نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للأستاذ في جامعة جورج تاون والزميل في مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لمعهد بروكينغز، دانيال بايمان، يقول فيه إن الولايات المتحدة جيدة في استخدام القوة العسكرية لهزيمة الإرهابيين، مشيرا إلى أن أبا بكر البغدادي كان قد أعلن عن قيام دولته الإسلامية في حزيران/ يونيو 2014، وأعلن نفسه خليفة عليها.
ويشير بايمان في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى حركة البغدادي سيطرت على مساحة مساوية لمساحة بريطانيا، وعدد سكانها حوالي 10 مليون شخص، وهو ما يجعل إنجازات تنظيم القاعدة وغيره من المجموعات الجهادية يبدو ضئيلا.
ويقول الباحث إنه "بأخذه السبايا وتمويلهم للهجمات الإرهابية، وتصوير قطع رؤوس الرهائن، واستخدام منصات الإعلام الاجتماعي لنشر الدعاية، فإن تنظيم الدولة أرهب العالم وشغله في الوقت ذاته".
ويلفت بايمان إلى أن "الخوف من الإرهاب ازداد بشكل كبير في أمريكا، ما ساعد الحملة الانتخابية لدونالد ترامب، إلا أن هذا ما كان، أما اليوم فقد انتهت (الخلافة) حيث تقوم القوات الكردية التي تدعمها أمريكا بمحاصرة أخر معاقل التنظيم في سوريا، وهناك الكثير من الدروس التي يجب أن نتعلمها من نجاح التنظيم في البداية ثم سقوطه السريع".
ويرى الكاتب أن "السيطرة على أراض تشكل نعمة ونقمة للمنظمات الجهادية، فمن ناحية كانت الخلافة أغنية ساحرة للجهاديين المحتملين، حيث جذبت عشرات آلاف المتطوعين من العالم العربي ومن أوروبا ومن وسط آسيا، وكان بإمكانهم الحصول على ضرائب من المزارعين، بالإضافة إلى بيع النفط من المناطق التي كانوا يسيطرون عليها وتجنيد الشباب تحت حكمهم، فهذه الإمكانات ساعدت في بناء جيش أقوى وجمع ملايين الدولارات شهريا".
ويعقب بايمان قائلا إن "الدولة كانت تجمع في ذروة حكمها حوالي 800 مليون دولار على شكل ضرائب، وكان عناصر تنظيم الدولة يقومون بتخطيط العمليات الإرهابية في الخارج وهم يشعرون بالأمان، مثل هجمات باريس عام 2015، التي تسببت بمقتل 130 شخصا، وقاموا بتعليم وإلهام غيرهم من المجندين للقيام بالهجمات في البلدان التي يعيشون فيها، وربما كان أهم ما حققه تنظيم الدولة هو تحقيق سبب وجوده وهو قيام حكم إسلامي".
ويرى الباحث أن "سبب نجاح الخلافة ابتداء هو كونها في قلب العالم العربي، بالإضافة إلى اكتساب الحرب الأهلية في سوريا اهتماما عالميا، بالمقارنة مع ساحات مثل الصومال واليمن والقوقاز، والأهم من ذلك هو أن الجهاديين في سوريا تمتعوا بحرية في الحركة والعمل في السنوات الأولى من الصراع".
وينوه بايمان إلى أنه "في بلدان أخرى، كلما اكتسب الجهاديون قوة على المستوى المحلي، بعد 11 أيلول/ سبتمبر، فإن أمريكا وحلفاءها يقومون بدعم الحكومة ضدهم، واستغل الجهاديون في العراق وفي الصومال وفي اليمن وغيرها من الدول الحروب الأهلية، لكن المساعدات الأمريكية لتلك الحكومات والهجمات بالطائرات دون طيار وغيرها من الإجراءات كانت تدفعهم وتحتويهم وتعطلهم، وأدت فرنسا دورا شبيها بعد أن استولى الجهاديون على مساحات واسعة من مالي في 2012 و2013".
ويقول الكاتب إنه "بسبب إجرام نظام الأسد في سوريا فإن واشنطن لم تبد اهتماما بالإطاحة بنظامه، وفي الواقع ففي السنوات الأولى من الحرب كان من المتوقع أن تقوم أمريكا بضرب النظام أكثر من الجهاديين، وتحدث باراك أوباما وحلفاؤه بصراحة عن الإطاحة بالأسد، وتدخلت واشنطن فقط بعدما بدأ تنظيم الدولة بقتل الأزيديين والزحف نحو بغداد".
ويفيد بايمان بأنه "عندما جاء التدخل، كان كارثيا بالنسبة لتنظيم الدولة، وأظهر مخاطر السيطرة على أراض، وحاول التنظيم حماية (خلافته)، إلا أن عشرات آلاف من مقاتليه سقطوا في عملية الدفاع هذه، بالإضافة إلى العديد من المخططين ومروجي الدعاية".
ويقول الكاتب إنهم "كانوا شجعان وعنيدين ولم تنهر (الخلافة)، لكن مساحتها تضاءلت شيئا فشيئا، لإثبات أنه بالرغم من توفر الموارد للتنظيم إلا أنه لم يكن قادرا على الوقوف أمام القوة العسكرية لأمريكا وحلفائها".
ويشير بايمان إلى أن "الجاذبية لتنظيم الدولة لم تنته، لكنها تضاءلت بشكل كبير،
حيث لم يعد قادرا على الادعاء بأنه قادر على إقامة دولة يطبق فيه الشريعة، وأصبح المجندون الغربيون، مثل شاميما بيغوم من بريطانيا وهدى مثنى من أمريكا، الذين ذهبوا هناك ليعيشوا في (دولة الخلافة)، وكانوا يطالبون بمهاجمة الغرب يتوسلون اليوم للسماح لهم بالعودة إلى أوطانهم".
