رغم كل الظلام الدامس وبؤس الواقع العربي الذي يحيط بنا على مشارف تتويج العدوان الأميركي بمحاولة تمرير "صفقة القرن" لدفن الحق العربي والفلسطيني بفلسطيننا، وحدهم الشهداء من يبعثون الأمل ويضيئون الأفق ويبثون الدماء في كرامة الأمة، وتجدد أرواحهم وبطولاتهم الوعد الخالد بأن النصر قادم، والحق عائد، وأن دولة الاحتلال والاغتصاب والسطو على التاريخ والحاضر لا مستقبل لها ولا بد زائلة.
ليس أجمل من فلسطين ووهجها وجناتها عندما تنادي أرواح الشهداء فتأتيها طائعة متفانية متسامية، لتسطر دماؤهم صفحة وأخرى في سفر الكرامة والمطالبة بالحق السليب وبعيون فلسطين التي لا تتوهج وتبتسم إلا للشهداء ولا تناجي سوى أحلامهم بكسر شوكة الاحتلال وزواله.
الشاب الأسطورة، عمر أبو ليلى، آخر شهداء فلسطين والحق الذي لا يضيع، ارتقى شهيدا بعد أن جندل فردين من عصابات الاحتلال بالضفة الغربية المحتلة، وترك غيرهما مصابين يلعقون جراحهم، وبعد ان سطر ببطولته أنموذجا عربيا ألهب الحنين العربي من المحيط إلى الخليج الى وحدة الدم والمصير والمقدس حول قضيتهم الأولى وجرحهم الفاقع بحمرته، فليس مثل فلسطين ما يوحد هذه الأمة وليس مثلها ما يذيب كل الخلافات والانقسامات والخزعبلات القطرية والأيديولوجية والسياسية.
وتشاء الأقدار أن يأتي استشهاد هذا البطل، جميل المحيا والغض بعمره، في الذكرى الواحدة لتعيد سيرة تلك الملحمة البطولية في أكناف بيت المقدس، حيث ارتقى الشهداء من الجيش العربي الأردني ومن أخوة الدم بالثورة الفلسطينية، ليلحقوا شر هزيمة بعدو غادر سطا على فلسطين، الرئة الأولى وضفة القلب الشرقية للأردن وشعبه وجيشه البطل،فالتحم الأبطال والشهداء بهذه الملحمة الخالدة مع سراق الاحتلال وعصاباته العسكرية ليذيقوها طعم الهزيمة، وليوصلوا لها رسالة التحرير القادم لا محالة.
عمر الصغير بعمره، والكبير حد الأفق ببطولته وشهادته، التحق هناك بصف طويل من شهدائنا في الكرامة ممن يزينون السماء وتاريخنا ومستقبلنا الواعد بالتحرير والعودة واستعادة أقدس الأقداس.
هي كرامات الشهداء أن يتزامن استشهاد هذا الشبل الفلسطيني بذكرى شهداء الأردن بمعركة الكرامة، ممن رووا بدمائهم الزكية أرض الغور الطهور وهم ينوبون عن الأمة بالتصدي لجيش كان سوق كذبة ”الذي لا يقهر“، واستعادوا على قلتهم وضعف عتادهم كرامة أمة، كانت ما تزال مجروحة باحتلال ما تبقى من فلسطين وأراض عربية مقدسة أخرى حولها قبل عام واحد فقط.
كما عمر؛ كان الشهداء في الكرامة أبطالا أسطوريين ضاقت بهم الإمكانيات والعدة، لكنهم امتلكوا الأعظم والأهم، البطولة والحق والعشق الأبدي لثرى الأردن وفلسطين، كانت البطولة ورسالة الحق أمامهم، وخلفهم كانت عيون الأمهات التي لا تهادن ولا ترتوي من الدعاء للجنود والفدائيين بالنصر وصد العدو الغازي.
كل صفقات ترامب، وعدوان عصابات الاحتلال الإسرائيلي، لن تستطيع كسر إرادة الحياة والحرية والنصر أمام ما تبعثه من كرامة وأمل أرواح شهداء الكرامة والأردن وفلسطين وكل الأحرار، لا خوف على القدس وحقنا بفلسطين وبين ظهرانينا أبناء وأحفاد قناديل الشهادة بمعركة الكرامة وكل الأرواح العظيمة التي ضحت بمعاركها ضد العدو الغاصب.
عن جريدة الغد الأردنية