يفتح الكيان الصهيوني، بمؤسساته السياسية الأمنية والأكاديمية والاستراتيجية، بين فترة وأخرى ملف "الخطر الديموغرافي الفلسطيني"، في وقت يسعى فيه إلى ترسيخ يهوديته جغرافياً وسكانياً عبر محاولة حثيثة ومتسارعة لتهويد الزمان والمكان.
وفي هذا السياق، توقع المؤرخ الصهيوني بني موريس، في مقابلة معه قبل عدة أيام في صحيفة هآرتس، مستقبل دولة الكيان بأن يكون مثل أي دولة شرق أوسطية؛ دولة بأغلبية عربية، فالفلسطينيون سيتفوقون عددياً بعد ثلاثة أو أربعة عقود، حيث ستتحول لـ"دولة واحدة بأغلبية عربية، العنف بين سكانها سيتصاعد، واليهود سيصيرون أقلية صغيرة داخل بحر عربي من الفلسطينيين". أما كبير الديموغرافيين الصهاينة البروفسور "سيرجي ديلا فرغولا"، فقد تنبأ باكراً بأنه خلال عدة سنوات سيتحول اليهود إلى أقلية في المساحة الواقعة بين البحر المتوسط ونهر الأردن، وأن الحل يكمن في تغيير الوضع الديموغرافي لصالح اليهود بصورة ملموسة. وبدوره، توقع البروفسور الديموغرافي "ارنون سوفر" بأن الكيان الصهيوني يسير نحو الانتحار، وأن الحل يكمن في التخلص من السكان وإقامة الجدار، فهذا يعني النجاة لليهود. وأشار في أكثر من دراسة إلى "أن السور هو الطريق الوحيد للانتصار على الرحم الفلسطيني، فإذا سقط هذا الجدار سيغمرنا طوفان هائل من الفلسطينيين.. وإذا سقط الجدار سقط الكيان".
منهم يتنبؤون بنهاية الدولة الصهيونية، بسبب التكاثر الديموغرافي الطبيعي العربي، وكان في مقدمة هؤلاء البروفسور المعروف "الياهو رابينوفتش" الذي تنبأ بـ"خراب دولة الكيان" بعد احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة
الكيان الصهيوني وفوبيا الديموغرافيا
وقد أطلق على الباحثين والمحللين والمفكرين الصهاينة الذين يفتحون ملف الهاجس الديموغراف ويثيرون التساؤلات حوله؛ اسم "أنبياء الغضب الديموغرافي"، ذلك أن عدداً منهم يتنبؤون
بنهاية الدولة الصهيونية، بسبب التكاثر الديموغرافي الطبيعي العربي، وكان في مقدمة هؤلاء البروفسور المعروف "الياهو رابينوفتش" الذي تنبأ بـ"خراب دولة الكيان" بعد احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة في الخامس من حزيران/ يونيو 67. ولغرض التفوق الديموغرافي التهويدي على الفلسطينيين والحد من تزايد الفلسطينيين الطبيعي، ارتكزت السياسات الصهيونية على أربعة أسس، تتفرع عنها جملة مبادئ لأغراض مرحلية التنفيذ وفق الإمكانات الصهيونية المتاحة. وتحدد الأسس والركائز بما يلي: العمل الصهيوني الدؤوب لتجهيز يهود العالم إلى فلسطين لكونها العامل الحاسم لزيادة وتطور مجموع
اليهود في فلسطين، فضلاً عن العمل على تهويد الأرض العربية، بعد احتلالها ومصادرة ما يمكن مصادرته بطرق عديدة، إضافة إلى محاولة تهيئة الظروف السياسية
لطرد ما أمكن من العرب الفلسطينيين بقوة المجازر، ومن ثم إقامة المستوطنات لفرض جغرافيا قسرية لصالح التوجهات الصهيونية.
