برز في السنين الأخيرة استخدام مصطلح اليمين المتطرف، وهو مصطلح سياسي يطلق على التيارات والأحزاب التي لا يمكن اعتبارها ضمن جماعات أو أحزاب اليمين السياسي التقليدي التي تدعو إلى حماية التقاليد والأعراف أو الدين داخل المجتمع، إذ يكمن الاختلاف بين جماعات اليمين التقليدية أو المعتدلة وبين المتطرفة؛ أن الأخيرة تدعو إلى التدخل القسري والعنيف لفرض أفكارها على المجتمع. وفي الغالب تكون تلك الجماعات منبوذة من قبل المجتمع، إذ إن الفطرة السوية لا تقبل بفرض الأحكام بالقوة. لكنها مع ذلك بدأت تجد لها متنفسا في بعض المجتمعات، مستغلة حالة الركود الاقتصادي والانفلات الأخلاقي واستئثار الطبقة الرأسمالية المتوحشة على موارد الاقتصاد والعمل. أما في الحالة الغربية، فإن ازدياد المهاجرين أضاف بعدا جديدا على المعطيات السابقة.
وغالبا ما يستغل اليمين المتطرف حالة الحنق التي يعيشها الشعب على الأوضاع، لإيجاد متنفس له بتوجيه هذا الغضب نحو الانتقام من الآخر، بدلا من التعايش معه أو إيجاد حلول وسط، تجمع ذلك الآخر معه في حياة يمكن أن تتسع للجميع. فاليمين المتطرف غالبا ما يترك الأسباب الرئيسية ليذهب إلى الحلقة الأضعف في المعادلة، ذلك لأن هذا التيار ليس صاحب حجة، ويفتقر كثيرا لاستخدام العقل أو المنطق في حل مشكلات مجتمعه، لذا فهو يركن إلى العنف بعد خطاب الكراهية لحل مشكلاته.
لقد كان خطاب الكراهية الذي صدّرته المخابرات
المصرية في عام حكم الرئيس محمد مرسي؛ هو بداية لتنامي هذا التيار الذي اسسته وتبنته الدولة العميقة، وغذته من خلال إعلام تلك الدولة، لتستفيد منه في الإطاحة بالثورة ومكتسباتها. وإن كان ذلك التيار تلاشى بشكل كبير بعد أن فهم الفخ الذي أعدته المخابرات ووقع هو فيه، لا سيما وأن دولة المخابرات قد تخلصت من رموز ذلك التيار تدريجيا، إلا أنها تحاول الحفاظ على خطاب الكراهية للاستفادة ممن أصيبوا بالفيروس لتحصين دولتهم من عودة الثورة.
لقد كانت جريمة كرايست تشيرش في نيوزيلندا مفجعة بكل المقاييس، وقد زاد من فجاعتها أنها صورت وبثت مباشرة، وشاهد العالم قتل الأبرياء وصرخاتهم وتأوهاتهم واستغاثتهم. وما زاد المشهد مأساوية، ذلك الدم البارد الذي تلبّس به الإرهابي الجاني وهو يقتل الأبرياء. ولقد كان لتبريرات الإرهابي في الرسالة التي نشرها قبل ارتكاب الجريمة بُعد آخر فيها، حيث برر قتل الأبرياء لمجرد أنهم مختلفون، ولمجرد أن حضارتهم علت وهيمنت في حقبة من الزمن، فوصفهم بالقتلة والبربر والمجرمين ومصدري الكراهية والعنف!
لكن برينتون تارانت في وصفه
المسلمين بهذه الأوصاف لم يكن وحيدا، فلقد وصف رأس النظام في مصر المسلمين بهذه الأوصاف، بل وزاد على المجرم الأسترالي بأن المسلمين يريدون أن يقتلوا سكان الأرض ليعيشوا هم، وأن الدين الإسلامي يحرض على العنف، وفي جلساته مع (شركائه) الأوروبيين، كما قال، حذرهم من المساجد وأهلها وما يدور فيها، ونصحهم بمراقبة المساجد. لذا، فإنه غير مستغرب أن يكتب الإرهابي الذي قتل ما يزيد عن خمسين مصليا في نيوزيلندا؛ أنه معجب بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والسيسي في مصر.
أفكار
السيسي وموقفه من المسلمين والإسلام، تجعلنا نفهم حقيقة أفعاله، فقتله العشرات في مذبحتي الحرس الجمهوري والمنصة، ثم الآلاف في رابعة العدوية والنهضة، والمئات في التظاهرات التي تلت فض الاعتصامين، وتهجيره لأهل سيناء وقتلهم وقصفهم وهدم بيوتهم، وخطفه للناشطين وقتلهم خارج إطار القانون، أو بمحاكمات مسيسة تفتقر لأبسط مقومات العدالة، بإعدامات أو بالإهمال الطبي داخل السجون.. كل هذا يؤكد أن تصنيف هذا النظام الانقلابي بأنه يمين متطرف هو تصنيف صحيح مئة في المئة، وعلى الشعب أن يرفع عن ذلك النظام الغطاء وتعريته ومقاومته بكل السبل، فذلك الشعب الأبي لا يقبل أن تفرض عليه معتقداته، كما أنه لن يقبل أن يظل مريضا بداء الكراهية الذي حقنه به النظام، فسيتعافى الشعب من دائه بعد أن عرف سبب الداء.