في السنوات الـ40 التي مرت منذ بدأ تحول الصين إلى اقتصاد السوق، سجلت البلاد نموا سنويا بمعدل أكثر من 9.8 في المئة في المتوسط، وهو ارتفاع غير عادي وغير مسبوق. لكن هناك دلائل تشير إلى أن المعجزة الصينية تقترب من نهايتها، أو تشير على الأقل إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في البلاد. كان معدل نمو الصين في هبوط منذ الربع الأول من عام 2010. وفي الربع الثالث من عام 2014، كان النمو هزيلا نسبيا بمعدل 7.3 في المئة.
ومن المرجح أن يستمر النمو الاقتصادي في الصين في
مواجهة رياح معاكسة شديدة، على الأقل مقارنة بالعقود السابقة. وعندما يعكف صانعو
السياسات في البلاد على إعداد الخطة الخمسية الـ13، فمن المنتظر أن يواجهوا مسألة
جوهرية: ما السرعة التي من المتوقع أن تنمو بها الصين؟ في تحديد هدف الناتج المحلي
الإجمالي لأي بلد، لا بد أولا من فهم معدل النمو المحتمل لاقتصادها: الوتيرة
القصوى للتوسع التي يمكن تحقيقها، على افتراض أن كل الظروف مواتية داخليا وخارجيا،
من دون تعريض استقرار واستدامة النمو في المستقبل للخطر.
يقول
آدم سميث في كتابه "استكشاف في طبيعة وأسباب ثروات الأمم"، إن النمو
الاقتصادي يعتمد على تحسين إنتاجية العمل، وهو ما يأتي اليوم إما نتيجة للإبداع
التكنولوجي وإما التطور الصناعي "إعادة توزيع القدرة الإنتاجية إلى قطاعات
جديدة ذات قيمة مضافة أعلى".
لكن البلدان المتقدمة التي بلغت أقصى حدود الإبداع ليست في وضع موات.
فهي كي تستفيد من التكنولوجيا الجديدة، لا بد أن توجدها. أما البلدان النامية فهي
على النقيض من ذلك تتمتع "بميزة القادم المتأخر"، لأنها قادرة على تحقيق
التقدم التكنولوجي من خلال التقليد، والاستيراد، والتكامل، والترخيص. ونتيجة لهذا
فإن التكاليف والمجازفات التي تخوضها أقل. فعلى مدى السنوات الـ150 الماضية، كانت
الاقتصادات المتقدمة تنمو بمعدل 3 في المئة سنويا في المتوسط، في حين حققت بعض
البلدان النامية معدلات نمو سنوية بلغت 7 في المئة أو أعلى لفترات بلغت 20 عاما أو
أطول.
وكي نحسب حجم ميزة القادم المتأخر التي حصلت عليها الصين بعد 35 عاما
من النمو غير المسبوق، فعلينا أن ننظر في الفجوة بين مستويات تطورها التكنولوجي
والصناعي ونظيراتها في الدول ذات الدخل المرتفع. وأفضل وسيلة لرؤية هذه الفجوة هي
المقارنة بين نصيب الفرد لديها في الدخل وفقا لتعادل القيمة الشرائية، وبين نصيب
الفرد في الدخل في البلدان المتقدمة. وكلما كانت الفجوة في نصيب الفرد في الدخل
أكبر، كانت ميزة القادم المتأخر أكبر وازدادت احتمالات النمو.
في عام 2008، كان نصيب الفرد في الدخل في الصين أعلى قليلا من 20 في
المئة عن نظيره في الولايات المتحدة. وهذه الفجوة تعادل تقريبا الفجوة بين
الولايات المتحدة واليابان في عام 1951، التي سجلت بعدها اليابان نموا بمعدل سنوي
بلغ في المتوسط 9.2 في المئة على مدى الأعوام الـ20 التالية، أو الفجوة بين
الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية في عام 1977، التي بعدها سجلت كوريا الجنوبية
نموا بمعدل سنوي بلغ في المتوسط 7.6 في المئة طوال عقدين من الزمان. وكانت الفجوة
لدى سنغافورة في عام 1967 وتايوان في عام 1975 مماثلة، وأعقبتها معدلات نمو مماثلة.
