يبرز ملف المقاتلين الأجانب الأسرى لدى قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، بشكل رئيس وسط تطورات عمليات شرق الفرات في سوريا ضد تنظيم الدولة، وتدور تساؤلات حول مصيرهم وتعدادهم وجنسياتهم، لا سيما مع "قرب السقوط الوشيك للتنظيم"، وفق التصريحات الأمريكية والتحالف الدولي.
وتتباطأ دول عدة باستقبال مواطنيها من المقاتلين الأجانب في سوريا، من أجل محاكمتهم، بعد أن قاتلوا في صفوف تنظيمات مسلحة مثل تنظيم الدولة.
وتتزايد الضغوطات الأمريكية على الدول الأوروبية من أجل إعادة مواطنيها، مهددة بإطلاق سراحهم في حال لم يحصل ذلك، وفق تغريدة أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، السبت الماضي.
أعداد المقاتلين الأجانب
ويبلغ عدد المقاتلين الأجانب لدى القوات الكردية المدعومة أمريكيا، نحو ألف شخص دون احتساب عائلاتهم، بحسب مصدر كردي تحدث لـ"عربي21"، شريطة عدم ذكر اسمه.
وأضاف المسؤول في الإدارة الذاتية الكردية، أن "قسد" تحتجز نحو ألف مقاتل أجنبي بالإضافة إلى عدد أكبر منه من النساء غير المقاتلات والأطفال، موضحا أن هذه الإحصائية في سوريا وحدها.
وسبق أن أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن المئات من النساء الأجنبيات وأطفالهن محتجزون بمعسكرات في مناطق خاضعة لسيطرة مقاتلين أكراد متحالفين مع الولايات المتحدة في شرق سوريا.
وأكد أن المناطق التي يحتجز فيها أسرى تنظيم الدولة في دير الزور والحسكة، ومنهم من تم ترحيله إلى الشمال السوري، ضمن صفقات.
وبحسب المصدر الكردي لـ"عربي21"، فإن عدد النساء الأجنبيات المحتجزات أكثر من 500 امرأة، أما أطفالهن فيبلغ عددهم 1200 على الأقل.
وأكد أن جنسيات النساء تنوعت بين 46 جنسية.
اقرأ أيضا: "قسد": فرنسا تتجاهل ترحيل المقاتلين الأجانب من سوريا
وسبق أن أكدت "قسد"، عدم قدرتها على تحمل مسؤولية المقاتلين الأجانب وعائلاتهم لفترة طويلة.
وأضاف المصدر أن هناك إشكالية في جنسية أطفال المقاتلين من تنظيم الدولة، "إذ تتزوج المرأة الداعشية من رجال عدة إما بسبب مقتل زوجها أو الطلاق، فتتزوج مقاتلا من جنسية أخرى، وتنجب أطفالا آخرين".
جنسيات المقاتلين
من جهته، أوضح الصحفي الكردي مروان حمدوش، لـ"عربي21"، أنه بحسب المعلومات التي اطلع عليها، فإن جنسيات المقاتلين الأجانب تقسمها القوات الكردية إلى قسمين.
وذكر أن القسم الأول وهو الذي يضم العدد الأكبر، يضم دول: روسيا وتركيا والسعودية وتونس والمغرب.
أما القسم الثاني، فهو الذي يعد اليوم الأكثر إثارة للجدل، بسبب رفض بلدانهم إرجاعهم لها، وهي دول أوروبية، أبرزها: فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، بلجيكا، ودول من البلقان مثل كوسوفو وألبانيا.
وأكد أنه لا تتوفر معلومات عن عدد المقاتلين الأجانب من جنسيات خليجية، رغم تعامل السلطات في السعودية وبقية دول الخليج بصرامة مع هذا الملف.
وتاليا تفاصيل أعداد المقاتلين الأجانب وفق جنسياتهم من القسم الثاني، الذي يماطل في تسلم مواطنيه، بحسب ما اطلعت عليه "عربي21" من معلومات:
فرنسا: تحتجز قوات "قسد" 130 رجلا وامرأة وطفلا من الجنسية الفرنسية.
بلجيكا: يقدر عدد البلجيكيين بنحو 150 مقاتلا، يضاف لهم 160 طفلا ولدوا لزوجين أحدهما على الأقل بلجيكي.
ويؤكد الموقف الرسمي أن السلطات تريد تسهيل عودة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن عشر سنوات، شرط إثبات أن أحد الأبوين بلجيكي، وما تزال الحكومة تدرس إعادة الباقين.
