أعلنت الحكومة
التونسية قرارها عدم تمديد
اتفاقية تعود لحقبة الاستعمار، مع إحدى الشركات الفرنسية المستغلة لسباخ (برك)
الملح في البلاد، والتي أمضاها الباي مع المقيم العام الفرنسي سنة 1949.
مطلب شعبي
ولطالما مثلت مراجعة عقود استغلال الثروات
المنهوبة، مطلبا شعبيا ناضلت من أجله منظمات مدنية وأحزاب في المعارضة، داعية
الحكومات المتعاقبة بعد الثورة لإنهاء ما وصف بـ"اتفاقية العار" مع
فرنسا، والتي تستغل بموجبها مقدرات بينها الملح بأسعار زهيدة جدا.
وينص الفصل 13 من دستور الثورة على أن "
الثروات الطبيعيّة ملك للشعب التونسي، وتمارس الدولة السيادة عليها باسمه، و تعرض
عقود الاستثمار المتعلّقة بها على اللجنة المختصّة بمجلس نوّاب الشعب وتعرض
الاتفاقيات التي تبرم في شأنها على المجلس للموافقة".
وأبرمت اتفاقية الملح بين تونس وفرنسا سنة 1949
ولمدة خمسين سنة، وتم التمديد فيها آليا خلال فترة حكم المخلوع بن علي مرتين لمدة
15 عاما في سنتي 1999 و2014.
ومن البنود المجحفة في هذه الاتفاقية، أن "استغلال
الشركة لسباخ تونس، حدد بقيمة فرنك فرنسي عن الهكتار الواحد من الملح، ولم يقع
مراجعته منذ 70 عاما، في الوقت الذي وصلت فيه تسعيرة الهكتار عالميا إلى 14 و15
دولارا".
ومن شروط الاتفاق أنّه "يمكن لأحد الأطراف
المتعاقدة، التقدم لإبطال العقد لكن قبل 10 سنوات على الأقل من انتهاء فترة
التمديد الجارية، وهو ما قامت به الحكومة".
واعتبر رئيس لجنة الطاقة بالبرلمان، عامر
العريض، في تصريح لـ"
عربي21" أن اللجنة "طلبت من الحكومة منذ تشرين
الأول/ أكتوبر 2018، إبلاغ الطرف الممثل للشركة الفرنسية، بانتهاء عقد استغلال
الملح في آجاله، وفتح مناقصة بكراس شروط جديدة".
وأضاف: "بمقتضى هذا القرار بعدم التجديد
الآلي للشركة، تنتهي اتفاقية استغلال الملح بصياغتها الحالية في سنة 2029، وقبل
نهايتها تكون الدولة التونسية قد فتحت مناقصة جديدة وبشروط تراعي مصلحة تونس".
توظيف سياسي
قرار إعلان الناطق الرسمي باسم الحكومة عن
إنهاء التجديد الآلي لاتفاقية الملح مع فرنسا، لم يخل بدوره من الجدل، ومن
الاتهامات بين الأطراف المتداخلة معارضة وحكومة، بالتوظيف السياسي لهذا الملف.
ووصف كثيرون توجيه الشاهد الإعلام المحلي، بنسب
هذا الإنجاز لنفسه بـ"المغالطة السمجة" و"الركوب على الحدث"
خدمة لأهداف انتخابية خصوصا وأن ملف "الملح المنهوب" طالما كافحت من
أجله منظمات مدنية وأحزاب معارضة.
انتصار للمعارضة
واستغرب الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي
المعارض، غازي الشواشي في حديثه لـ"
عربي21" من ترويج الشاهد لـ"مغالطات"
عبر وسائل الإعلام من خلال نسب إنجاز الآخرين لنفسه ولحكومته.
ووصف القرار "بالانتصار للمعارضة التي
استطاعت أن تضغط على الأحزاب الحاكمة لمراجعة اتفاقيات قديمة تنهب بموجبها دول
أجنبية ثروات تونس".
وتابع: "التيار الديمقراطي كان قد وجه
محضر تنبيه لرئيس الحكومة في آذار/ مارس 2018، وتم تحميله المسؤولية الشخصية بحال
عدم إعلام الشركة الفرنسية بقرار الدولة في إنهاء عقد استغلال الملح قبل انقضاء
الآجال القانونية".
وأعرب بالمقابل عن تخوف حزبه من محاولة الحكومة
تضليل الرأي العام، من خلال إعلان إنهاء الاتفاقية، ثم العودة بعد ذلك لعقد
اتفاقية أخرى مع ذات الشركة خلال السنوات القادمة.
ودعا الشواشي جميع الأطراف من حكومات قادمة
ومعارضة ومجتمع مدني لضرورة مراقبة هذا الملف وغيره من الثروات الطبيعية المسكوت
عنها، حتى بعد انتهاء التعاقد مع الشركة الفرنسية، لضمان الشفافية في ملف ثروات
الشعب.