قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، إبراهيم يسري، إن "الحكم العسكري في مصر استمر لما يقارب 70 عاما ولديه النية للبقاء 70 سنة أخرى ما لم تحدث مفاجآت غير عادية".
وأكد في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "السيسي يملك بكل قوة مقاليد الحكم، ولن يسلم السلطة إلا بانقلاب عسكري عليه أو ثورة شعبية عارمة تطيح به، خاصة أن قانون الحكم العسكري هو أنه لا يسقط إلا بفعل من داخل المؤسسة العسكرية".
وانتقد يسري، الذي يشغل منصب الرئيس الشرفي للجبهة الوطنية المصرية، أداء المعارضة المصرية، قائلا : إنها تعاني من طفولة سياسية، فضلا عن أنها تعاني من ضعف شديد يشل حركتها ويعطل قوتها، وما تقوم به ضجيج بلا طحين"، مؤكدا أن المعارضة تحتاج لتغييرات كبيرة، وأهمها بزوغ قيادات جديدة.
وتوقع أن تمر التعديلات الدستورية لتسمح باستمرار النظام الحاكم حتى سنة 2034 وما بعدها، خاصة في ظل ما وصفه بهشاشة المعارضة التي قال إنها تكتفي بإصدار "بيانات عنترية، لكنها في واقع الأمر أصبحت غير قادرة على تطوير هذه البيانات إلى عمل سياسي سلمي".
وشدّد يسري على أن "الأوضاع الراهنة لن تتغير إذا استمر ضعف النخب والقيادات وفي ظل اكتفاء الطبقات الفقيرة والمتوسطة بالعويل والشكوى؛ فالشعب الواعي المنظم هو الوحيد الذي يملك مفتاح التغيير".
وتابع: "المخرج السياسي الفاعل هو اصطفاف كل القوى السياسية دون إقصاء بحيث تتمكن من اتخاذ موقف سلمية قانونية كالإضراب والعصيان المدني قبل أن تقع في بحر من الدماء أو تموت عطشا".
وفيما يلي نص المقابلة:
حدث لغط بشأن اعتزالكم العمل العام.. فما هي أبعاد هذه الخطوة؟
أساس هذا اللغط، كما وصفته، هو تدوينة نشرتها على صفحتي بالفيسبوك بعنوان استعرته من الصحفي محمد حسنين هيكل هو استأذن في الانصراف، وقلت إنني كمحامي بالنقض توليت قضايا الشأن العام وبدأت هذا التوجه عام 2007 في قضية بطلان اتفاق تصدير الغاز لإسرائيل التي نالت زخما شعبيا، وأنصفنا القضاء في إبطالها، وهو ما لم أتوقعه.
ثم توليت إثارة ما اعتبرته باطلا من تصرفات السلطة التنفيذية وآخرها دعم بطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية للمنطقة الاقتصادية الخالصة التي أضاعت حقوقنا في ثلاثة حقول غاز استولت فيها قبرص على حقل أفروديت، ونهبت إسرائيل حقلي شمشون وليفيثيان الذي يقع أحدهما على بُعد 90 ميلا من محافظة دمياط و271 ميلا من إسرائيل.
وقضية بطلان اتفاق الخرطوم الثلاثي بين مصر والسودان وإثيوبيا، والذي تنازلت مصر فيه عن حقوقها القانونية النافذة والملزمة في مياه النيل، ومقبول بناء سد النهضة الاثيوبي، والثالثة اتفاق البحث في المكامن الهيدروكربونية في مياهنا دون السماح لمصر بالتنقيب عن هذه المكامن في المياه القبرصية.
وأيضا طعنت أمام الدستورية العليا بانعدام حكمها بصحة اتفاقية التنازل عن تيران وصنافير وطعن أمام المحكمة الإدارية العليا للاستمرار في تنفيذ حكمها ببطلان هذه الاتفاقية، وكان يساعدني متطوعا وبدون أتعاب الأستاذ الوطني الكبير محمد الدماطي (رحمة الله عليه)، نظرا لظروفي الصحية، ولكني تبينت في الأشهر الماضية أن حالته الصحية لا تستطيع تحمل متابعة هذه القضايا، لهذا لجأت إلى كتيبة من المحامين الوطنيين القديرين فأصدرت لهم توكيلات لمتابعة القضايا المذكورة، وهذا هو معنى الانصراف الذي قصدته، وهو لا ينتزع اهتماماتي بشؤون وطني.
