعلقة ويتم الصعود إلى مدخله عبر السلالم.

- مسجد سيدي عقبة بن عامر، ويقع سط القاهرة، وأنشأه الوالي العثماني محمد باشا في عام 1655م، وهو عبارة عن رواقين تتوسطهما ثلاثة عقود محمولة على عمودين من الحجر، ولكن سقفه الخشبي مزين بنقوش ملونة.

وفي النهاية؛ أقول: هذا المقال عبارة عن تمهيد لسلسلة، أرجو الله أن يوفقني لاستكمالها، أُطل معكم من خلالها على الآثار العثمانية الموجودة بمصر، تعريفا وتوصيفا، علّني أستطيع كشف الستار وإزالة الحجب التي أسدلت على حقبة من أهم الحقب التاريخية والحضارية التي مرت بمصر.