هل اكتملت حلقات المشروع الصهيوني؟
رغم مرور أكثر من سبعة عقود على إنشاء الكيان الصهيوني، يمكن الجزم بأن ثمة حلقات مفقودة ولم تكتمل للمشروع الصهيوني وأهدافه العليا، التي تتمثل أساساً بالتغيير الجغرافي والديموغرافي القسري في فلسطين بغية التهويد في نهاية المطاف، وإن نجح الكيان في مصادرة مساحات واسعة من أراضي الفلسطينيين، لكنه فشل في الجانب الديموغرافي، خاصة وأن خمسين في المئة من مجموع الشعب الفلسطيني لا يزالون داخل فلسطين التاريخية، فضلاً عن عدم قدرة الكيان والمؤسسات الصهيونية (وخاصة الوكالة اليهودية) جذب غالبية اليهود في العالم إلى فلسطين المحتلة حتى بداية العام الحالي 2019، ومن بين (13) مليون يهودي في العالم، يوجد في دولة الاحتلال (50.7) في المئة منهم، وفي المستوطنات القائمة في الضفة الغربية ومدينة القدس.
إن نجح الكيان في مصادرة مساحات واسعة من أراضي الفلسطينيين، لكنه فشل في الجانب الديموغرافي، خاصة وأن خمسين في المئة من مجموع الشعب الفلسطيني لا يزالون داخل فلسطين التاريخية
وفي الجانب الديموغرافي الراهن، تساوى عدد اليهود في العالم مع عدد الفلسطينيين في بداية 2019، إذ وصل إلى (13) مليون نسمة، لكن عدد اليهود في الكيان الصهيوني والمستوطنات في عمق الضفة الغربية والقدس المحتلة (6.6) ملايين يهودي، في مقابل ذلك يوجد (6.4) ملايين فلسطيني في داخل فلسطين التاريخية، بينهم (4.8) ملايين في الضفة والقطاع، ونحو (1.6) ملايين داخل الخط الأخضر. ويعيش ما يقارب (5.9) ملايين فلسطيني في الدول العربية، فضلاً عن (717) ألفاً في الدول الأجنبية. واللافت أن نسبة اللاجئين الفلسطينيين بلغت نحو (42) في المئة من مجمل السكان الفلسطينيين المقيمين في الأراضي الفلسطينية، بواقع (26) في المئة من إجمالي سكان الضفة الغربية و(66) في المئة من سكان في قطاع غزة. والأهم من ذلك، أن نسبة الفلسطينيين المقيمين في فلسطين وحولها في الدول العربية المجاورة تصل إلى (95) في المئة من مجموع الشعب الفلسطيني خلال العام الحالي 2019. وعن آفاق
الصراع الديموغرافي، فإن مجموع الشعب الفلسطيني يتضاعف كل عشرين عاما، وتبعاً لذلك سيصل مجموع الشعب الفلسطيني إلى (26) مليون في بداية عام 2029، وذلك بناء على معدل نمو وسطي قدره (3) في المئة سنوياً، في مقابل ذلك يتضاعف مجموع اليهود في دولة الاحتلال كل (47) عاماً بناء على معدل النمو السكاني السنوي البالغ (1.5) في المئة.
آفاق الصراع الديمغرافي بين العرب الفلسطينيين والتجمع الاستيطاني اليهودي في فلسطين وطن الشعب الفلسطيني الوحيد، هو لصالح العرب في المدى البعيد
فلسطين وطن الفلسطينيين الوحيد
وفق معايير ديموغرافية محضة، يمكن الجزم بأن
آفاق الصراع الديمغرافي بين العرب الفلسطينيين والتجمع الاستيطاني اليهودي في فلسطين وطن الشعب الفلسطيني الوحيد، هو لصالح العرب في المدى البعيد، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار معدلات النمو العالية بين العرب مقارنة بمثيلاتها بين اليهود، فضلاً عن تراجع أرقام الهجرة اليهودية باتجاه فلسطين المحتلة، بفعل تراجع عوامل الجذب المحلية لليهود إلى فلسطين المحتلة، وعدم وجود عوامل طاردة لليهود باتجاهها من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية. وقد يكون صمود الفلسطيني فوق أرضه العامل الأهم في الصراع المذكور، خاصة وأن الحركة الصهيونية وإسرائيل اعتمدت فكرة الترانسفير للعرب الفلسطينيين مدخلاً أساسيا من أجل تحقيق التفوق الديمغرافي في المدى البعيد.