كيف ترى تنفيذ أحكام الإعدام بشكل متواصل في مصر؟
حياة الإنسان هبة من الله وليس من السهل التوسع فيها شرعا وقانونا، فالإعدام في الشريعة الإسلامية كان يقتصر على من ارتكب جريمة قتل إنسان وفُتح المجال أمام تجنبها بقبل ولي الدم، واقتصر الحكم بالإعدام تعذيرا إذا كانت الجريمة تمثل خطرا كبيرا على المجتمع، وذلك وفقا لتقدير القضاء.
وفي قانوننا أُبيح للقضاء بالحكم بالإعدام في الأحوال التي يثبت فيها ارتكاب جريمة القتل أو الخيانة، لكنه استلزم موافقة كل القضاة الذين تُعهد إليهم القضية، وأكد القانون على إفساح المجال أمام المتهم ومحاميه بتقديم الدلائل القاطعة على البراءة دون الاقتصار على اعتماد شهادة الشهود أو تقارير الشرطة.
لكن حدث ما لم أشهده في القضايا الجنائية مما يبعث على الاعتقاد بوجود ثغرات في إجراءات قضايا الإعدام خاصة وأن عدد المحكوم بإعدامهم يبلغ العشرات، ولم تنشر وسائل الإعلام حيثيات تلك الأحكام، وهذا ما ينبغي اتخاذه حتى يقتنع الضمير الجمعي للشعب باستحقاق الحرمان من حقه في الحياة، وقد صادفت في عملي بالمحاماة قضاة تجنبوا الحكم بالإعدام طيلة ممارستهم القضائية.
دعوات اصطفاف المعارضة التي تم إطلاقها مرارا وتكرارا.. كيف تراها؟
هذه الدعوات بدأت قبل ثورة 25 يناير، وقد شاركت فيها بإعلان جبهة النهضة ثم جبهة الضمير الوطني بعد الثورة وبعدها شاركت في الدعوة للاصطفاف في وثيقة إعلان القاهرة.
وقد استمرت الجهود في هذه الأيام، ولكن ظهر أن بعض النخب تُمارس السياسة بآلية المشاعر الشخصية من حب أو كراهية وهي أمور لا مكان لها في قاموس السياسة، فهي تتجنب التوافق في وقت تحتاجه البلاد لإرساء ديموقراطية قوية بالأساليب السلمية ووفقا للقانون والدستور، ورفض النخب لاستعادة روح ميدان التحرير التي شكلت أقوى اصطفاف، وكان ذلك أهم أسباب نجاح الثورة، مما يفصح عن أن نخبنا تعاني من طفولة سياسية، فضلا عن أنها تعاني من ضعف شديد يشل حركتها ويعطل قوتها.
ودعني هنا أوضح أنني عزفت عن ممارسة السياسة، ولم اقتنع بالانضمام لأي حزب قبل حركة 1952 وحتى الآن، ولكنني لم أتوقف عن القيام بواجبي كمواطن وكان وما زال إسهامي في الأساس قانونيا أو ناقدا بكتابة مقالات لسياسات مشوبة بالتسرع أو النقص في خبرة وصلاحية دوائر صنع القرار أو القرارات الحزبية الضيقة التي تُتخذ في مقراتنا المغلقة، ومن المؤسف إصرار النخب على سياسة الاقصاء ورفض الاصطفاف.
والمعارضة عندنا هشة وقادتها تنقصهم أولويات العمل السياسي؛ فإقامة نظام ديموقراطي حقيقي أمر في غاية الصعوبة في مصر طالما كان الحاكم عسكريا يعتمد على دعم الجيش، ودلالة ذلك أن النخب طلبت إجراء انتخابات مبكرة فأضاعوا مكسبا تاريخيا، وهو ضرب الشرعية والتآمر عليها، وشاركوا في حركة 30 يونيو، وشهدنا في المرحلة الحالية أقطاب 30 يونيو يتراجعون عن تأييد نظامها.
