بعد العام 2003، صار الفساد الماليّ من سمات الدولة العراقيّة؛ ولهذا لا يزال العراق يحتلّ المراتب الدوليّة المتقدّمة في هذا المضمار، رغم وعود الحكومات المتعاقبة بالسعي لمكافحته.
صحيفة ديلي بيست الأمريكيّة قالت يوم أمس، الخميس، إنّ: "وزارة العدل الأمريكيّة تُجري تحقيقاً مع شركة التعاقدات العسكريّة (ساليبورت غلوبال سيرفيسز) للتأكّد فيما يُزعم بأنّها لعبت دوراً في تقديم رشى لمسؤولين عراقيّين، منهم رئيس وزراء أسبق، ونجلّه وصهره مقابل الفوز بعقود استثنائيّة"!
وهذه إشارة واضحة إلى نائب رئيس الجمهوريّة نوري المالكي!
وفي نهاية العام الماضي، كشف مصدر عراقيّ مطّلع عن "تحرّك رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، لاستعادة عشرات مليارات الدولارات من خلال فتح أكثر من 13 ألف ملفّ فساد، وملاحقة المتورّطين لتقديمهم للقضاء".
حكاية الفساد في العراق لم تأت من فراغ، وإنّما هي سياسة مخطّط لها منذ الأيّام الأولى للاحتلال، بدليل ما كشفته صحيفة الغارديان البريطانيّة نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي، نقلاً عن هنري واكسمان، رئيس لجنة الرقابة والإصلاح في الكونجرس الأمريكيّ وقتها، الذي قال إنّ "الولايات المتّحدة أرسلت 281 مليون دولار إلى المتعاونين معها في العراق فور دخولها العراق وإسقاط الرئيس الراحل صدام حسين، من أجل اختراق العراق، والسيطرة على حكوماته، وإدارته من قبل متعاونين"!
حكاية الفساد في العراق لم تأت من فراغ، وإنّما هي سياسة مخطّط لها منذ الأيّام الأولى للاحتلال
وكشفت الصحيفة أنّ "مجموع ما أُرسل للوزارات العراقيّة وقتها بلغ نحو 8.8 مليارات دولار كان يفترض أنّها لإعادة الإعمار، لكنّ أيّ من هذا الإنفاق لم يحدث؛ إذ لم تكن هناك رقابة على تلك الأموال، ولا على كامل الـ20 مليار دولار التي أنفقتها سلطة التحالف الدوليّ المؤقّتة في العراق في ذلك الوقت"!
جوهر القضيّة لا يتعلّق بمقدار الأموال المهدورة، لكن في رؤية زعماء الاحتلال، حيث إنّ بريمر حينما سُئل عن مصدر تلك الأموال، وأين ذهبت؟
قال، وبدون أدنى خجل: "ليس مهمّاً! المهمّ أنّها لم تكن من الأموال الأمريكيّة، ولا من دافعي الضرائب بالولايات المتّحدة، هي أموال العراق، ومن صندوق التنمية للعراق، وقمنا بإدارة تلك الأموال نيابة عن العراقيّين"!
جوهر القضيّة لا يتعلّق بمقدار الأموال المهدورة، لكن في رؤية زعماء الاحتلال، حيث إنّ بريمر حينما سُئل عن مصدر تلك الأموال، وأين ذهبت؟
بريمر، الذي حكم العراق منذ 9 أيار/ مايو 2003 حتّى 3 حزيران/ يونيو 2004، أمضى عاماً كاملاً في العراق، وأصدر كتابه المليء بالفضائح وعنوانه: "عام قضيّته في العراق". وجاء فيه (الصفحة 21): "برّ الرئيس بوعده، وسلّمني في 9 أيار/ مايو رسالة بتعييني مبعوثاً رئاسيّاً إلى العراق، ومنحني سلطة تامّة على موظّفي الحكومة الأمريكيّة، وأنشطتها، وأموالها هناك، وتفويضي بكلّ الأعمال التنفيذيّة والتشريعيّة والقضائيّة في العراق"!
فلماذا اختار الرئيس بوش الابن؛ بريمر تحديداً لهذه المهمّة الدقيقة؟ وماذا فعل بريمر؟
هذه التقارير الجديدة، التي تتحدّث عن حقائق مُخجلة وقعت في العراق على يد ممثل واشنطن في العراق (بريمر)، تؤكّد ازدواجيّة المعايير لدى بريمر، الذي تكلم بمثاليّة كبيرة في كتابه حينما تحدّث عن اجتياح "عصابات النهب لمعامل الكهرباء والمحطّات الفرعيّة لسرقة أدوات التحكم والعدادات، والأجهزة الإلكترونيّة، ودمروا أبراج نقل الكهرباء لسرقة الأسلاك النحاسيّة التي يذيبونها في سبائك، ويبيعونها في السوق السوداء، ونهبوا عشرات من المنشآت التي تملكها الدولة"!
منْ يقرأ كتاب بريمر يقول عن الرجل: "عمل بجدّ في كلّ الأوقات من أجل العراق"، لكنّ الحقيقة غير ذلك!
اعتراف بريمر بتصرّفه (غير المشروع) في أموال صندوق التنمية للعراق، وكلامه عن انتقاد عصابات السرقات في العراق، يؤكّد التناقض وازدواجيّة المعايير التي ينادي بها ساسة واشنطن!
بوش الابن وبريمر هما مؤسّسا نظّرية الفساد في العراق بشهادة الأمريكان أنفسهم، فماذا يمكن أن تكون المحصّلة في العراق، الذي فقد أكثر من ألف مليار دولار نتيجة الفساد؟
الحقيقة أنّهم جاؤوا لدمار العراق وسحقه، وقد ارتكبوا عشرات المهازل السياسيّة والأخلاقيّة في العراق، والأيّام كفيلة بظهور فضائح ماليّة وأخلاقيّة أخرى!
بوش الابن وبريمر هما مؤسّسا نظّرية الفساد في العراق بشهادة الأمريكان أنفسهم، فماذا يمكن أن تكون المحصّلة في العراق، الذي فقد أكثر من ألف مليار دولار نتيجة الفساد؟
منْ يرجو خيراً من محتلّ فهذا إما عميل، أو مغفل! الاحتلال يدمّر الدول ويمتصّ دماء أبنائها!
محاربة
الفساد والإرهاب الأمنيّ والماليّ والإداريّ من أولويّات المرحلة القادمة، فهل هنالك منْ يمتلك القدرة على تنفيذها وإدارتها بما يخدم العراق والعراقيّين؟