شهد الأسبوع المنصرم حدثاً استثنائياً في مدينة عدن، التي أعلنها الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي منذ العام 2015 عاصمة مؤقتة للبلاد، وعملت الإمارات على جعل قرار كهذا مجرد حبر على ورق.
فقد دعا نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية أحمد الميسري، المقرب من الرئيس هادي، إلى اجتماع موسع لخطباء المساجد والدعاة، تحدث فيه على غير المعتاد، وعبّر عن انحياز نادر لمهمة الدعاة الذين تناصبهم أبو ظبي العداء.
فقد كرر الوزير الميسري في خطابه خلال اجتماعه مع دعاة عدن؛ مصطلح "الدعوة" أكثر من مرة، في سياق تأكيده أن مدارس تحفيظ القرآن لن تغلق في عدن، في تحد صريح لمخطط أبو ظبي الهادف إلى تجريف المدينة من الصبغة الدينية ومن تأثير المساجد في حياة الناس.
تحد صريح لمخطط أبو ظبي الهادف إلى تجريف المدينة من الصبغة الدينية ومن تأثير المساجد في حياة الناس
فلطالما شهدت عدن حوادث اغتيالات متكررة
لأئمة وخطباء المساجد والدعاة، وللقيادات المنتمية للتجمع اليمني للإصلاح، ولكل من له ارتباط بالشرعية وبمشروع استعادة الدولة اليمنية، وكان مخططاً كهذا أكثر جرأة على أئمة المساجد وخطبائها، ترافق مع خطاب تحريضي نهض به السلفي المثير للجدل هاني بن بريك، الذي صعد نجمه وبات نائباً لرئيس ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من أبو ظبي، بعد أن خرج من عباءة
السعودية الممول الأبرز للحركة السلفية في البلاد.
في ذلك الاجتماع، أعلن وزير الداخلية اليمني المواجهة الصريحة مع التحديات التي تمثلها التشكيلات العسكرية والأمنية المدعومة من أبو ظبي، والتي تنازع وزارته وأجهزتها النفوذ الأمني في العاصمة المؤقتة للبلاد، وفي غيرها من المدن الجنوبية، إلى جانب دعوته الصريحة إلى ضرورة تصويب العلاقة مع التحالف.
المواجهة التي فجرها وزير الداخلية اليمني في عدن هي جزء من معركة لم تهدأ بعد، طرفها الأبرز الرئيس هادي، الذي يبدو أنه يئس من العودة إلى عدن، في ظل بقائه اللانهائي في الرياض، واستمرار تجريف نفوذ سلطته بوتيرة عالية في المحافظات المحررة.
هادي يبدو أنه يئس من العودة إلى عدن، في ظل بقائه اللانهائي في الرياض، واستمرار تجريف نفوذ سلطته بوتيرة عالية في المحافظات المحررة.
إن أهم ما يميز أحدث حلقة من حلقات المواجهة المتواصلة بين الرئيس هادي وأبو ظبي، أن الرئيس قرر هذه المرة التمترس بالدور الفعال والمؤثر الذي يؤديه الدعاة في عدن، على الرغم من الخذلان الذي بلغ حد التفريط بهم وبدورهم وبمقاومتهم طيلة الفترة الماضية، وتمسكهم بالولاء للرئيس هادي والدولة اليمنية الموحدة.
في السادس والعشرين من شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، داهمت قوة أمنية لا تتبع وزارة الداخلية منزل إمام وخطيب مسجد الخليل بمدينة المنصور في عدن، الشيخ إبراهيم العدني، واعتقلته، بعد يوم على إلقائه خطبة الجمعة التي هاجم فيها تشكيلات الأمن المنتشرة في عدن وحالة الفوضى والاغتيالات، وجدد فيها الولاء للرئيس. وأعطى تصرف كهذا انطباعاً فورياً لدى الجميع بأنه لا مظلة ولا حصانة لمن قرر مناهضة
المشروع الإماراتي وأدواته المحلية، والانحياز للدولة اليمنية.
لذا، جاء هذا اللقاء مع أئمة المساجد وخطبائها والدعاة المعروفين في عدن؛ بمثابة رد متأخر على اعتقال الشيخ العدني، ولتهدئة المخاوف من تغول لا يمكن كبحه؛ للأدوات الإماراتية الأمنية والاستخبارية التي فتكت بالمجتمع وعطلت مفاعيل الدولة، وأورثت الخراب والفوضى، وجرفت مظاهر الحياة الطبيعية في عاصمة البلاد المؤقتة.
جاء هذا اللقاء مع أئمة المساجد وخطبائها والدعاة المعروفين في عدن؛ بمثابة رد متأخر على اعتقال الشيخ العدني، ولتهدئة المخاوف من تغول لا يمكن كبحه؛ للأدوات الإماراتية الأمنية والاستخبارية
لا يمكن الثقة بالتدابير التي يقوم بها الرئيس هادي ومساعديه في عدن، فلطالما قادت مواجهات من هذا النوع إلى دورات عنف، كان الخاسر الأبرز فيها هو الرئيس وحكومته ونفوذ الشرعية الضعيف في المحافظات الجنوبية الواقعة تحت الاحتلال الإماراتي الكامل.
وفي المقابل، تتشعب وسائل الإمارات في محاصرة نفوذ الشرعية، وفي تمرير مشروعها الهادف إلى فرض النفوذ الجيوسياسي على البلاد وموانئها وممراتها المائية، باستغلال الظرف الاستثنائي لليمن. وإحدى هذه الوسائل، مواصلة
دعم الهياكل الانفصالية، وتأمين التسهيلات الكاملة للتحركات الخارجية
لقيادات جنوبية انفصالية في العواصم الدولية، وتحركات كهذه تُعد من أكثر التطورات التي تقلق الرئيس.
تتوفر للرئيس هادي الخامل في الرياض، العديد من الفرص الثمينة لتقويض النفوذ المبالغ فيه للإمارات في جنوب البلاد، فالمزاج العام الرافض للنفوذ الإماراتي العبثي يتزايد باستمرار ، ولا يحتاج إلا إلى القليل من التخصيب الذي يحوله إلى ثورة لا يمكن كبحها؛ في وجه العبث الإماراتي الخطير بالدولة اليمنية.