وبالقياس،
فإن الصين في السنوات الـ20 التالية لعام 2008، لا بد أن يكون معدل نموها المحتمل
8 في المئة تقريبا. غير أن النمو المحتمل مجرد جزء من القصة. ذلك أن تحقيقه يعتمد
على الظروف الداخلية والبيئة الدولية.
وكي تتمكن الصين من استغلال ميزة القادم المتأخر، فيتعين عليها أن
تعمل على تعميق الإصلاحات وإدارة التشوهات المتبقية في اقتصادها. ومن ناحية أخرى،
يتعين على الحكومة أن تلعب دورا استباقيا في التغلب على إخفاقات السوق - مثل
العوامل الخارجية والمشكلات المرتبطة بالتنسيق - التي تصاحب الإبداع التكنولوجي
والتحديث الصناعي بكل تأكيد.
والصين لديها القدرة على الحفاظ على النمو القوي من خلال الاعتماد
على الطلب المحلي، وليس فقط الاستهلاك الأسري. ولا تفتقر الصين إلى فرص الاستثمار،
فضلا عن مجال كبير للتحديث الصناعي ووفرة من إمكانات تحسين البنية الأساسية
الحضرية، والإسكان العام، وإدارة البيئة. وعلاوة على ذلك، تتسم موارد الاستثمار
الصيني بالوفرة. ومجموع ديون الحكومة المركزية والحكومات المحلية لا يتجاوز 50 في
المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مستوى منخفض بالمعايير الدولية.
في الوقت نفسه تقترب المدخرات الخاصة في الصين من 50 في المئة من
الناتج المحلي الإجمالي، كما بلغت احتياطياتها من النقد الأجنبي أربعة تريليونات
دولار أمريكي. حتى في ظل ظروف خارجية غير مواتية نسبيا، فإن الصين قادرة على
الاعتماد على الاستثمار لتوفير فرص العمل في الأمد القريب؛ ومع نمو عدد الوظائف
ينمو الاستهلاك أيضا. لكن السيناريو الخارجي أكثر قتامة.
فرغم
تدخل السلطات في البلدان المتقدمة بقوة في أعقاب الأزمة المالية العالمية في عام
2008، بإطلاق تدابير تحفيزية مالية ونقدية كبيرة، فإن عديدا من أوجه القصور
البنيوية لديها يظل بلا حل. حتى الآن، لم يسفر "اقتصاد آبي" عن نتائج
ملموسة، ويسير البنك المركزي الأوروبي على خطى أمريكا واليابان، فيواصل التيسير
الكمي في محاولة لدعم الطلب. ويشهد تشغيل العمالة في الولايات المتحدة بعض النمو،
لكن معدل المشاركة في قوة العمل يظل متواضعا، ولم يحقق الاقتصاد بعد معدل النمو
بنسبة 6 في المئة إلى 7 في المئة، الذي يسجل عادة في فترات الارتداد بعد الركود.
ومن
المرجح أن يستمر تباطؤ الأداء في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، وهو ما من
شأنه أن يثبط نمو صادرات الصين. ومن المرجح نتيجة لهذا أن يهبط النمو الصيني إلى
ما دون مستوى النمو السنوي المحتمل "8 في المئة".
وفيما يخطط صناع السياسات للسنوات الخمس المقبلة، يتعين عليهم أن
يحددوا أهداف النمو الصيني بمعدل 7 في المئة إلى 7.5 في المئة، وتعديلها ضمن هذا
النطاق وفقا لما يمليه المناخ الدولي. ومن الممكن أن تساعد أهداف النمو هذه على
تثبيت استقرار تشغيل العمالة، والحد من المخاطر المالية، وتحقيق هدف البلاد
المتمثل في مضاعفة دخلها بحلول عام 2020.
عن صحيفة الاقتصادية السعودية