"حال الحكومة معنا كفقراء على طريقة المثل العربي الشهير (المفلس يبحث في دفاتره القديمة) وفي حالة رئيس سلطة الانقلاب عبدالفتاح السيسي، فهو لم يجد بدفاتره إلا الغلابة"، كان ذلك تعليق سائق التوكتوك الثلاثيني محمود عبدالله على قرار فرض الضرائب على مركبته.
وقررت سلطات الانقلاب العسكري فرض ضريبة على مركبات نقل الركاب "التوكتوك"، ما اعتبره البعض تقنينا لحرب النظام على "أكل عيش" فقراء المصريين، والتضييق عليهم، وسلب مقدراتهم، ما أثار حالة من الغضب، خاصة أن القرار يمس نحو 5 ملايين أسرة من المعدمين ومن هم يقبعون تحت خط الفقر العالمي.
ويعاني ملايين المصريين من أزمات معيشية طاحنة؛ بسبب سياسات النظام العسكري الحاكم السياسية والاقتصادية، والتي أدت في السنوات الماضية لزيادة نسب الفقر بالبلاد لأكثر من 30.2 بالمئة من الشعب، الذي يبلغ تعداده نحو 98 مليون نسمة بالداخل.
السائق عبدالله، يقول: كان حلما يراودني بجمع 20 ألف جنيه لشراء توكتوك مستعمل، وعندما اشتريته صار حلمي أن يمر يوم بلا عطل فيه أو أن أكفي بيتي من العمل عليه لأكثر من 14 ساعة بعد البنزين والأعطال ودفع الإتاوات بالمواقف والشوارع، ولكن أن أدفع ضرائب فليقولوا لي من أين.
وأضاف لـ"عربي21"، أن الضرائب ستكون نهاية سلسلة من دفع الأموال للحكومة بداية من الترخيص والتأمينات والضرائب والكارتة والإتاوات، متسائلا: "ليه مش سايبينا نعيش زي الناس؟"، مضيفا أن الحل سيكون زيادة أجرة الركوب على الناس.
اقرأ أيضا: الموندو: تعديل الدستور يحمي السيسي ويمنحه هذه الامتيازات
ويخضع التوكتوك أهم وسيلة يعتبرها الشباب المصري طوق نجاته من البطالة للضريبة للمرة الأولى، ويبلغ أكثر من 3 ملايين مركبة، منها 99 ألفا مرخصة، وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في 2018.
ويتراوح سعره من 20 إلى 50 ألف جنيه حسب حالته، ولكن يعيب البعض على التوكتوك سيره بعشوائية وقيادة أطفال له، بجانب خطورته على الطرق الرئيسية وتسببه بكثير من الحوادث، وارتباطه ببعض المناطق بعمليات إجرامية.
وحسب دراسة لمصلحة الضرائب، ستخضع ضريبة التوكتوك لأسس، أهمها الإيراد اليومي وعدد أيام العمل وصافي الربح الخاضع للضريبة، استنادا لموديل سنة تصنيع التوكتوك، وعدد أيام العمل السنوية، وهل تم التأمين عليه، ونسبة صافي الربح والإقرارات الضريبية التي قدمها الممول.
وذكرت الدراسة أن الإيراد اليومي للتكوتوك لعام 2014، مبلغ 100 جنيه، ويراعى زيادته بنسبة 10 بالمئة سنويا، فيما لم تتحدث المصلحة عن الدخل المتوقع من ضريبة التوكتوك سنويا.
ويشغل التوكتوك، الذي يصنفه اقتصاديون بأنه وسيلة مواصلات مصر الأولى، حيزا من النقاش ومقترحات بمشروعات قوانين بالبرلمان، حيث تتم مناقشة تقنينه وفرض الضرائب عليه ضمن مشروع قانون المرور الجديد، فيما يأخذ حيزا كبيرا من اهتمام وزارة الداخلية.