ألمانيا: لا يعرف عددهم تحديدا، ولكن يقدر عدد الألمان الذين سافروا إلى سوريا والعراق، وانضموا إلى تنظيمات مسلحة بألف شخص منذ 2013، أعلنت الحكومة عودة ثلثهم، وأن 150 منهم لقوا حتفهم، فيما لا تزال تجهل مصير الآخرين، إلا أن من بينهم أسرى لدى "قسد".
بريطانيا: بحسب الوكالة الفرنسية، فإن السلطات البريطانية سبق أن أحصت مائتي مقاتل أجنبي بريطاني لا يزالون موجودين في سوريا والعراق.
روسيا: تتهم موسكو بالقتل الميداني للروسيين الذين انضموا إلى تنظيمات مقاتلة مناوئة لحليفها بشار الأسد، إلا أنها وبحسب الكرملين، تسعى إلى إعادة أبناء المقاتلين فقط، ويبلغ عددهم حوالي 1400 طفل لا يزالون في سوريا، وفق نشطاء سوريين.
وبحسب إحصائيات للسلطات الروسية، فقد توجه حوالي 4500 مواطن روسي للقتال في الخارج، معظمهم من الجمهوريات ذات الغالبية المسلمة مثل الشيشان، وفق إحصائية للاستخبارات الروسية مطلع 2018.
كوسوفو: يقدر عدد المقاتلين الأجانب ممن يحملون جنسية كوسوفو، الذين لا يزالون في سوريا، 145 شخصا نصفهم من النساء والأطفال.
ألبانيا: يقدر عددهم بأقل من مئة شخص، بينهم نساء وأطفال.
مواقف بلدانهم
أما كيف تتعامل هذه الدول مع المقاتلين الأجانب، فإنه بحسب ما رصدته "عربي21" من مواقف رسمية عبر وكالات الأنباء وما نشر من صحف بشكل رسمي، فإن فرنسا وألمانيا وبريطانيا تتجنب إعادة مواطنيها الذين التحقوا بتنظيمات مسلحة في سوريا.
أما بلجيكا وألمانيا وكوسوفو، فإنها لا تعارض عودة مواطنيها من سوريا رسميا، لكنها تماطل، ويكون مصيرهم الحتمي السجن.
مخاوف الدول
من جهتها، أوضحت المختصة في الشأن الأوروبي، هالة الساحلي، أن ما يجعل الدول الأوروبية تتردد في إعادة مواطنيها إلى بلادهم، لأنها "تريد محاكمة المقاتلين الأجانب لمحاكمتهم، ومن هذا المنطلق فقضاء هذه الدول بحاجة إلى أدلة، وإثبات لمحاكمتهم".
وأشارت في حديثها لـ"عربي21"، أن "هذا الأمر أكدت عليه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في وقت سابق، أن بلادها على استعداد لاستعادة مقاتليها إذا ما حصلت من السلطات المختصة على أدلة تورطهم".
وأضافت: "في حال لم تتم إدانة المقاتلين الذين تمت إعادتهم، فإن هذا يضع السلطات في حرج أمام الرأي العام، ويضع المواطنين والمجتمع في خطر إفلات هؤلاء من السجن".
اقرأ أيضا: لماذا ترفض دول استعادة الجهاديين المعتقلين لدى "قسد"؟
وأوضحت: "لكن في الحقيقة، فإن الدول الأوروبية فشلت في تحقيق أهداف برنامج تم وضعه في 2017، بالتوافق مع الناتو، يهدف لإعادة تأهيل المقاتلين، إلا أنها لم تستطع استئصال الفكر المتطرف الراسخ لدى هؤلاء".
واعتبرت أن "الأخطر، أن بعضهم جند بعض الشباب الذين تعرفوا عليهم في السجن".
بالإضافة إلى أن "مدة محكومياتهم كانت قصيرة، لأنهم حوكموا على تهم إدارية. و معظم هؤلاء المقاتلين الذين تم حبسهم، يخرجون من السجن بوقت قريب، أي خلال أشهر فقط".
ولفتت إلى أن "الرأي العام الأوروبي في غالبيته ضد عودة المقاتلين. لكن الجدل الحاصل يدور حول عائلاتهم من الأطفال و النساء. ففي بلجيكا هناك توجه نحو استرداد الأطفال الأقل من 12 سنة وأمهاتهم فقط. في حين أن فرنسا تعترض، لأنها تؤكد أن نساء داعش مقاتلات وخطيرات".
هل اقترب الصراع بين نظام الأسد و"قسد"؟.. مؤشرات توضح
محللون: هذا سر تباين المواقف الأوروبية من بيع السلاح للسعودية
مبادرة لتوثيق المختفين والمعتقلين لدى تنظيم الدولة بسوريا