على مدار السنوات الماضية نجحت موسكو في إدارة الأزمات داخل الجغرافية السورية، سواء على صعيد الصراعات المحلية ـ المحلية، أو على صعيد الصراعات الإقليمية ـ الإقليمية في الداخل السوري.
ولكي يكتب لإدارة الأزمات النجاح، لا بد من تجاوز الدبلوماسية الأحادية واعتماد مقاربة الدبلوماسية متعددة الأوجه التي تتعامل مع أطراف متناقضة، كما هو حال الولايات المتحدة في علاقتها القوية مع تركيا من جهة والأكراد من جهة ثانية، وكما هو حال روسيا مع إيران من جهة وإسرائيل من جهة ثانية.
إقرأ أيضا: مع هدوء جبهات سوريا.. هل تظهر خلافات روسيا وإيران للعلن؟
لكن بعيد خروج الصراع السوري من عتبة المعارك الكبرى تقريبا، وتوجه الفرقاء الإقليميين والدوليين إلى تعزيز مناطق نفوذهم، بدأت تظهر على السطح معالم التباين بين الرؤيتين الروسية والإيرانية، وإن كان الواقع الحالي في سوريا لا يسمح لهذا التباين بالوصول إلى مستوى الاقتتال والصراع، فما يزال كل طرف يحتاج إلى الآخر.
يمكن النظر إلى التباين الروسي ـ الإيراني مؤخرا من زاوية التصريحات الثنائية التي تجاوزت السياق المعتاد عليه من الغمز والترميز السياسي إلى السياق العلني الصريح.
خارج السياق
رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه يتهم روسيا بـ"التواطؤ مع الهجمات الإسرائيلية" بقوله وجود "تنسيق بين هجمات الكيان الصهيوني والأنظمة الدفاعية الصاروخية لروسيا في سوريا".
لا تريد روسيا إخراج إيران من سوريا فهذا أمر لا تستطيعه، ولكنها تريد تهذيب وترشيد الوجود الإيراني بما لا يضر بمصالح النظام
إقرأ أيضا: هل تعيش مناطق النظام السوري تصفيات داخلية؟
لا تريد روسيا إخراج إيران من سوريا فهذا أمر لا تستطيعه، ولكنها تريد تهذيب وترشيد الوجود الإيراني بما لا يضر بمصالح النظام، بمعنى أن الساحة السورية لن تكون ساحة للحرب بين الأطراف الإقليمية كما هو حال لبنان، وعليه تعمل روسيا جاهدة إلى إعادة هيكلة الجيش السوري وضبط وإعادة دمج الميليشيات المتفرقة المنفلتة من تراتبية القيادة العسكرية.
وهذا أمر لا بد أن يصطدم بالإيرانيين الذين يفضلون تشظي "الدولة" السورية وكثرة القوى العسكرية الفاعلة، فسوريا ضعيفة يعني ازدياد في الهيمنة الإيرانية بما يخدم مصالحها العليا التي لا تتطابق بالضرورة مع مصالح النظام، خصوصا حين يتعلق الأمر بإسرائيل، لأن سوريا على تماس جغرافي مع إسرائيل ما يعني تحملها العبء الأكبر من الضربات في وقت يحتاج النظام إلى مساحة زمنية من أجل إعادة بناء نفسه.
محاولات للتخريب
والصراع الحاصل بين روسيا وإيران في ريف حماة الشمالي وفي الجنوب السوري يدلل على المخططات الإيرانية التخريبية، وليس صدفة أن يتم الصراع في هاتين المنطقتين، فريف حماة الشمالي على تماس مع المنطقة الآمنة الناجمة عن اتفاق سوتشي بين روسيا وتركيا، ويحاول الإيرانيون عبر وكلائهم المحليين تهديد الاتفاق، ومحاولة دفع النظام إلى شن هجوم عسكري، أما المنطقة الجنوبية خصوصا المحاذية لإسرائيل، فقد نشب الصراع مؤخرا بعيد وضع الإيرانيين صاروخ أرض ـ أرض كبير الحجم في هذه المنطقة، وإطلاقه على إسرائيل، دون ملاحظة الروس.
وفق هذه المعطيات يبدو أن الصراع بين الدولتين سيأخذ أشكالا متعددة في المرحلة المقبلة في ضوء ازدياد التباين بين الجانبين.
إقرأ أيضا: نيزافيسيمايا: هل ستخرج روسيا إيران من سوريا لصالح إسرائيل؟
بالنسبة لإيران فهي تملك القدرة على تحمل الضربات الإسرائيلية مهما كانت كثيرة وقوية، ذلك أن مجرد بقاء التهديد الإيراني لإسرائيل يشكل بحد ذاته أهمية كبيرة لإيران، فهو يجعلها بمثابة قوة ما فوق إقليمية قادرة على التهديد الدائم، ومن جهة ثانية يسمح هذا التهديد بإظهار العجز الروسي في ضبط الساحة السورية، وأن أي حل تريده موسكو في سورية يجب أن يحظى بموافقة أصحاب العمائم.
ومع كل ذلك، لا يجب المبالغة في مستوى الصراع الحاصل بين الجانبين، فكل دولة ما تزال بحاجة للأخرى طالما تتواجد في الساحة السوري قوى إقليمية ودولية فاعلة، والأهم من كل ذلك أن النظام السوري لا يمكن الاستغناء عن إيران فهي الأقرب له من روسيا بالمعنى الاستراتيجي.
كاتب وإعلامي سوري