ثمة ثلاثة أحداث شهدتها محافظة كركوك خلال الشهور القليلة الماضية، لا بد من الربط في ما بينها، وصولاً إلى استنتاج يتمثل بسعي التحالف الكردي ـ الشيعي متمثلاً ببرهم صالح وعادل عبدالمهدي، للعودة إلى تدمير هذه المدينة التي تعرضت وما تزال إلى مخطط عدواني خطير يستهدف تهميش أبنائها العرب والتركمان الأصليين وإقصائهم عن المشهد السياسي كونهم يشكلون أكبر كتلة سكانية فيها.
اختيار برهم صالح رئيسا
ويتمثل الحدث الأول باختيار برهم صالح رئيسا للجمهورية في أغرب قرار اتخذه حزب الاتحاد الوطني الكردي، الذي تناسى قادته الكبار من هيرو خانم إلى كوسرت رسول، مواقفه العدائية ضدهم والانشقاق عنهم ومهاجمته لهم والتشنيع عليهم، ورشحوه لرئاسة الجمهورية، استجابة لإرادات أجنبية في مقدمتها الحركة الماسونية والولايات المتحدة وإسرائيل وإيران، في وقت لم يفهم مسعود بارزاني أبعاد اللعبة، بسبب عقليته العشائرية وعناده الكردي، ورشح مقابله فؤاد حسين الذي لا يقل سوءًا وعنصريةً عن برهم، يضاف إليها أنه مجرد موظف في مكتبه، وفيلي شيعي، وهذا يعني أنه في حالة اختياره للرئاسة، فإن نظام المحاصصة الطائفية والعرقية المعمول به، منذ عام 2003، سيختل ويصبح رئيسا الجمهورية والوزراء شيعيين من الإثني عشرية.
جازر تموز 1959، التي قادها الأكراد بالتعاون مع الشيوعيين وراح ضحيتها المئات من سكان كركوك الأصليين ما زالت حية في الذاكرة والوجدان.
أما الحدث الثاني فكان قرار رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة عادل عبدالمهدي، الذي قضى بسحب قوات مكافحة الإرهاب من كركوك، التي نجحت في بسط الأمن والاستقرار في المدينة، وإرسال قوة خاصة غير مجربة إليها، وقد تزامن ذلك، مع حدث آخر هو الثالث وتمثل بتهديدات سافرة لمسؤول مليشيا بدر في شمال العراق مهدي البياتي لمحافظ كركوك وكالة راكان الجبوري الذي تمكن خلال مدة قصيرة من إنعاش المدينة وإشاعة الوئام بين سكانها، واتهامه بالعشائرية واستبعاد ما أسماه بـ (التركمان الشيعة) من إدارة المحافظة، برغم علم هذا المليشياوي القبيح، أن الفئة الأخيرة ليس لها حجم سكاني مؤثر، وإنما قلة قليلة يتوزع أفرادها على قرى وقصبات صغيرة وباتوا اليوم يشكلون أغلب مرتزقة الحشد الشيعي في المنطقة.
تهديدات لكركوك
وقد رافق اختيار برهم صالح لرئاسة العراق، وسحب عادل عبدالمهدي لقوات مكافحة الإرهاب من كركوك، وتهديدات مهدي البياتي لمحافظ كركوك العربي، إسهال في التصريحات الكردية الصلفة، وتزوير للحقائق والوقائع عن وجود الأكراد في المدينة، أوقحها ما قاله ابن جلال طالباني المدعو بافل، الذي زعم أن كركوك كردية ولا بد أن يكون محافظها كردياً ومن حزبه تحديداً، وكأن هذه المدينة مسجلة باسم آل طالباني الغرباء عنها تاريخياً واجتماعياً، وهم الذين لا يستدلون على شارع فيها، ولا يعرفون أين تقع أسواقها وقلعتها ومحالها، وأفراد العائلة الطالبانية بمن فيهم جلال طالباني (تجوز عليه الرحمة لأنه ميت) أمضوا عمرهم خارجها، ولا يجرؤون على الانتقال إليها والسكن فيها، لأن كركوك منفتحة في بيئتها، وحاضنة لمن ينزل عليها، ويحترم أهلها، وبالتأكيد فان هذه المواصفات، لا تهضم المتخلفين ولا تستوعب المصابين بوباء الكراهية لأبنائها العرب والتركمان، ومجازر تموز 1959، التي قادها الأكراد بالتعاون مع الشيوعيين وراح ضحيتها المئات من سكانها الأصليين ما زالت حية في الذاكرة والوجدان.
إن الأحزاب الكردية تحقد على كركوك التي تشكل عقدة لها، لأن هذه الأحزاب حاولت كثيرا ومنذ العام 2003 أن تجد موطئ قدم لها ولم تنجح، ولجأت إلى استيراد أكراد من إيران وتركيا وسوريا، وسرقة مواردها النفطية وتهريبها إلى الخارج، واستخدام أساليب البطش والتنكيل والتهجير ضد أهلها بقصد تغيير تركيبتها السكانية، ومع ذلك ظلت كركوك صامدة ترفض الاحتلال الكردي، بينما استمر أعداؤها والحاقدون عليها والطامعون بها، في لصوصيتهم وسرقة نفطها، وبيعه بالعملات الصعبة تذهب بالكامل إلى جيوبهم وأرصدتهم، من دون أن يخصصوا حتى واحد بالمئة من المبيعات، لتعمير المدينة والصرف على احتياجاتها وخدماتها.
الأحزاب الكردية تحقد على كركوك التي تشكل عقدة لها، لأن هذه الأحزاب حاولت كثيرا ومنذ العام 2003 أن تجد موطئ قدم لها ولم تنجح،
ستبقى عراقية
وستبقى كركوك عراقية وجزءا لا يتجزأ من الوطن، وعلى الأكراد، المختلفين في كل شيء، والمتفقين على الهيمنة على نفطها فقط، أن يدركوا أن كركوك خط أحمر عراقي وإقليمي ودولي، وإذا كانوا قد تمتعوا بمواردها وخيراتها في المرحلة السابقة بدعم الأمريكيين المحتلين وتسهيلات الإيرانيين الذين يشترون النفط المهرب بسعر التراب، فإن المرحلة الراهنة تختلف عن سابقتها، بعد انهيار استفتاء استقلالهم المزيف، وصراعات قادة أحزابهم على المناصب والامتيازات، أما إذا استمر الانفصاليون في تآمرهم على كركوك، وواصلوا مزاعمهم في تزييف تاريخها والادعاء بعائديتها، فإن الحق والشرعية أن يتحالف العرب والتركمان والأكراد الأصليون المقيمون في المدينة قبل نيسان (أبريل) 2003 ويشكلوا (جبهة حماية كركوك وإعمارها) تتصدى لمشاريع فصمها عن حاضنتها العراقية وتتولى الحفاظ على ثرواتها الوطنية، ولا ضير في أن تعمل هذه الجبهة على تحويل كركوك إلى إقليم إداري، وليس إقليماً انفصالياً، مثل إقليم كردستان، الذي صار منشاراً (صاعد ماكل.. نازل ماكل) وأسنانه تنهش في إربيل والسليمانية ودهوك، وتزحف الى بغداد وكركوك.!
العراق.. هل يتكرر سيناريو 10 حزيران 2014 بنسخة داعشية جديدة؟
في ضرورة إنصات حركة النهضة للنقد