أثارت قضية رصد مخالفات في إحدى المدارس القرآنية بمحافظة سيدي بوزيد وسط تونس، جدلا واسعا في البلاد حول الدور الذي تؤديه مراكز التعليم الديني في المجتمع.
وخيم تباين في الأفكار على طريقة تناول التيارات السياسية للقضية، ففي حين دعا بعضها لإغلاق المدارس القرآنية لدورها في نشر التطرف، طالب آخرون بتشديد الرقابة عليها، ومعاقبة المخالفين، بينما رأى آخرون استغلالا للقضية من أجل تحقيق مكاسب سياسية.
نقطة البداية
بدأت القضية، أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي عندما تلقت وزارة المرأة والأسرة والطفولة، بلاغا من هيئة الإتجار بالبشر (مستقلة) عن "استغلال 26 طفلا اقتصاديا وسوء معاملتهم وحملهم لأفكار متشددة في مدرسة "ابن عمر" بمنطقة الرقاب في محافظة سيدي بوزيد".
وفي 31 من الشهر ذاته، انتقل مسؤولون من الوزارة برفقة مختصين نفسيين إلى المدرسة، ورصدوا هناك تعرض 42 طفلا إلى الاستغلال الاقتصادي، وسوء المعاملة، وتشغيلهم، وهي أمور ممنوعة قانونيا.
وإلى جانب الـ42 طفلا، كان يوجد 27 راشدا داخل المدرسة تتراوح أعمارهم بين 18 و35 سنة، من بينهم صاحب الجمعية ومدرسون، تم إيقافهم جميعا.
ونقلت السلطات الأطفال إلى مركز إيواء حكومي بضاحية حمام الأنف قرب العاصمة تونس.
قرارات حاسمة
عقب حادثة مدرسة الرقاب، أصدرت السلطات 11 قرارا بغلق مدارس دينية مماثلة في 6 ولايات، فيما ينتظر إصدار 4 قرارات غلق إضافية.
اقرأ أيضا: غلق مدرسة لتحفيظ القرآن باستعمال القوة يثير جدلا بتونس
ومع تواصل التحقيقات، أصدر القضاء التونسي، حكما بالسجن عاما وغرامة مالية 240 دينارا (77 دولارا) بحق صاحب مدرسة الرقاب فاروق الزريبي، لـ"زواجه من تونسيتين إحداهما على غير الصيغ القانونية".
عدد الجمعيات القرآنية وإطارها القانوني
عقب ثورة 11 كانون الثاني/ يناير 2011، بدأ عدد الجمعيات ذات التوجهات الدينية والدعوية يتنامى في تونس، وراح معظمها ينشط تحت غطاء العمل الخيري والاجتماعي في إطار المرسوم رقم 88 الصادر في 24 سبتمبر/ أيلول 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات.
ووفر المرسوم المذكور حرية كاملة لتشكيل الجمعيات والانضمام إليها، وعقد أنشطة متنوعة في إطارها.
والإثنين الماضي، كشف وزير الداخلية التونسي هشام الفوراتي في جلسة بالبرلمان، عن وجود ما يناهز 259 جمعية، من بينها 15 تقوم بأنشطة تربوية وتعليم القرآن، وتتوزع في 8 ولايات.
وقال الفوراتي إن هذه المدارس تستقطب حوالي 530 شخصا، ويتمثل هدفها المعلن في تحفيظ القرآن وتعليم التجويد وعلوم الشريعة.
ولفت الوزير التونسي إلى تسجيل خروج عدد من الجمعيات المذكورة عن إطار الهدف المعلن في مناهجها التدريسية.
مدرسة الرقاب
أُنشئت مدرسة الرقاب في 09 تشرين الثاني/ فبراير2012 كجمعية تربوية تتمثل أهدافها في تنظيم دورات تحفيظ القرآن.
أمّا صاحبها فاروق الزريبي، فهو من القيادات البارزة بجماعة "الدعوة والتبليغ" المعروفة بنشاطها الدعوي في تونس.
وسافر الزريبي سنة 2004 إلى باكستان ومنها إلى جنوب أفريقيا لدراسة علوم القرآن واللغة الإنجليزية، وحصل هناك على ''الشهادة العالمية في القرآن الكريم'' عام 2008.
وإلى جانب نشاطه الدعوي، أسّس الزريبي في تونس بالتعاون مع بعض رجال الأعمال الأجانب عدة شركات تنشط في قطاع السيارات والمواد الغذائية.
مواقف مندّدة
ومع انتشار الجدل عن القضية على المحطات التلفزيونية ومنصات التواصل الاجتماعي، سارع البرلمان التونسي بعقد جلسة للحوار مع الحكومة، الإثنين الماضي، للوقوف على مستجدات الوضع.
وخلال الجلسة، طالب نواب عديدون بالرقابة المشددة على المدارس والجمعيات القرآنية.
اقرأ أيضا: "العفو" تنتقد إخضاع طلبة مدرسة قرآنية بتونس لـ"فحص شرجي"
ودعت كتل الائتلاف الوطني (44 نائبا) (مقربة من رئيس الحكومة، ومشروع تونس (وسطي منشق عن نداء تونس/ 16 نائبا) إلى "تجريم إنشاء مدارس، أو روضات، أو كليات خارج نطاق التعليم الرسمي وسلطة الدولة".
وأدانت كتل المعارضة (الجبهة الشعبية "يسارية" 15 نائبا)، والكتلة الديمقراطية (اجتماعية ديمقراطية 12 نائبا) بشدة، ما تمّ الكشف عنه بخصوص حالات الاعتداء النفسي الذي تعرّض له الأطفال في مدرسة الرقاب.
من جانبه، طالب مجلس شورى حركة النهضة (إسلامية 68 نائبا/ 217) بـ"ضرورة محاسبة مرتكبي أي تجاوزات للقانون وفي حق الأطفال".
كما حذر من "توظيف سياسي لقضية مدرسة الرقاب من أجل تصفية حسابات حزبية أو لشيطنة الجمعيات (الدينية) بصفة عامة".
ودعا إلى "معالجة هذه الوضعية"، واعتبرها "حالة فردية لا تمثل المجتمع التونسي"
مخاوف مشروعة
في المقابل، عبّر نشطاء عن مخاوفهم من إمكانية استغلال حادثة مدرسة الرقاب للتضييق على تدريس القرآن في تونس.
ووصف نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، الحملات التي أثارتها قضية مدرسة الرقاب بالحرب "الشعواء"، الرامية لضرب المدارس القرآنية والتعليم الديني لخدمة أجندات خارجية.
واتهم ناشطون الإعلام التونسي بنشر "افتراءات وأكاذيب" لتشويه حافظي القرآن الكريم.
فيما اعتبرت أصوات أخرى "توظيف هذه القضية من جانب بعض الأحزاب السياسية واستغلالها سياسيا في إطار حملة انتخابية سابقة لأوانها، قبل الانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة في تونس أواخر 2019".