ويقول الباحث: "أما تنظيم القاعدة، الذي يسير على نهج تنظيم الدولة ذاته، لكنه ينافسه، فكان مدركا لفترة طويلة لهذه الصعوبة، وكان ابن لادن دائما ينظر إلى الخلافة على أنها الهدف النهائي، لكنه كان يدرك أن إعلانها مبكرا قبل أن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها سيوفر ببساطة هدفا سهلا لغضب أمريكا، بالإضافة إلى أن خليفته أيمن الظواهري أبرز حذرا، وتعاطف معه التنظيم بسبب شعبيته ومقدرته على جذب المجندين، وفي عام 2019 يبدو أن حذر ابن لادن كان في محله".
ويبين بايمان أنه "كان من المفاجئ لمن روعهم قطع الرؤوس الذي مارسه تنظيم الدولة وقسوة حكمه، أنه كانت (للخلافة) شعبية بين من حكمتهم، مثل حركة الشباب في الصومال، وتنظيم القاعدة في اليمن، وحركة طالبان في افغانستان وغيرها من المجموعات، ولا ترجع هذه الشعبية إلى العقيدة، بل إلى إمكانية تلك التنظيمات أن تقوم بالوظائف الرئيسية للحكومات: من فرض للقانون والنظام وتقديم الخدمات الاجتماعية الأساسية".
ويلفت الكاتب إلى أن الاستراتيجي الجهادي أبا بكر ناجي، دعا في أطروحته التي حملت بجدارة عنوان "إدارة التوحش"، إلى العنف الإرهابي لخلق مناطق فوضى في البلد، فسيكسب الجهاديون بعدها الشعب الذي عانى من غياب القانون والنظام، مشيرا إلى أن تنظيم الدولة اتبع هذه الخطة، وقال أحد عناصر شرطة تنظيم الدولة: "إن نجحنا في تحقيق العدل، كنا نعرف أننا سنكسب قلوب الشعب".
ويذكر بايمان أن "سكان المدن، مثل مدينة الموصل، الذين لم يفروا عندما وصل تنظيم الدولة، يعترفون بأن أحكام التنظيم الوحشية حسنت من الخدمات، مثل توفير الكهرباء ومحاربة الجريمة، فمثلا أدرك المهندسون الحكوميون الذين كانوا يأخذون رواتبهم لكن يعملون في أعمال أخرى تحت حكم الحكومة العراقية بأن عليهم العمل في وظائفهم تحت حكم تنظيم الدولة، وكسب تنظيم الدولة قسما من السكان بهذا، وكان ناجحا في استخراج الموارد نتيجة لذلك، وفي الوقت الذي تتلاشى فيه ذكريات وحشية تنظيم الدولة، ويعود الفاسدون وغير ذوي الكفاءة للحكم، فإن بعض العراقيين والسوريين سينظرون إلى فترة حكم تنظيم الدولة عندما كانت الكهرباء لا تنقطع بنوع من الحنين".
ويقول الباحث: "أما بالنسبة لأمريكا، فإن مشكلات الحكم هذه أثبتت أنها مصدر هلاك للجهود الأمريكية لمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط وأبعد من ذلك، فمنذ 11 أيلول/ سبتمبر طورت أمريكا ماكينة قتل كبيرة وقادرة تقوم بقتل الإرهابيين، لكن ما يجب فعله بعد الضربات العسكرية هو أمر ثبتت صعوبته، فقد أوجد أمراء الحرب والأنظمة الفاسدة مناطق فوضى، ولم تجد أمريكا إلى الآن صيغة لاستبدالها بحكومات قوية يمكنها الحفاظ على النظام دون مساعدة أمريكا، ففي أفغانستان والعراق، وربما سوريا الآن، تتسبب السلطات المحلية الضعيفة والفاسدة وفاقدة الكفاءة بعودة مجموعات التطرف المحلية بعد الهزيمة".
ويفيد بايمان بأن "إدارة ترامب، كما فعلت إدارة أوباما قبلها، تتصارع في كيفية الموازنة بين المراقبة والمبالغة في التعبير عن الانتصار، وترامب يركز على جانب الانتصار ويتبجح حول هزيمته لتنظيم الدولة، وهو ما يزعج المتخصصين في مكافحة الإرهاب والذين يريدون البقاء في سوريا لإبقاء الضغط على التنظيم".
ويرى الكاتب أن "من ينتقد ترامب بسبب تبجحه السابق لأوانه محق، لكن من المهم أيضا إدراك أن تنظيم الدولة أصيب بمقتل، حيث شكلت هزيمة (الخلافة) نقطة تحول من حيث توقف المتطوعين الأجانب وصعوبة ترتيب الهجمات الإرهابية الدولية، وليس من المتوقع أن تتكرر الظروف التي أدت إلى انتعاش تنظيم الدولة، ولذلك ليس من المحتمل أن ينتعش التنظيم قريبا بالمقياس ذاته، أو أن جبهة جديدة لها جاذبية سوريا ذاتها ستنشأ قريبا".
ويختم بايمان مقاله بالقول: "لكن لا شيء من هذا يعني انتهاء الإرهاب الجهادي، بالإضافة إلى أن جاذبية فكر تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة لا تزال قوية، وستحاول أعداد قليلة من الأتباع في الغرب أن يحملوا السلاح".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
فايننشال تايمز: هذه مشكلة أوروبا مع مواطنيها في سوريا
لوفيغارو: هكذا أخاف ترامب قادة أوروبا وخلط أوراقهم الأمنية
شاهد عيان يروي تفاصيل المحاولة الانقلابية على البغدادي