كيف تقرأ خطوة تعديل الدستور؟
تعديل الدستور خطوة خطيرة يجب تناولها بالدراسة، لأن الدستور يأتي كعقد اجتماعي يتم اعتماده باستفتاء شعبي والقاعدة المُتبعة دوليا هي الحفاظ عليه لعشرات -إن لم يكن لمئات – السنين، ولكن الأمر في مصر مختلف تماما.
فبعد التغاضي عن دستور 1954 الرائع أصبح الدستور يُصاغ على نهج الحاكم، وبالتالي دخلنا في لعبة إصدار دساتير لكل حاكم، بينما تدوم الدساتير مئات السنين، فالدستور الأمريكي صدر في القرن الثامن عشر أي منذ 230 سنة، والماجنا كارتا بإنجلترا في القرن الرابع، وقس على ذلك في الدول الأوروبية وفي الهند.
وعليه، فإن التسارع في استصدار الدساتير يكشف عن عيب خطير في التطبيق الديموقراطي ومن هنا لا أحبذ تعديل الدستور على مقاس كل حاكم.
وكيف تنظر لمواقف النخب الرافضة لتعديل الدستور؟
النخب قامت بدور وطني كبير قبل ثورة 25 يناير، ولكن الواقع السياسي الآن قد شابه تغيير جذري فهي تكتفي بإصدار بيانات عنترية، ولكنها في واقع الأمر أصبحت غير قادرة على تطوير هذه البيانات إلى عمل سياسي سلمي، وأتوقع أن تمر هذه التعديلات لتسمح باستمرار النظام حتى سنة 2034 وما بعدها.
وأرى أن ما تقوم به النخب والمعارضة ضجيج بلا طحين، فالمعارضة في الداخل والخارج تحتاج إلى تغييرات كبيرة وأهمها بزوغ قيادات جديدة، بل إنني لا أري أن هناك معركة بالنسبة لتعديل الدستور، فالمعارضون يكتفون بكتابة بيانات الرفض والتنديد.
برأيك: هل الخيار الأنسب التصويت بـ "لا" في الاستفتاء المرتقب أم المقاطعة؟
كتبت ودعوت كل من لا يؤيد التعديلات ألا يدلي بصوته، وأن يتجنب الاقتراب من اللجان حتى لا يتيح تحويل صوته من الرفض إلى الموافقة. أما مقارنة البعض بحالة بينوشيه في تشيلي فهي غير واردة للاختلاف الجذري بين الحالتين.
كيف ترى تعويل البعض على احتمالية وجود رفض دولي لتعديل الدستور؟
بكل صراحة وبعد ممارستي للعمل الدبلوماسي وأحكام القانون الدولي أرى أنه ينبغي ألا نضع ثقتنا وأملنا في المجتمع الدولي والرأي العام العالمي، ومجلس حقوق الإنسان، ومجلس الأمن، فكلها اصطلاحات رائعة ومنظمات نشطة، ولكن دورها هو كشف انتهاكات حقوق الإنسان وتعتبر منبرا يكشف هذه الانتهاكات دون وقفها.
ما هو سر التعجيل بسرعة الانتهاء من تعديل الدستور؟
هذا ما يصعب التنبؤ به، ولكني أظن أن الدافع يتعلق بفكر النظام نفسه وخطته المستقبلية التي ينبغي متابعتها بعناية.
وكيف تقيم موقف المؤسسة العسكرية وباقي مؤسسات الدولة المصرية من سياسات النظام؟
المؤسسة العسكرية اندمجت مع كل سلطات ومؤسسات الدولة واخترقتها وصارت لها السيطرة والرأي في كل أنشطتها، وهو وضع غير مألوف إلا في بعض الدول الشمولية ولا أستطيع تقييم ذلك، ولكني لا أتوقع لها أداء ضعيفا لنقص الكفاءات والخضوع لأسلوب العسكر.
وباقي مؤسسات وأجهزة الدولة ليس لها من مواقف تخالف إرادة النظام، بل تتقبل كل سياسات واتجاهات المؤسسة العسكرية.