وفي تصريحات صحفية، قال عضو لجنة النقل بمجلس النواب محمد بدوي: "لدينا 4 ملايين توكتوك، و8 ملايين شخص يقودها، لذا يجب تقنينها، فيما أكد عضو اللجنة التشريعية سامى رمضان، أن محاسبة التوكتوك ضريبيا يدر ملايين الجنيهات على الدولة، دون أن يشير إلى رقم معين".
جباية بقوة الدبابة
وفي تعليقه، قال أستاذ التمويل والاقتصاد بجامعة إسطنبول صباح الدين زعيم، الدكتور أشرف دوابه، إن القرار يأتي ضمن سلسلة إفقار متعّمد للمصريين عبر السياسة التي يتبعها الانقلاب بجمع الأموال بكل طرق الجباية دون عدالة بين فئات وطبقات المجتمع.
رئيس الأكاديمية الأوربية للتمويل والاقتصاد الإسلامي، أضاف لـ"عربي21"، أن النظام الحالي لا يهمه أحد فقير وآخر تحت خط الفقر وثالث من الطبقة الوسطي لا يجدون قوتهم طالما بيده قوة الدبابة يفرض بها قراراته وسيرضخ الشعب لها.
وأكد أن هذا النظام قائم على الجباية، حيث تبلغ الضرائب بموازنة العام 2018/2019 نحو 770 مليار جنيه بزيادة 27بالمئة عن 2017/ 2018، مضيفا أن النظام يبحث عن أي حصيلة من جيوب الشعب، وفي الوقت ذاته يضعهم بانشغال دائم وهم سداد ما يطلب منهم.
وبلغت تقديرات الإيرادات الضريبية بمشروع الموازنة للعام المالي 2018/ 2019 نحو 770 مليار و280 مليون (14.7بالمئة من الناتج المحلي) مقابل نحو 603 مليار و918 مليون جنية السنة المالية الماضية، بزيادة قدرها 166 مليار و362 مليون بنسبة نمو 27.5 بالمئة.
تقنين وليس جباية
وعلى الجانب الآخر، يعتقد الصحفي المتخصص بالشأن الاقتصادي، محمد نصر الحويطي، أن "فرض الضرائب على سائقي وملاك التوكتوك ليس الغرض منه ابتداء تحصيل الأموال فقط، أو جمعها عبر وزارة المالية؛ لكن الغرض منه تقنين عمل هذا النوع من مركبات النقل، خاصة بعد انتشاره بصورة كبيرة، دون وجود ضوابط تسمح بتسييره أو ترخيصه".
الحويطي، أكد لـ"عربي21"، أن أصحاب التوكتوك لا يعتمدون عليه بشكل رئيسي في دخلهم، بل هو جزء من زيادة دخل الأسر الفقيرة نسبيا، مبينا أنه يدر عائدا جيدا، خاصة بالمناطق العشوائية التي يصعب على المركبات والتكاسي وسيارات الأجرة السير بشوارعها.
وأشار الباحث الاقتصادي إلى عدم وضوح الرؤية حول كيفية محاسبة التوكتوك ضريبيا، ونسبة الضريبة المفروضة، وكيف سيتم تحصيلها هل على الاستيراد أم عند التقنين أو الترخيص؟ مبينا أن أكثر من 90 بالمئة من التوكتوك غير مرخصة، وتعمل جميعها بالمناطق العشوائية.
وقلل الحويطي من تأثير القرار على المصريين أو زيادة سعر الركوب، وقال إن "فرض ضريبة التوكتوك أمر غير مؤثر كثيرا بقدر تأثير ارتفاع أسعار الطاقة المقررة بشهر تموز/ يوليو المقبل".
ورفض الحويطي تصنف فئة حائزي التوكتوك وسائقيه بالأكثر فقرا، مؤكدا أن أصحاب التوكتوك يملكون دخلا أفضل من كثير من المصريين الفقراء الحقيقيون داخل الطبقة المتوسطة.
لماذا انقلب ماكرون على تصريحاته حول حقوق الإنسان بمصر؟
هل يستغل السيسي "تحيا مصر" لنهب أموال الإخوان المصادرة؟
هل يستخدم السيسي شركات إماراتية كستار لأخرى إسرائيلية؟