بعيدا عن تقييم فيلم "
في سبع سنين" من حيثُ الأداء، فقد كُتب في ذلك الكثير، ولكنّ ممّا يلفتُ الانتباه هو مواقف العلماء والدّعاة من الفيلم، لا سيما أنّهم المعنيّون به بالدّرجة الأولى من جهة أنّهم أهل التّخصّص في دراسة هذه الظواهر المتعلّقة بالإيمان ووضع الأسس والطرائق المناسبة للتّعامل معها، ففي الوقت الذي أبدى فيه قلّةٌ منهم تأييدا خجولا للفيلم، وصمتت الغالبيّة؛ ارتفعت أصواتٌ معلنة رفضها للفيلم مهاجمة إيّاه.
طرح المشكلة دون الحلّ
عددٌ من العلماء الكرام عابوا على الفيلم أنّه صوّر المشكلة ولم يطرح لها الحلول، فهو طرح
تحوّل عددٍ من أبناء الحواضن الإسلاميّة الإلحاد والدّعشنة دون أن يبيّن العلاج.
وهذا - لعمري - قولٌ يبعثُ على الذّهول، فمن قالَ للعلماء الكرام بأنّه يجب على كلّ من يطرح مشكلة أن يأتي بحلّها؟!
إنَّ من أكثر الأغاليط التي تُواجَه به موجات النّقد العامّة؛ هي مطالبة النّاقد بالإتيان بحلّ المشكلة التي يطرحها.
إنَّ كون المرء قادرا على النّقد وتشخيص مشكلةٍ ما، فهذا لا يعني أن يكون قادرا على بيان الحلول والعلاجات اللّازمة.
ويكفي النّاقد شرفا أن يسلّط الضّوء بموضوعيّةٍ على مشكلةٍ يراها تستحقّ النّفير، ولو لم يقدّم لها أيّ حلّ أو علاج، بل إنَّ هذا يوجب على أهل التّخصّص أن يتلقّفوا هذا النّقد لدراسته والوقوف على دقّته ووضع الوسائل اللازمة لمعالجته على المدى القريب والبعيد.
والمذهل في انتقاد عددٍ من العلماء والدّعاة للفيلم بعد ذكر العلاج، أنّ هذا الانتقاد يأتي ممّن يجب عليهم هم لا سواهم بيان العلاج والحلول.
فمن قال للعلماء الأكارم بأنَّ خمسين دقيقة هي المحلّ الكافي لمناقشة الظاهرة ووضع الحلّ لها؟!
إنّ مطالبة العلماء للبرنامج بأن يقدّم الحلول؛ شبيهٌ بمطالبة قادة الجيشِ لمن جاءهم منذرا بأنّ جواسيس العدوّ يتسرّبُون إلى داخل صفّهم بأن يقوم هو بمواجهة ذلك والتّصدّي له!!
حالاتٌ فرديَّة
سرعان ما هاجم ثلّةٌ من الدّعاة والعلماء الأكارم الفيلم بدعوى التّدليس وتصوير الحالات الفرديّة التي ظهرت في الفيلم على أنّها ظاهرة.
وبعيدا عن نجاح الفيلم في قدرته على إثبات الظاهرة من عدمه، فالظّاهرة تُنَاقش منذ بضع سنواتٍ في العديدِ من المواقع والمنتديات. وقد حاز هذا الفيلم قصب السّبق في طرح الفكرة بهذه الطريقة الصّادمة.
لكنّ الكثيرَ من العلماء الكرام ما زال مصرّا على إنكار المشكلة وتسفيهها؛ هذا الإنكار الذي سيعمّقها ويزيدُ خطورتها وآثارها الاجتماعيّة والنّفسيّة والسّياسيّة.
إنَّ ما عرضه الفيلم هو مجرّد رأس جبل الجليد من ظاهرتي الإلحاد والدّعشنة في مجتمعات ما بعد الثّورات الموؤودة.
وكان من الأفضل للعلماء الأكارم لو أنّهم كلّفوا أنفسهم عناء تتبّع المشكلة ودراستها بمنهجيّة سليمةٍ، ليعلموا ما إذا كانت مجرّد حالاتٍ فرديّة، أم أنّها ظاهرة تقذفُ في قلوب الحادبينَ على
الشباب المسكين الرّعب.
الفيلم يساهم في نشر الإلحاد والدّعشنة
بعض العلماء والدّعاة رأى في الفيلم وصفة سحريّة
لنشر الإلحاد والدّعشنة، وذلك من خلال كسر الحاجز بين الإلحاد والنّفس المؤمنة، وتصويره على أنّه امر طبيعيّ اعتيادي!!
وهذا القول فيه دلالةٌ كبيرةٌ على انفصال القائلين به عن الواقع، وعيشهم في طبقةٍ حالمة بعيدا عمّا يعانيه الشّباب في أتون الواقع الجحيميّ.
إنّ ممّا يساهم بانتشار أيّة ظاهرةٍ ليس تسليط الضّوء عليها، بل إنكارُها ثمّ مهاجمتها دون أدنى توازن.
على أنّ بعض الدّعاة هاجم الفيلم بأقسى الأوصاف وأعلن الدّعاء على كلّ من ساهم في الفيلم بالشلل والسّوء بطريقةٍ صادمةٍ.
وهنا لا بدّ من القول إنَّ التّعامل العنيف مع الفيلم ومنتجيه وكأنّهم هم سبب المشكلة؛ يمثّل حالة هروب من مواجهة المشكلة الحقيقيّة، كما أنّ هذا التعامل العنيف غير المتوازن من العلماء والدّعاة مع مشكلات الشّباب هو أحد أسباب الظاهرة التي كشف الفيلم اللثام عنها.
ماذا كان المرجو؟!
لستُ في مقام دفاعٍ عن الفيلم ولا أريد ذلك، ولا أنفي وجود ملحوظاتٍ عليه؛ غيرَ أنّه كان خيرا بكثيرٍ من التأييد الخجول أو هذا الهجوم العنيف الذي تلقّاه الفيلم من عددٍ لا بأس به من العلماء والدّعاة، وخيرا من الحوارات الآنيّةِ غير المثمرة في كثير من الأحيان؛ أن يتداعى القوم إلى ورشات عملٍ تخصصية لدراسة الظاهرة، يجمعون فيها علماء الشّريعة ودعاتهم مع المتخصصين الاجتماعيين والنّفسيين لدراسة هذه الظاهرة من حيثُ الأسباب والانتشار والمظاهر والعلاج.
وكان خيرا بكثيرٍ من مهاجمة النّماذج الظاهرة في الفيلم ووصفهم بالشّهوانيّة تارة وبالحمق والوقاحة تارة أخرى؛ استفراغُ الوسع في البحث عن سبيلٍ تتضافر فيها جهود العلماء والدّعاة مع غيرهم من أهل المعرفة والتأثير في المجتمع لإنقاذ هؤلاء الشّباب من مستقبلٍ مجهولٍ لهم ولنا جميعا - إن لم نتداركهم - لا يعلم قعره إلّا الله تبارك وتعالى.