كيف ترى استمرار الهجمات الإرهابية بسيناء؟
بدأت مشاكل سيناء منذ عقود وازدادت بعد اتفاقية السلام (كامب ديفيد)، وأُعدت لها مشروعات كبيرة للتنمية إلا أنها توقفت فجأة وبدون تفسير، مما أذهل الجميع بمن فيهم وزير الإسكان الأسبق المهندس حسب الله الكفراوي.
وقد تابعت تطورات الوضع في سيناء وأعكف الآن على إعداد كتاب شامل عن أزمة سيناء التي نبهت إليها لجنة الأزمات بالأمم المتحدة مبكّرا وألحقت هذه الدراسة بتقرير لاحق يحذر من نتائج خطيرة يدعو لتجنبها.
وحل مشاكل سيناء يأتي بالتنمية وليس بالمدفع والطائرة، واقترحت في هذا العمل ألا نستخدم الأسم الجغرافي سيناء، بل قد ندعوها الوجه الشرقي تعبيرا عن اندماجها بالوطن المصرية. ولكن أهم نتائجها في رأيي هو انتهاء التزامات اتفاقية السلام.
ودعنا أولا أن نقيم ظاهرة الاٍرهاب في مصر لأول مرة في تاريخها؛ فهناك خلط بين الاٍرهاب والإجرام، كما نلاحظ أن النظام الجديد تحدث فقط في بداية حكمه عن إرهاب محتمل.
ومن المهم أيضا التمييز بين الفعل ورد الفعل؛ فقد تمت أعمال تُنسب للإرهاب نتيجة لتبني سياسة الحلول الأمنية.
كيف ترى مستقبل العسكر في حكم مصر؟ وهل قد نجد تدخلا عسكريا ضد السيسي؟
الحكم العسكري استمر لما يقارب 70 عاما ولديه النية للبقاء 70 سنة أخرى ما لم تحدث مفاجآت غير عادية. والسيسي يملك بكل قوة مقاليد الحكم ولن يسلمها إلا بانقلاب عسكري عليه أو ثورة شعبية عارمة تطيح به، خاصة أن قانون الحكم العسكري هو أنه لا يسقط إلا بفعل من داخل المؤسسة العسكرية.
كيف تقيم موقف أمريكا من الأحداث بمصر؟ وهل قد تحدث قطيعة مع السيسي؟
الدور الأمريكي يتبع دائما سياسة خبيثة لإضعاف العرب والاستيلاء على أموالهم ودعم ربيبتهم إسرائيل ولا شأن له بالحرية وحقوق الإنسان، ولذلك على العرب كشفه وإفشاله. وطالما ينفذ الرئيس السيسي ويؤيد البيت الأبيض فلا قطيعة بينهما.
كيف تابعت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن حقوق الإنسان بمصر خلال زيارته الأخيرة للقاهرة؟
الرئيس الفرنسي بادر بزيارة مصر ليبدي اهتمام فرنسا بعلاقتها مع القاهرة ربما لأسباب اقتصادية في المقام الأول، ولكن حديثه عن حقوق الإنسان يقصد به التأكيد على الالتزام الأوروبي بتطبيق مبادئ حقوق الإنسان في مصر غير أنه حرص على تأكيد قوة العلاقات بين البلدين.
في تقديرك: هل قد نجد ثمة تغيير محتمل بمصر قريبا أم لا؟ وما المخرج؟
الأوضاع الراهنة لن تتغير إذا استمر ضعف النخب والقيادات وفي ظل اكتفاء الطبقات الفقيرة والمتوسطة بالعويل والشكوى؛ فالشعب الواعي المنظم هو الوحيد الذي يملك مفتاح التغيير.
والمخرج السياسي الفاعل هو اصطفاف كل القوي السياسية دون إقصاء بحيث تتمكن من اتخاذ مواقف سلمية قانونية كالإضراب والعصيان المدني قبل أن تقع في بحر من الدماء أو تموت عطشا.
"عربي21" تحاور عضو سابق بلجنة الدستور قبل اعتقاله بساعات
بهي الدين حسن: ترامب لم يعد لديه وقت كاف لدعم السيسي
أسرة خالد سعيد لـ"عربي21": السيسي يخشى اندلاع ثورة عارمة